اصطدمت المساعي الأمريكية لمواجهة هجمات الحوثيين على السفن في أحد أهم الممرات المائية في العالم، بالخلافات بين حلفاء واشنطن العرب، خاصة السعودية والإمارات، وفق ما نقلته وكالة "Bloomberg" الأمريكية الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن أشخاص قالت إنهم مطلعون على الأمر.
إذ تدعم اثنتان من أهم الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب الأهلية الطويلة الأمد في اليمن، السعودية والإمارات، الفصائل المتنافسة ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، وقالت المصادر إن مواقفهم المختلفة تعقِّد المحاولة التي تقودها الولايات المتحدة لصياغة رد متماسك على الجماعة.
استهدفت هجمات الحوثيين العديد من ناقلات الوقود وسفن الشحن التي كانت متوجهة إلى إسرائيل، وذلك في إطار دعم الحوثيين للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان منذ 73 يوماً، وقد كثفوا هجماتهم في الأسبوع الماضي، مما أدى إلى اضطراب أسواق الشحن.
بينما أسقطت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية خلال عطلة نهاية الأسبوع 15 طائرة بدون طيار انطلقت من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
حسب وكالة "بلومبرغ" فإن الولايات المتحدة تفكر في اتخاذ إجراء عسكري ضد هجمات الحوثيين، ربما بما في ذلك توجيه ضربات ضد أهداف الجماعة، رغم أنها لا تزال تفضل الدبلوماسية.
كما أن واشنطن تعمل أيضاً مع حلفائها الغربيين والعرب لتعزيز قوة الحماية البحرية التي تهدف إلى تأمين السفن التي تبحر في البحر الأحمر، الذي يمر عبره ما يقرب من 12% من التجارة العالمية.
ما الذي تختلف حوله الإمارات والسعودية؟
فيما يتواصل البيت الأبيض مع الحوثيين عبر سلطنة عُمان وبعض الوسطاء الآخرين، لحثهم على وقف الهجمات، بحسب مسؤول أمريكي. وأكد متحدث باسم الحوثيين هذه الاتصالات، لكنه قال إن هجمات الحوثيين ستستمر حتى توقف إسرائيل القتال في غزة.
تضغط الإمارات من أجل القيام بعمل عسكري وتريد من الولايات المتحدة إعادة تصنيف الحوثيين على أنهم "إرهابيون"، وفقاً لمسؤول يمني تدعمه أبوظبي.
فيما تقول إليونورا أرديماني، الخبيرة في شؤون اليمن وزميلة الأبحاث الأولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "يعتقد الإماراتيون أنه يجب تقييد الحوثيين وتقويضهم وإضعافهم".
في المقابل، تدعم الرياض نهجاً أكثر اعتدالاً بشأن وقف هجمات الحوثيين، خوفاً من أن أي عمل عدائي سيؤدي إلى استفزاز جماعة الحوثيين ليصبحوا أكثر عدوانية، وفقاً لأحد أعضاء الفريق السعودي الذي يتفاوض مع الحوثيين.
كما قال المصدر إن ذلك قد يعرِّض للخطر الهدنة الهشة في حرب اليمن ويحبط محاولة السعودية للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار مع المتمردين.
فقد أثبت الحوثيون مراراً وتكراراً قدرتهم على تعطيل أو إتلاف البنية التحتية الحيوية في السعودية والإمارات والهجوم الأكثر تدميراً الذي أعلنوا مسؤوليتهم عنه جاء في عام 2019، عندما أوقفوا لفترة وجيزة نصف إنتاج النفط في المملكة بضربة بطائرة بدون طيار على مصنع لمعالجة الخام.
منذ الهدنة في أوائل عام 2022، امتنعوا إلى حد كبير عن إطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد جيرانهم الإقليميين.
الرياض تفضل حلاً دبلوماسياً عبر طهران
يعتقد السعوديون أن ارتباطهم الدبلوماسي مع إيران يمكن أن يردع الحوثيين في نهاية المطاف ويساعد على ضمان عدم تحول الصراع بين إسرائيل وحماس إلى حريق إقليمي يحرصون بشدة والولايات المتحدة والأسواق العالمية على تجنبه، حسب وكالة "بلومبرغ".
إذ التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأسبوع الماضي لمناقشة ضرورة وقف إطلاق النار في غزة. وكان نائب الأمير فيصل في بكين للتأكيد من جديد على التزام الرياض بالتقارب الذي توسطت فيه الصين مع إيران في مارس/آذار.
لم يستجِب المسؤولون الحكوميون السعوديون والإماراتيون لطلبات التعليق، ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على الخلافات بين حليفتي أمريكا في الخليج، لكن متحدثاً باسمها قال إن "حل الصراع في اليمن يظل أولوية قصوى".
أمريكا تحشد دولياً
قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للصحفيين يوم الجمعة في إسرائيل: "نحن نعمل على ضمان وحشد دول العالم، التي لديها مصلحة في رؤية هذا التوقف". ووصف هجمات الحوثيين بأنها "تهديد مادي" للتجارة الدولية.
كما أضاف أن وزير الدفاع لويد أوستن يعتزم زيارة المقر الإقليمي للبحرية الأمريكية في البحرين قريباً للإشراف على الرد على هجمات الحوثيين.
بينما قال محللون في مجموعة رابيدان للطاقة، وهي شركة استشارية للمخاطر مقرها واشنطن: "هناك ضغوط متزايدة على واشنطن لاتخاذ إجراءات أكثر قوة، والتحول قادم". وهذا، إلى جانب أي تكثيف للمناوشات الإسرائيلية مع حزب الله، وهو جماعة مسلحة أخرى مدعومة من إيران، "قد يدفع الأسواق إلى البدء في تسعير المخاطر الجيوسياسية"؛ وهذا من شأنه أن يمثل تغييراً بالنسبة للمستثمرين العالميين.
هجمات الحوثيين على السفن ستستمر
يبدو أن الحوثيين أصبحوا أكثر عدوانية من أي وقت مضى، تقول بلومبرغ، ونظمت الجماعة مسيرة كبيرة في العاصمة اليمنية صنعاء الجمعة "ليرى العالم أننا هنا، وأن غزة وفلسطين ليستا وحدهما". كما خطفوا سفينة واحدة وحاولوا الاستيلاء على أخرى، بينما أطلقوا النار وأطلقوا صواريخ جنوب البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب الضيق.
يقول المسلحون إنهم يستهدفون السفن ذات الملكية الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى البلاد، وقد هدد قائد كبير بالبدء في إغراق السفن الأسبوع الماضي.
فيما تشعر شركات الشحن بقلق متزايد من أن جميع السفن تعتبر هدفاً عادلاً، وقد أدت هجمات الحوثيين إلى ارتفاع تكاليف التأمين وأجبرت الشركات بما في ذلك شركة MSC Mediterranean Shipping Co، وهي أكبر خط حاويات في العالم، وشركة A.P. Moller-Maersk A/S على تجنب البحر الأحمر.
كما قالت الشركة المشغلة لقناة السويس المصرية الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول، إن 55 سفينة حوَّلت مسارها لتسير في المسار الأطول منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني بسبب هجمات الحوثيين. وتتهم الولايات المتحدة إيران بتمكين الحوثيين من مهاجمة السفن، وهو ما تنفيه طهران.
حيث قال سوليفان: "بينما يضغط الحوثيون على الزناد، تسلمهم إيران السلاح". وأضاف: "على إيران مسؤولية اتخاذ خطوات بنفسها لوقف هذه الهجمات".
تلقى الحوثيون التمويل والتدريب من طهران على مدى السنوات الثماني الماضية وهم جزء من "محور المقاومة" الإيراني للولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب حماس وحزب الله وجماعات أخرى. وتصنف حماس على أنها منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، فإن أنصار الله، كما يُعرف الحوثيون رسمياً، لا يعتبرون أنفسهم مجرد أتباع للتوجيهات الإيرانية، وفقاً لبرنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون.
قال هيكل إن الجماعة لديها "تركيبة أيديولوجية مختلفة" وليست "متشابكة بشكل وثيق" مع إيران مثل حزب الله "جوهرة التاج" الإيرانية الذي يملك الكثير ليخسره من الحرب الشاملة مع إسرائيل.
كما تقول أرديماني من المعهد الإيطالي إنه من الخطأ النظر إلى الحوثيين على أنهم "بيادق ودمى" في يد طهران. وأوضحت أن دوافعهم تذهب إلى ما هو أبعد من الحرب بين إسرائيل وحماس – فهم يسعون إلى تعزيز موقعهم في اليمن وإبراز أنفسهم كقوة إقليمية لا يستهان بها – مما يعقد الجهود المبذولة لمكافحتهم.