تقليص سنوات الدراسة بكليات الطب بمصر.. خطوة لمواجهة هجرة الأطباء وتحذيرات من انخفاض جودة المستشفيات

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تقليص سنوات الدراسة بكليات الطب بمصر

قال مصدر بالمجلس الأعلى للجامعات في مصر لـ"عربي بوست" إن الحكومة استدعت قانوناً سابقاً غير مفعل منذ عام 2017، في محاولة منها للبحث عن أدوات جديدة تمكّنها من حل أزمة النقص الحاد في أعداد الأطباء داخل المستشفيات الحكومية.

وأشار المصدر إلى أن الحكومة "لجأت للتفتيش في دفاترها القديمة بعدما استنفدت كل الحيل والمبادرات لجذب الأطباء إلى المستشفيات الحكومية أو التقليل من أعداد هجرتهم".

القانون القديم -كما يقول المصدر- كان ينص على تقليص سنوات الدراسة النظرية في كليات الطب لصالح زيادة سنة إضافية للتدريب العملي في المستشفيات، وهو ما أعلن عنه المجلس الأعلى للجامعات في مصر، الأحد 30 أبريل/نيسان 2023، بتعديل مدة الدراسة في كليات الطب لنيل درجة البكالوريوس في تخصص الطب والجراحة العامة لتصبح 5 سنوات، على أن تعقبها سنتان للتدريب الإجباري في مواقع العمل.

ومن المقرر أن يدخل القرار حيز التنفيذ على الطلاب الجدد الملتحقين بكليات الطب مطلع العام الدراسي المقبل. وكشف المصدر أن القانون كان من المفترض أن يتم تطبيقه على المتقدمين الجدد اعتباراً من العام الجامعي 2018-2019، لكنه بقي حبيس الأدراج أملاً في بدائل أخرى تجنبهم الاستغناء عن سنة كاملة تستفيد من مصروفاتها الدراسية، خاصة مع دخول الدولة لـ"بيزنس" التعليم الجامعي بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية.

ويستكمل المصدر ذاته أن تطبيق القانون يجعل هناك فرصة لوجود قدر أكبر من الأطباء سنوياً في أماكن الرعاية الطبية والاستفادة منهم بمبالغ زهيدة قبل التفكير في قرارات الاستقالة أو الهجرة إلى الخارج.

سمعة المستشفيات الجامعية والحكومية على المحك 

بموجب القرار تصبح الدراسة في كليات الطب المصرية بنظام الساعات أو النقاط المعتمدة، وتعتمد على قدرات الطالب في تحصيل أكبر أو أقل عدد ساعات ممكن، وليس بنظام الفصل الدراسي الذي تحدد فيه عدد المواد في كل تيرم، وهو ما يتماشى مع نظم التعليم في دول عديدة سبقت الجامعات الحكومية المصرية في التحول إلى عدد الساعات المعتمدة.

وتستفيد الحكومة المصرية من وجود آلاف الطلاب في 47 كلية طب معتمدة من وزارة التعليم العالي، وتتلقى تدريباً في المستشفيات الحكومية تحت مسمى "عام الامتياز"، موزعين على 24 كلية طب تابعة للجامعات الحكومية، إلى جانب 15 كلية في الجامعات الأهلية (تتبع الحكومة بمصروفات دراسية)، إلى جانب 8 كليات في الجامعات الخاصة.

وحذّر مصدر مطلع بنقابة الأطباء المصرية، من إمكانية انخفاض جودة الخدمة الطبية المقدمة في المستشفيات الحكومية؛ لأنه في تلك الحالة قد يفوق عدد الطلاب الذين لم يكونوا قد تخصصوا بعد عدد الأطباء الذين لديهم خبرة في تخصصاتهم، وأن النقص الحاد في أعداد الأطباء بالمستشفيات الحكومية يجعل هناك صعوبات جمة في توجيه الطلاب وتدريبهم بالشكل الكافي، وبالتالي فإنه سيتم الاعتماد عليهم بشكل رئيسي، وهو ما يجعل سمعة المستشفيات الجامعية والحكومية على المحك. كما أن ذلك قد يزيد من حالات الأخطاء التي يرتكبها الأطباء.

ويشير إلى أن وزارة التعليم العالي لم تستطلع رأي النقابة في قرار تخفيض سنوات الدراسة الفعلية داخل الجامعة، وأن المجلس الأعلى ارتكن بالأساس على أن غالبية جامعات العالم تطبق هذا النظام وتولي اهتماماً بالتدريب العملي داخل المستشفى، غير أن ذلك قد لا يكون قابلاً للتطبيق بالشكل السليم في المستشفيات المصرية جراء نقص الأطباء، وغياب بيئة التدريب المناسبة التي تجعل الطالب يستفيد مباشرة من خبرات الأطباء.

وشدد على أن وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الصحة وكذلك نقابة الأطباء عليهم وضع أسس لعمل الطلاب داخل المستشفيات الحكومية على مدار عامين، بما لا يشكل ظلماً للطلاب الذين لا يحصلون على رخصة مزاولة المهنة إلا بعد انتهاء فترة التدريب العملية في المستشفيات، وبالتالي فإن الاعتماد عليهم بشكل رئيسي قد تكون له نتائج سلبية.

ولفت إلى أن جهات حكومية تستهدف تشجيع الطلاب على العمل في المستشفيات الحكومية لأنها تمنح الطلاب المتدربين مقابلاً مادياً، كما أن المصروفات الجامعية تتقلص في تلك الحالة ولن يكون ولي الأمر بحاجة لدفع المصروفات كاملة كما الحال في السنوات الخمس التي تسبق عملية التدريب، وأن استمرار عملية التدريس النظري لمدة ست سنوات كان محل اعتراضات عديدة من أولياء أمور ليست لديهم القدرة على تحمل قيمة المصروفات التي لا تقل عن 100 ألف جنيه في الجامعات الخاصة، وكذلك الجامعات الحكومية الأهلية.

الخطة الحكومية لصالح التعامل مع مشكلات العجز

وبحسب تعديلات قانون تنظيم الجامعات الذي أقره المجلس الأعلى أخيراً فإن الطلاب الجدد الملتحقين بكليات الطب سيكون عليهم الالتزام بفترة "سنتين للتدريب الإجباري في مواقع العمل التي يحددها المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية ويعتمدها المجلس الأعلى للجامعات".

الوضع ذاته سيحدث بالنسبة لطلاب كليات الصيدلية والذين سيطبق عليهم العام القادم أيضاً لأول مرة سنة التدريب الإجباري (الامتياز) داخل صيدليات المستشفيات الجامعية.

وتمضي الخطة الحكومية لصالح التعامل مع مشكلات العجز، إذ تبلغ النسبة المصرية للأطباء 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، مقارنة بـ23 طبيب لكل 10 آلاف مواطن عبر العالم، بحسب دراسة صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة في عام 2019.

وخلال العام الماضي استقال أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون بالمنشآت الصحية الحكومية، وهو العدد الأكبر خلال السنوات السبع الماضية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم، بحسب أرقام نقابة الأطباء، التي أكدت أن العدد يزيد سنوياً، إذ تضاعف 4 مرات من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.

وقال مصدر آخر بنقابة الأطباء المصرية، إن قرار المجلس الأعلى للجامعات قد يخدم تطوير المنظومة الطبية، شريطة أن يكون قد أجرى دراسات وأبحاث فعلية على مدى استفادة الطلاب خلال فترة التدريب التي تمتد لعامين من عدمه، وهو أمر لم يحدث في الحالة المصرية، وأن تجارب الدول الأخرى التي اتبعت هذا النظام تقول إنها ناجحة لكنه أمر لا يمكن القياس عليه في الحالة المصرية.

وأشار إلى أن المستشفيات الجامعية في مصر تبدو أفضل حالاً من نظيرتها الحكومية التابعة مباشرة لوزارة الصحة، وهناك فرصة لتحسين جودة أداء الأطباء نتيجة لزيادة فترة التدريب.

وأضاف أن المشكلة لا تتمثل فقط في عدد سنوات الدراسة النظرية ومدى اقتصارها على خمس أو ست سنوات، لكنها تتعلق بشكل مباشر بتطوير مناهج كليات الطب، وأن العالم يشهد طفرات سريعة في زيادة وتيرة الأبحاث المرتبطة بالأقسام الطبية المختلفة، وأن إحداث طفرة على مستوى تحسين مستويات كليات الطب المصرية يرتبط بمواكبة تلك التطورات من عدمه، وأن إتاحة المعارف المختلفة عبر الإنترنت وإتاحتها في مصر من خلال بنك المعرفة الذي يستفيد منه الأطباء وأساتذة الجامعات بشكل عام يسمح لأن يكون هناك تدريب تطبيقي أكبر على حساب الجوانب النظرية.

وتسعى الحكومة على الجانب الآخر للاستفادة من أكثر من 4000 طالب من المتوقع دخولهم إلى 12 جامعة أهلية في حال جرى افتتاح 4 جامعات جديدة مطلع العام الجديد، بحسب المصدر ذاته، والذي شدد على أنها ترى أن هؤلاء يشكلون ثروة يمكن أن تشجع على افتتاح مزيد من المستشفيات الجامعية في المحافظات التي توجد فيها تلك الجامعات للتخفيف عن مستشفيات وزارة الصحة.

واعتبر المصدر أن قرارات المجلس الأعلى للتعليم الجامعي مقدمة لقرارات أخرى من المقرر أن تظهر على أرض الواقع خلال السنوات القليلة المقبلة، موضحاً أن المكاسب الباهظة التي تحققها الجامعات الأهلية من المتوقع توجيهها لإنشاء مستشفيات جامعية جديدة.

حل المشكلة بعيد عن تحمل أعباء مالية

وذكر مصدر حكومي بوزارة التعليم العالي تحدث إليه "عربي بوست" مزايا الانتقال إلى نظام الدراسة بالساعات المعتمدة، والذي يساهم في تقليل عدد سنوات الدراسة النظرية، مشيراً إلى أن الطلاب يمكنهم دراسة بعض المواد خلال فصل الصيف، وزيادة فترة التدريب تؤهل الطلاب لإعدادهم بشكل يتلاءم مع احتياجات سوق العمل.

وشدد على أن مواجهة عمليات هجرة الأطباء واستقالتهم تطلبت زيادة أعداد الخريجين، وهو حل منطقي في ظل عدم القدرة على مواكبة ما يحصل عليه الأطباء المصريون في الخارج، وعدم وجود موارد مالية من الممكن أن تقنع الأطباء على البقاء في بلدهم.

وبالتالي اتجه التفكير مباشرة لزيادة أعداد الأطباء الذين بإمكانهم الوجود في المستشفيات الحكومية سريعاً، بدلاً ممن قرروا تركها، في ظل الزيادة المضطردة في زيادة أعداد المرضى والمقبلين على المستشفيات الحكومية مع سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة فئات عديدة على المتطلبات المالية للمستشفيات الخاصة.

ومرت عملية تطوير الدراسة بكليات الطب بعدة مراحل، وإن تطبيق "البورد المصري"، وهو نظام جديد للمتابعة والتقويم الداخلي بدلاً من درجة الماجستير لخريجي كليات الطب بالجامعات المصرية؛ كان أحد تلك الخطوات قبل خمس سنوات.

هجرة الأطباء

ووفقاً للمصدر ذاته: "في ذلك الحين كان مقرراً تطبيق قرار تقليص سنوات الدراسة النظرية، غير أن تطبيقها سيكون مع بداية العام الدراسي المقبل، وإن وزارة التعليم العالي تعمل على مواكبة التطورات الحاصلة في العالم على مستوى دراسة الطب".

ويتوقع العديد من الأطباء الذين تحدث إليهم "عربي بوست" إدخال تعديلات كبيرة على مناهج كليات الطب المصرية مع تطبيق المنظومة الجديدة، والتي ستكون بحاجة إلى ضغطها لتتناسب مع مدة الدراسة 5 سنوات، بدلاً من 6 سنوات، على أن تضرب تلك الجهود عصفورين بحجر واحد لأنها تتيح إمكانية تطوير المناهج ومواكبة التطورات الحاصلة تعليمياً على مستوى العالم، وعدم الاضطرار لقبول أعداد إضافية من الطلاب في كليات الطب، والارتكان على إمكانية حل الأزمة من خلال زيادة أعداد المتدربين.

خريجون غير معترف بشهاداتهم بعد 9 سنوات

وكشف أستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس لـ"عربي بوست" أن جهات طبية دولية تعلن عن أسماء كليات الطب المعترف بها حول العالم، وتشترط أن يكون العمل فيها بنظام الساعات المعتمدة وليس نظام الفصول الدراسية المطبق في الجامعات الحكومية، وأن تلك المنظمات منحت الفرصة حتى عام 2032 لتغيير منظومة التعليم في الدول التي مازالت تعمل على النظام القديم.

وبالتالي في حال الاستمرار على الوضع السابق فإن خريجي الكليات المصرية قد يواجهون مشكلات عدم الاعتراف بشهاداتهم.

لكن المصدر ذاته يقلل من إمكانية أن يؤدي تغيير نظام التعليم إلى تطوير المنظومة الطبية في مصر، وأن الأساس في ذلك يتمثل في تغيير نظام القبول بكليات الطب، والتأكد من قدراتهم الذهنية والمعرفية حتى لا تتكرر مشكلات رسوب أعداد كبيرة من الطلاب في العام الأول، إلى جانب تقليل أعداد المقبولين في كل كلية مع افتتاح كليات جديدة، بحيث لا يزيد عدد الطلاب في الدفعة الواحدة عن 200 طالب وليس 1200 طالب كما هو الحال في العديد من الكليات الكبيرة.

وشدد على أن الحكومة سيكون عليها تقليل أعداد المقبولين من الوافدين في كليات الطب، وليس من المنطقي أن يذهب المجلس الأعلى للجامعات لزيادة الأعداد بحجة استيعاب الوافدين، وأن هؤلاء قد لا يكونون مضطرين للحصول على شهادة الامتياز من المستشفيات الجامعية المصرية وقد يحصلون عليها من الخارج، وبالتالي فإن القرار الأخير يخدمهم بالدرجة الأولى على حساب الطلاب المصريين.

ورفعت وزارة التعليم العالي، العام الماضي، نسبة الطلاب الوافدين من 5% من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات ليصبح 25%، فضلاً عن القبول بكليات الطب بنسب نجاح في الثانوية العامة بنحو 75%.

ويُمنح الطالب الوافد، وفق قرار صدر مؤخراً عن مجلس الوزراء، ميزة تخفيض المصروفات الدراسية في 5 جامعات واقعة خارج نطاق القاهرة، وهي جامعة دمنهور بنسبة تخفيض 20%، وجامعتا السويس ومطروح 30%، وجامعة بورسعيد 35%، وجامعة الوادي الجديد 40%.

وتسوق مبادرة "ادرس في مصر" 27 جامعة حكومية و20 جامعة خاصة، و7 جامعات دولية، و7 جامعات أهلية، و6 جامعات تكنولوجية، و173 معهداً عالياً، و46 معهداً تكنولوجياً، بالإضافة إلى 170 أكاديمية ومعهداً عالياً خاصاً.

بفعل التسهيلات الحكومية، أصبح هناك إقبال على الجامعات المصرية من الطلاب الأجانب، خاصة العرب، وهو ما شكل مفاجأة لبعض الأساتذة الجامعيين الذين وجدوا أنفسهم يدرّسون لطلاب من الوافدين أكثر من أعداد الطلاب المصريين داخل المدرجات التعليمية.

تحميل المزيد