عندما أعلن المغول الإسلام ليسيطروا على بلاد المسلمين، لكنّ المماليك كانوا لهم بالمرصاد

لا تقلّ هذه المعركة أهمية عن معركة عين جالوت، رغم أنّ المغول حينها كانوا مسلمين!

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/19 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/23 الساعة 11:04 بتوقيت غرينتش
معركة شقحب / historica.fandom

جميعنا يعرف قصّة معركة عين جالوت الحاسمة، عندما انتصر سلطان المماليك المظفر قطز وقائده العسكريّ المميز ركن الدين بيبرس على المغول عام 1260. لكنّ هذه المعركة الحاسمة التي حافظت على ما تبقّى من الدولة الإسلامية، بل وساعدت لاحقاً في استرداد جزء كبير من الدولة الإسلامية المترامية، لم تكن هي الوحيدة بين المسلمين والمغول، فهناك معركة شقحب، التي مُنِي فيها المغول بهزيمة دامية أيضاً.

المغول ما بعد عين جالوت

بعدما انهزم المغول في عين جالوت وقتل قائدهم في المعركة عادوا إلى بلاد فارس، ووسط آسيا وشمالها، وقد انقسم المغول داخلياً بعد وفاة الخان أوغيداي بن جنكيز خان، وانقسمت الدولة المغولية الكبرى التي أسسها جنكيز خان إلى أربعة أجزاء.

وقد اعتنق جزء من هذه الإمبراطورية المترامية الإسلام، وهم القبيلة الذهبية، والتي اشتهر منها قائدهم بركة خان، الذي وقف مع المسلمين في مواجهة أبناء عمومته. ويمكنك القراءة عنه بالتفصيل في هذه المادة.

معركة عين جالوت
رسم توضيحي لمعركة عين جالوت / Quora

اكتفى هولاكو ببلاد فارس (إيران وما حولها)، وأسس دولة الإيلخانات، وإيلخان تعني الخان الأصغر، لأنّ خان هذه الدولة يؤدي فروض الطاعة للخان الأكبر الذي أصبح مقره في الصين، بعدما غزاها قوبيلاي خان، الخان الأعظم للمغول. ويمكنك القراءة عن قوبيلاي خان الذي نجح فيما فشل فيه جده جنكيز خان في هذه المادة.

توفي هولاكو (إيلخان فارس) بعد هزيمة عين جالوت بخمس سنوات فقط، ورغم أنّه لم يكن قائد القوات المغولية في معركة عين جالوت، ورغم انشغاله بمشاكل الوراثة في العائلة، فإنّ هزيمة عين جالوت ظلّت "عقدة المغول"، فبعدما توفي هولاكو حاول ابنه أبغا استعادة مناطق سيطرة والده السابقة في الشام، لكنّ قوّات المماليك كانت له بالمرصاد، وقد حدثت مناوشات عديدة، بل وحروب بينه وبين الظاهر بيبرس، كانت الغلبة النهائية فيها لبيبرس.

لكنّ الدولتين، الإيلخانية في فارس، والمماليك في مصر والشام، لم تكن إحداها تستطيع إلغاء الأخرى أو القضاء عليها، نعم كانت اليد العليا للمماليك، لكن لم تكن لدى المماليك القدرة على القضاء على مغول فارس. وهكذا ظلّت كلتا الدولتين في وضع التأهُّب الدائم، وإن كانت حصيلة النتائج عامةً بانتصارات مدوية للمماليك.

محمود غازان.. الإيلخان "المسلم"

استطاع محمود غازان السيطرة على الدولة المغولية في فارس بعد القضاء على أخيه والمنافسين، كان عُمر الإيلخان الشاب 24 عاماً فقط عندما تولى الحكم عام 1295، وما إن تولَّى السلطة حتّى أعلن دخوله الإسلام، وقطع علاقاته مع خانية المغول الكبرى في الصين.

محمود غازان
لوحة للإيلخان محمود غازان وهو يعتنق الإسلام / ويكيبيديا

وهكذا، يبدو أنّ دخوله الإسلام كان لسببين: الأول هو قطع العلاقات مع خانية المغول الكبرى، والثاني ليكون للإيلخان حاضنة شعبية في منطقة فارس والعراق، باعتبار أنّ غالبيتها كانوا مسلمين. وربما كان هناك سببٌ ثالث: وهو طمعه في ضمّ الشام ومصر لسلطانه، لينجح بذلك فيما فشل فيه أجداده، بضمّ مصر مع الشام، ويبدو أنّه ظنّ أنّ دخوله الإسلام سيسهل عليه هذا الأمر، فبدل أن يكون الصراع بين مسلمين ومغول، سيكون الصراع هكذا صراعاً على "شرعية الحكم" بين مسلمين. وهو ما قاد إلى معركة شقحب.

معركة شقحب.. صراع بين مسلمين أم حرب ضدّ المغول؟

على الجانب الآخر كانت دولة المماليك في مصر والشام، وعاصمتها القاهرة، دولةً ناشئةً قويّة، وإن كانت السلطة مقسّمة فيها بين أمراء متنفذين أقوياء وبين سلطانٍ شابٍّ (الناصر محمد بن قلاوون) في التاسعة عشرة من عمره، ما زال يكافح لكي يحظى بالنفوذ الكامل الذي كان لأبيه سابقاً المنصور قلاوون، أحد أشهر سلاطين دولة المماليك.

بدأت قوات المغول بالاقتراب من بلاد الشام عام 1303، فضجّ الناس في دمشق وحماة وحلب، قلقين من الغزو المغولي، فما زالت الفظائع التي ارتكبها المغول في بغداد وفي الشام بعدها تقضُّ مضاجع المسلمين في تلك الفترة. فحتّى لو أسلم إيلخان المغول، فالمغول هم المغول.

كان قائد الجيش المغولي هو قطلوشاه، القائد المغولي الداهية، بينما أرسل السلطان الشاب الناصر محمد بن قلاوون أمراء دولته المتنفذين بيبرس الجاشنكير وسلار للشام  بجيشٍ صغير ، ريثما يجهّز جيشه الضخم ويصل إلى الشام.

ظنّ قطلوشاه أنّ السلطان المملوكي لن يصل بجيشه المصري العتيد، وأنّه سيواجه فقط قوات الشام، لكنّ المفاجأة كانت أنّ السلطان المملوكي قد سار بجيشٍ عرمرم إلى الشام، دون علم المغول. وقرب دمشق دارت رحى معركة شقحب.

بادر قطلوشاه بالهجوم في ذلك اليوم 20 أبريل/نيسان 1303، وكان ثاني يوم رمضان في ذلك العام، هاجم المغول ميمنة الجيش المملوكي، واستطاعوا زعزعة ثبات الميمنة وقتلوا الأمير المملوكي حسام الدين لاجين استادار قائد الميمنة.

المماليك
من محراب مسجد السلطان الناصر محمد بن قلاوون في القاهرة، وقد ترك السلطان آثار معمارية كثيرة / ويكيبديا

جاءت النجدة للميمنة المملوكية من الوسط والميسرة حتّى استطاعت موازنة المعركة، لو تراجعت وفرّت ميمنة جيش المماليك لاستطاع المغول الالتفاف حول قلب الجيش المملوكي وربما قضوا عليه. وقبل أن تصل النجدات كان المغول قد وصلوا لمؤخرة الجيش المملوكي ونهبوا بعض الخزائن، في تلك اللحظة ظنّ قطلوشاه قائد المغول أنّه على شفا تحقيق النصر، لكنّ مع استرداد المماليك زمام المبادرة أفقدوه توازنه، فتحصّن ليلاً في جبلٍ قريب من موقع المعركة.

ظلّ الجيش المملوكي مرابطاً حول الجبل في انتظار نزول المغول، وفي الليل انسحب أحد قادة المغول ببعض القوات هرباً من الحصار المضروب عليهم. في الصباح، حاول قطلوشاه محاولة يائسة للهجوم على الجيش المملوكي الذي يحاصرهم، ولم ينجح فعاد للتحصُّن بالجبل.

في تلك الأثناء، عرف السلطان المملوكي من أسرى مماليك هربوا من معسكر قطلوشاه، أنّ المغول يعانون العطش، وأنّهم ينوون القيام بهجومٍ شامل في الصباح لفك الحصار، فقرر السماح لهم بالنزول من الجبل.

وما إن نزل المغول من الجبل حتى توجهوا إلى نهرٍ قريب ليرووا عطشهم، وهنا كانت كتائب المماليك لهم بالمرصاد، فأفنوا معظم القوات المغولية، وتحقق النصر للسلطان الشاب، والذي أعطاه شرعيةً في مواجهة الأمراء المتنفذين في سلطنته.

تسببت هزيمة جيوش إيلخان المغول محمود غازان في تفكك سلطته شيئاً فشيئاً، بل ولم يمهله القدر، فأصيب بمرضٍ تسبب في موته بعد الهزيمة بشهورٍ قليلة، وكان عمره عند وفاته 33 عاماً فقط. بينما استمرّ حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون حتى عام 1341، ليصبح أحد أعظم السلاطين المماليك على الإطلاق.

تحميل المزيد