كشفت مراجعة استقصائية أن هيئة حكومية أمريكية قدمت تمويلاً سياسياً "غير معلن" لمنظمات تعمل داخل تركيا، وذلك بهدف إحداث "تغيير" في البلد الذي يشهد انتخابات مهمة، العام القادم.
أظهرت مراجعة استقصائية لوثائق مالية تخص منظمة "الوقف القومي للديمقراطية" (National Endowment for Democracy) المعروفة اختصاراً باسم (NED)، أنها قدمت منحاً وتمويلات بلغت مليونين و600 ألف دولار في عام 2021 لتمويل أنشطة سياسية واجتماعية داخل تركيا، بحسب ما نشره موقع الجزيرة الإخباري الإثنين 20 يونيو/حزيران 2022.
تعرف المنظمة نفسها كإحدى منظمات التمويل السياسي الخارجي الأمريكي وتعمل من واشنطن.
بحسب المراجعة، فقد تم تقديم مِنح وتمويلات لـ9 منظمات تعمل بتركيا في قضايا وشؤون سياسية، تراوحت قيمة المنحة الواحدة بين 40 ألفاً و720 ألف دولار.
كما كشفت المراجعة أن التمويل الذي لم يفصح عنه، للمنظمات السياسية المحلية في عام 2020 كان يزيد على 2.5 مليون دولار.
إخفاء هويات الجهات الممولة
وتعمدت الوثيقة إخفاء أسماء المنظمات التركية المحلية؛ في مجاولة للحفاظ على أمن تلك المنظمات من احتمال تعقب الحكومة التركية للتمويل غير المشروع.
وفق إحدى الوثائق التي أجملت نهاية الأعمال للوقف لعام 2021، فقد قدمت المنظمة مبلغ 147 ألف دولار لتمويل منظمة "غير معلنة"؛ من أجل "الإصلاحات البنيوية في التشريعات التركية".
قالت الوثيقة إن المنحة كانت من أجل "تعزيز سيادة القانون، وتشجيع الحكم الرشيد، والمساءلة من خلال الدعوة إلى إجراء إصلاحات هيكلية في المؤسسات والتشريعات الرئيسية".
أضافت الوثيقة: "ستركز المنظمة بشكل خاص على الإصلاحات المتعلقة بالرقابة التشريعية، والسلطة التنفيذية، وقانون الأحزاب السياسية، والقانون الانتخابي، وعملية وضع الدستور".
في منحة أخرى قدمت المنظمة مبلغ 290 ألفاً لمنظمة تركية لم تسمها معنية بـ"الدفاع عن الإعلام المستقل"، وذكرت أن الأموال استخدمت جزئياً في إنشاء منصة على الإنترنت تخدم الصحفيين والمواطنين المعنيين "من أجل دعم ومناقشة الإعلام المستقل والتحديات التي تواجه الصحفيين وحرية الصحافة في تركيا".
فيما ذهبت منحة رابعة بقيمة 40 ألف دولار إلى منظمة وصفتها الوثيقة بأنها تعمل على "تعزيز الأفكار والقيم الديمقراطية، ودفع النقاش حول السياسات العامة من خلال المنصات الإعلامية التفسيرية الرقمية".
قالت الوثيقة عنها إنها "ستتعاون مع أعضاء من الأوساط الأكاديمية التركية والمجتمع المدني لإنتاج سلسلة من مقاطع فيديو إعلامية توضيحية حول القضايا الاجتماعية والسياسية الحرجة في تركيا".
أضافت الوثيقة: "سيقوم المستفيد من المنحة بتنظيم مناقشات عبر الإنترنت حول الموضوعات المتعلقة بالديمقراطية التي تهم الشباب، كما ستنشر بانتظامٍ محتوى نصياً وإنفوغرافيك في حسابها على إنستغرام".
ملفات توتر العلاقة
تضاف هذه الوثائق إلى العديد من الملفات الشائكة لا تزال مصدر توتر بين تركيا وأمريكا، كدعم واشنطن لتنظيمات "ي ب ك/بي كا كا" ورفضها تسليم زعيم تنظيم "غولن" فتح الله غولن، بالإضافة إلى ملفي العقوبات الأمريكية على أنقرة وبرنامج مقاتلات إف-35.
حيث يثير استمرار الدعم الأمريكي لتنظيمات "ي ب ك/بي كا كا" المصنفة إرهابيةً، غضب أنقرة من حليفتها واشنطن. وتقول الولايات المتحدة إنها تدعم هذه التنظيمات في سوريا، تحت ذريعة "محاربة داعش".
ورغم احتجاج أنقرة على التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وتنظيم "ي ب ك"، الذي تَعزز في فترات أوباما وحينما كان بايدن نائباً له، واصلت إدارة ترامب هذا التعاون، فيما تتهم أنقرة إدارة بايدن حالياً باستمرار دعمها لهذه التنظيمات.
تقول أنقرة إن دعم واشنطن لهذه التنظيمات بحجة محاربة داعش يهدد الأمن التركي، وعلاقات التحالف بين البلدين، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حلال استمرار الدعم الأمريكي لخصومها.
كما لا تزال أنقرة تنتظر من الإدارة الأمريكية تسليمها زعيم تنظيم "غولن" فتح الله غولن، المصنف إرهابياً من قبل أنقرة، المتهم بتدبير محاولة انقلابية في عام 2016.
تعتقد أنقرة أن "استمرار الولايات المتحدة في احتضان تنظيم غولن من أجل مواصلة أنشطته المعادية لتركيا، يشكل أكبر معضلة تزعزع استقرار العلاقات الثنائية بين البلدين".
وحافظ ملف "غولن"، الذي تتهمه أنقرة بتنفيذ المحاولة الانقلابية الفاشلة على مكانته في طاولات المفاوضات والدبلوماسية بين البلدين. ونظراً لحساسية موضوع هذا التنظيم بالنسبة لتركيا، فقد سعت إدارة ترامب لاتخاذ خطوات تجاه الحد من أنشطة "غولن"، وبدء التحقيق مع كبار أعضائه، إلا أن جميع تلك الخطوات لم تفرز أية نتائج ملموسة في عهد بايدن.
كما تعتبر قضية شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" في مقدمة القضايا التي تشكل مثار خلاف بين أنقرة وواشنطن. وتقول تركيا إنها طلبت قبل شراء المنظومة الروسية الحصول على نظام الدفاع الجوي "باتريوت" من الولايات المتحدة، لكن الأخيرة لم تستجِب للطلب التركي.
وعارض الكونغرس الأمريكي، العام الماضي، شراء تركيا منظومة "إس-400″، معتبراً إياها تهديداً لمنظومات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومقاتلات "إف-35″، التي تملكها بعض الدول الغربية.
كان الكونغرس قد طالب الرئيس الأمريكي السابق بإدراج تركيا ضمن قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات (كاتسا)، وهو ما تمَّ في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
قبل ذلك استبعد البنتاغون تحت ضغط من الكونغرس، في 17 يوليو/تموز 2019، أنقرة عن برنامج إنتاج مقاتلات (إف-35)، وعلق الشراكة معها في هذا المشروع، ما ألحق أضراراً بالغة بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
وتربط واشنطن شراكتها مع أنقرة في برنامج مقاتلات (إف-35)، بتراجع الأخيرة عن شراء منظومة (إس-400)، وفرض عقوبات على تركيا، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على تطور العلاقات بينهما.
حول هذا الملف، اتهم الرئيس أردوغان واشنطن بعدم الصدق في التعامل مع بلاده حول طائرات F-35، إذ قال من نيويورك قبيل مشاركته في اجتماع الأمم المتحدة الأسبوع الماضي: "اشترينا من واشنطن طائرات إف-35، ودفعنا 1.4 مليار دولار ولم نتسلم الطائرات تلك. ينبغي للولايات المتحدة حل هذا الأمر أولاً". وأضاف: "نحن نتصرف بصدق وموقفنا صادق، لكن الولايات المتحدة للأسف لم تتصرف كذلك". مضيفاً في النهاية أن "أنقرة ستلبي احتياجاتها الدفاعية من أماكن أخرى إذا لم تساعدها واشنطن في هذا الصدد".
اختتم الرئيس التركي حديثه بالقول: "ما نتمناه هو أن تسود الصداقة علاقاتنا مع الولايات المتحدة عوضاً عن الخصومة؛ كوننا حليفين في الناتو".