“المقصلة”.. آلة الإعدام عديمة الرحمة التي استخدمتها فرنسا لإنهاء حياة الجزائريين خلال حرب التحرير وآخر ضحاياها مهاجر تونسي

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/25 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/25 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
المقصلة -المصدر:shutterstock

على مر الزمن، أثارت المقصلة الكثير من الجدل والانتقادات بسبب طبيعة تنفيذ العقوبة بها، حيث كانت تُعتبر واحدة من أكثر الطرق الفرنسية قسوة لتنفيذ حكم الإعدام. ومع ذلك، استمرت فرنسا في استخدامها تجاه القادة والمناضلين الجزائريين المعارضين للاستعمار خلال حرب التحرير الجزائرية من عام 1954 إلى عام 1962 وواصلت استخدامها حتى حدود عام 1977 حين أعدم بها المهاجر التونسي المدان بالقتل حميدة الجندوبي.

واليوم بعد مرور نحو 44 عاماً على هذه العملية، تعود بنا الذكرى إلى ظروف ابتكار هذه الآلة القاتلة التي أنهت حياة العديد من الأشخاص والتي لم يتوقف الاعتماد عليها سوى إثر القرار الذي صدر عام 1981 بوقف استخدامها بشكل نهائي.

 فما هي أولى حالات استخدام المقصلة كوسيلة للتعذيب أو لتنفيذ عقوبة الإعدام في التاريخ؟

وكيف كانت تتم عملية تنفيذ الإعدام بالمقصلة؟

وكيف تغيّرت وجهات النظر تجاه استخدام المقصلة عبر العصور؟

 تاريخ المقصلة  

ما هي المقصلة؟

وفقاً لموقع britannica  فإنّ المقصلة هي أداة لإنزال عقوبة الإعدام بقطع الرأس، أدخلت إلى فرنسا عام 1792. 

وتتكون الآلة من عمودين مستقيمين تعلوهما عارضة متقاطعة ومحددة لتوجيه السكين ذي الحواف المائلة، ويكون الجزء الخلفي منها مثقلًا لجعلها تسقط بقوة  لتقطيع رقبة الضحية المنبطحة، حيث يتم وضع رقبة المحكوم عليه على مكان محدد، ثم يُطلق الجلاد النصل ليسقط من ارتفاع يبلغ حوالي 2.3 متر، مما يقطع رأس الضحية،  ولوزن النصل وارتفاعه مواصفات قياسية تم تحديدها بدقة للمقصلة، وهي المعايير التي وضعها الفرنسيون في ذلك الوقت.

الإعدام-المصدر:shutterstock
الإعدام-المصدر:shutterstock

وقد ظهرت المقصلة أول مرة في مستشفى بيستر داخل العاصمة الفرنسية باريس، وبعد الإنتهاء من تطويرها عام 1792 اخترع الطبيب الفرنسي جوزيف إنياس جيوتن فكرة الإعدام بالمقصلة، وتم بناء المقصلة الأولى وتصميمها من خلال عدة أشخاص بعد صنعها على شكلها الأوّل.

وقد طالبت أسرة هذا الطبيب الفرنسي بتغيير اسم المقصلة، وحذف اسم العائلة منها، إلا أن السلطات الفرنسية رفضت، فما كان من أفراد أسرة جيلوتين، إلا أن قاموا بأنفسهم بالتخلص من اللقب الذي ارتبط بالمقصلة.

والمدهش أن المقصلة بقيت الأداة الأكثر شيوعاً في تنفيذ أحكام الإعدام في فرنسا حتى النصف الثاني من القرن العشرين، فيما كانت أحكام الإعدام في البلدان الأوربية تنفذ بطرق أخرى.

من أول من استخدم الإعدام بها؟

تتّفق المصادر التاريخية على أنّ أول من نفّذ حكم الإعدام بالمقصلة هو تشارلز هنري ساسون، وهو فرنسي ولد عام 1739 ثم أصبح جلادًا فيما بعد، وهي المهنة التي كانت تتوارثها عائلته على الرغم من طموحه في دراسة الطب وإنقاذ أرواح الناس، وبعد عملية الإعدام الأولى بالمقصلة تم استخدام المقصلة لإعدام الكثيرين في الأراضي الفرنسية، وغيرها.

جلاد-المصدر:shutterstock
جلاد-المصدر:shutterstock

إقرار قانون الإعدام  

قبل الثورة الفرنسية، كانت أجهزة مماثلة مستخدمة في اسكتلندا وإنجلترا والعديد من البلدان الأوروبية الأخرى، غالبًا لإعدام المجرمين ذوي المولد النبيل. 

وفي عام 1789، لعب طبيب فرنسي وعضو في الجمعية الوطنية يُدعى جوزيف إجناس غيلوتين دورًا فعالًا في إقرار قانون يقضي بتنفيذ جميع أحكام الإعدام "بواسطة آلة"، وقد تم ذلك حتى لا يقتصر امتياز الإعدام بقطع الرأس على النبلاء وتكون عملية الإعدام غير مؤلمة قدر الإمكان.

ساحة باريس-المصدر:shutterstock
ساحة باريس-المصدر:shutterstock

بعد اقتراح جوزيف إجناس غيلوتين، وبعد عامين من ذلك، جاء قانون العقوبات لعام 1791 في فرنسا ليحدد بوضوح: "أي شخص يُحكم عليه بالإعدام سيقطع رأسه"،  هكذا أصبحت المقصلة رمزاً للعدالة القانونية في فترة الثورة الفرنسية، وتم تنفيذ أول حكم بالإعدام باستخدام المقصلة في 25 أبريل 1792 في ساحة غريف في باريس، حيث تم قطع رأس نيكولاس بيليتييه المدان بالعنف أثناء السرقة.

أول إعدام لقاطع طريق فرنسى 

لم يكن بيليتييه، الفرنسي الذي وُلد في عام 1756، يدرك أنه سيُدخل التاريخ في 25 أبريل 1792، يوم تنفيذ حكم الإعدام بحقه. 

ففي ليلة 14 أكتوبر 1791، وقعت عملية قتل من قبله بمشاركة مجموعة من المجرمين أثناء تجوله في شوارع باريس، وفي نفس الليلة، أُلقي القبض على بيليتييه ووُجِهت له تهمة القتل أمام القاضي جاكوب أوجستين موريو، الذي أصدر حكم الإعدام بتاريخ 31 ديسمبر 1791. 

الإعدام في التاريخ-المصدر:shutterrstock
الإعدام في التاريخ-المصدر:shutterrstock

وبعد تأكيد المحكمة الجنائية الثانية على الحكم، وُجِد بيليتييه في السجن لأكثر من ثلاثة أشهر، في انتظار بناء المقصلة في ستراسبورج بإشراف الجراح أنطوان لويسون بحسب موقع history extra .

في 25 أبريل 1792، تم وضع المقصلة فوق سقالة خارج فندق دو فيل في بلاس دي جريف، وارتدي بيليتييه قميصًا أحمر بلون المقصلة، وبينما كان الحشد ينتظر بفارغ الصبر، تم وضع بيليتييه بشكل صحيح ، ونفّذت عملية الإعدام بقطع الرأس في لحظات ورغم السرعة الفائقة للتنفيذ، لم يكن الجمهور راضيًا عن هذه الطريقة بالمقارنة مع الشنق أو قطع الرأس بالسيف، وصاح البعض بـ "أعيدوا المشنقة الخشبية إلينا".

إعدام أول عمدة لباريس

أثناء فترة عمله كعمدة لباريس، واجه بايي الكثير من الانتقادات، خاصةً من الصحفيين المؤثرين في الثورة الفرنسية مثل كامي ديمولان والمفكر جورج دانتون، اللذين اعتبراه أكثر تحفظًا مما ينبغي. 

على الرغم من ذلك، سعى بايي إلى تعزيز سلطة عمدة باريس وتقليص نفوذ الجمعية العمومية لكوميونة باريس، ونجح في تمرير مرسوم في 27 سبتمبر 1791 يعلن فيه أن اليهود مواطنون فرنسيون بكل الحقوق والمزايا.

في 17 يوليو 1791، احتشدت جماهير من الجمهوريين للاحتجاج على قرار المجلس الوطني بالسماح للويس السادس عشر بالبقاء ملكًا على فرنسا وتحولها إلى نظام ملكية دستورية وقامت قوات الحرس الوطني بقيادة الماركيز دو لافاييت بقمع التظاهرة بالقوة العسكرية، ما أدى إلى وقوع عدد غير معروف من الضحايا.

هذه الأحداث أدت إلى تراجع شعبية بايي، الذي فر إلى نانت،  وهناك كتب "مذكرات شاهد"، التي نُشرت في ثلاثة أجزاء بين عامي 1821 و1822، وكانت توثيقًا غير مكتمل لحياته كشخصية عامة وفي 16 نوفمبر 1791، تم استبداله بجيروم بيتيون كعمدة لباريس.

 في الساعة العاشرة صباح يوم 7 نوفمبر 1793، أُعدم بايي أول عمدة لباريس ، بعد إدانته بتهمة الخيانة والتآمر ضد الثورة وكان هذا الحدث جزءًا من سلسلة إعدامات خلال فترة الثورة الفرنسية رمياً إلى تطهير الثورة وإلحاق الهزيمة بأعدائها السياسيين. 

 وقد تم إعدام بايي بالمقصلة في شون دو مارس، وقد اختير هذا الموقع ليرمز إلى خيانته الشهيرة للحركة الديمقراطية، حيث خرج بايي للتنفيذ تحت أمطار الشتاء الغزيرة والبرد القارس وسط سباب العامة ويُحكى أن أحد الحاضرين سأله ساخرًا: "هل ترتعش يا بايي؟"، فأجابه بروية: "نعم، ولكن بسبب البرد فقط".

 استخدام فرنسا للمقصلة لإعدام الجزائريين خلال حرب التحرير

 استخدمت فرنسا المقصلة لإعدام الجزائريين خلال حرب التحرير التي استمرت من عام 1954 إلى عام 1962،  وقد كانت هذه الفترة مميزة بالصراع المسلح بين الجزائريين الذين كانوا يطالبون بالاستقلال عن الاستعمار الفرنسي وبين القوات الفرنسية التي كانت تحاول الحفاظ على السيطرة على الجزائر كمستعمرة. 

خلال هذه الفترة، كانت القوات الفرنسية تنفذ عمليات إعدام بشكل جماعي باستخدام المقصلة لقادة ومناضلي الجزائريين المعارضين للاستعمار، وكان ذلك جزءًا من سياسة القمع التي اتبعتها فرنسا لمواجهة الحركة الوطنية الجزائرية.  

بدأ تنفيذ حكم الإعدام بالمقصلة في حق الوطنيين الجزائريين عام 1864 ثم تتابع استخدام هذه الطريقة حتى وصل عدد الجزائريين الذين تم إعدامهم بالمقصلة بين العامين 1956-1960 إلى 156 شخصًا في مدينة العاصمة ومدينة قسنطينة ومدينة وهران، وهذا يعني أن كثيرًا من المواطنين تعرضوا إلى هذه الطريقة من الإعدام.

أحمد زبانة رمز المقاومة الشعبية الذي أعدمته فرنسا

وكان أحمد زبانة -الذي عُرف باسم حميدة- أحد الذين تعرضوا إلى عقوبة الإعدام بالمقصلة في الأراضي الجزائرية، وهو أحد المناضلين الجزائريين الذين عارضوا الاحتلال الفرنسي وحاولوا مقاومته قبل نيل الجزائر استقلالها.

فبعد أسبوع من اندلاع الكفاح المسلح في 8 نوفمبر 1954، وبعد مقاومة بطولية، تم اعتقال الشهيد في "غار بوجليدة" بدوار القعدة بولاية معسكر، حيث اختبأ مع عشرات المجاهدين، ليقع نقله وسجنه على الفور في وهران، حيث حُكم عليه بالإعدام في 21 أبريل 1955، ورُفضت جميع طلبات العفو المقدمة، وفقاً لما نشرته مجلة jeune afrique.

ومن زنزانته في سجن بربروس الرهيب، وقبل الساعة المصيرية، كتب أحمد زبانة رسالة وداع لوالديه وأيضًا للشعب الجزائري، داعيًا إياهم لمواصلة الكفاح المسلح ضد المحتل الفرنسي حتى الاستقلال.

جاء في الرسالة: "فإن أصابني أي شيء، فلا تظنوا أن كل شيء انتهى، فالموت في سبيل الله حياة أبدية، والموت في سبيل الوطن واجب، قد أديتم واجبكم حيث ضحيتم بأعز مخلوق لكم، فلا تبكوني، بل افتخروا بي".

وتم إعدام الشهيد في 19 يونيو 1956، وبعد سبع دقائق، تم إعدام شهيد آخر، عبد الكريم فراج، بنفس الوسيلة وفي نفس الفناء، واستمرت آلة القتل في العمل بلا هوادة لمدة خمس سنوات طويلة، حيث أُعدم 222 شهيدًا.

ورغم أنه تم الإعلان عن وقف استخدام المقصلة في فرنسا في عام 1939، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن حوالي 40 ألف شخص تم تنفيذ حكم الإعدام عليهم بواسطة هذه الآلة المروعة، ومن بينهم على الأقل 3 آلاف شخص قُطعت رؤوسهم تحت نصلها المخيف في شهر واحد خلال فترة الثورة الفرنسية.

وحتى إثر إعلان وقف استخدامها بشكل رسمي في عام 1939، فقد استمرت عمليات الإعدام بواسطة المقصلة في فرنسا بشكل سري حتى وقت متأخر، وذلك حتى حدود عام 1977، عندما تم تنفيذ حكم الإعدام على المهاجر التونسي المدان بالقتل، حميدة الجندوبي.

 التونسي حميدة الجندوبي آخر من أعدمته فرنسا   

جرت آخر عملية إعدام في فرنسا في 10 سبتمبر/أيلول 1977، عندما تم إعدام المهاجر التونسي حميدة الجندوبي. 

وبحسب موقع medeium وُلد الجندوبي في تونس عام 1949 وهاجر بعدها إلى فرنسا حيث استقر في مدينة مرسيليا، تعرض لحادث في مكان عمله في عام 1971، أدى إلى فقدان ثلثَي ساقه اليمنى. وبعد عامين، ادعت إيليزابيث بوسكيه، فتاة فرنسية في العشرينات من العمر، أن الجندوبي أجبرها على ممارسة الدعارة، مما أدى إلى حكمه بالسجن.

بعد الإفراج عنه، احتجز الجندوبي بوسكيه وعذبها بطرق وحشية، ثم تم القبض عليه مرة أخرى وحُكم عليه بالإعدام في 25 فبراير/شباط 1977. وعلى الرغم من استئناف الحكم مرتين، إلا أن العقوبة نفذت عليه في 10 سبتمبر/أيلول 1977 في سجن بوميتس في مرسيليا وبذلك، أصبح حميدة الجندوبي آخر شخص يُعدم بواسطة المقصلة في الاتحاد الأوروبي قبل حظر عقوبة الإعدام.

منذ ذلك الحين، استمر النقاش في فرنسا حول عقوبة الإعدام ،  وفي 26 أغسطس/آب 1981، وافق البرلمان الفرنسي على قانون إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد. وتم تنفيذ المشروع منذ ذلك الحين، مما جعل حميدة الجندوبي آخر ضحية للمقصلة في فرنسا بعد سنوات من الجدل والنقاش حول هذه العقوبة القاسية.

تحميل المزيد