قررت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ضاربةً بعرض الحائط التحذيرات الأمريكية وجهود التهدئة التي تبذلها أطراف إقليمية ودولية.
وصادقت لجنة وزارية حكومية لشؤون التشريع، مساء الأحد 12 فبراير/شباط 2023، على مشروع قانون لإلغاء قانون "فك الارتباط" لعام 2005، والذي تم بموجبه الانسحاب من مستوطنات بالضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة لعدد من مستوطنات الضفة.
ويعني توجه حكومة نتنياهو لإلغاء فك الارتباط، منح الضوء الأخضر للمستوطنين للعودة إلى عدد من البؤر المخلاة شمالي الضفة، ومزيداً من التوسع في آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية.
وعلى إثر ذلك، قرَّر المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) مساء الإثنين 13 فبراير/شباط شرعنة 9 بؤر استيطانية، بمعنى حصولها على اعتراف قانوني وتحويلها إلى مستوطنات معترف بها من تل أبيب، ومدها بالكهرباء والماء وبقية الخدمات وتعزيز البنية التحتية.
وواقف الكابينت كذلك على توسيع البناء في البؤر الاستيطانية، التي يقصد بها تلك المستوطنات كان قد أقامها مستوطنون على أراضٍ تخضع لملكية فلسطينية خاصة أو مصادرة من قِبل جيش الاحتلال، لكن دون موافقة رسمية من الحكومة.
لا شيء يردع حكومة "نتنياهو – بن غفير" عن توسيع المستوطنات
وجاء هذا القرار بعد نحو أسبوعين فقط من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المنطقة؛ لتوجيه رسالة إلى الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، مفادها معارضة أمريكا لأي "إجراءات استفزازية" بحق الفلسطينيين مثل تعزيز الاستيطان، لكن حكومة نتنياهو لم يعنِ لها ذلك شيئاً، وقررت المضي قدماً بتفتيت الضفة.
وبعد قرار تعزيز الاستيطان، اكتفى بلينكن بإصدار بيان باسمه الثلاثاء 14 فبراير/شباط، عبَّر فيه عن انزعاجه من قرار تل أبيب، وقال: "نعارض بشدة مثل هذه الإجراءات أحادية الجانب التي تؤدي إلى تفاقم التوتر وتقوض آفاق التوصل إلى حل الدولتين عبر المفاوضات"، وجدد دعوته "جميع الأطراف" إلى تجنب الأعمال التي من شأنها زيادة تصعيد التوتر.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن بلينكن أبدى معارضته لمنح التصريح للبؤر الاستيطانية خلال الزيارة إلى إسرائيل والضفة الغربية التي اختتمها في 31 يناير/كانون الثاني 2023.
ورداً على سؤال عما ستفعله الولايات المتحدة حيال تحرك إسرائيل بالمضي قدماً في التصريحات، لم يحدد برايس أي إجراء. وقال برايس: "إسرائيل بالطبع ستتخذ قراراتها السيادية. لقد أبدينا رأينا.. ورأيُنا القوي جداً بشأن هذا واضح للغاية". وأضاف أن المسؤولين الأمريكيين يجرون "مناقشات مكثفة" مع إسرائيل والفلسطينيين ودول أخرى في المنطقة، وأن الجهود الأمريكية لتهدئة التوتر ستستمر.
لكنَّ مسؤولاً إسرائيلياً، طلب عدم نشر اسمه، قال لرويترز إن إسرائيل لم تتفاجأ من الرد الأمريكي؛ لأن الجانبين مختلفان بشأن هذه القضية منذ عقود، وأضاف المسؤول: "هذه الخلافات لم ولن تضر بالتحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة"، حسب تعبيره.
حكومة نتنياهو وضعت الاستيطان على رأس أولوياتها منذ صعودها
منذ نيلها ثقة الكنيست في ديسمبر/كانون الأول 2022، وضعت حكومة اليمين المتطرف الاستيطان في طليعة ملفاتها المهمة؛ حيث أعلن نتنياهو أن حكومته ستعمل على تعزيز الاستيطان بالضفة الغربية وشرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية.
ومنذ ذلك الحين، تزايدت وتيرة اعتداءات المستوطنين في الأراضي الفلسطينية وباتت تتصدر المشهد تزامناً مع ارتفاع موجهة التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولم تكد حكومة نتنياهو تكمل شهرها الأول في السلطة، حتى أشرفت، حتى الآن، على إشعال إحدى أشد موجات العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات طويلة، كما يقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ووفق مراقبين فلسطينيين، فإن عام 2022 كان من أسوأ السنوات منذ 1967 جراء تصاعد الاستيطان والاعتداءات، وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة بما فيها القدس 726 ألفاً و427 مستوطناً موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (غير مرخصة) منها 86 بؤرة رعوية زراعية حتى بداية عام 2023.
وفي 2022 أقام المستوطنون 12 بؤرة استيطانية في محافظات الضفة الغربية، بينما تمت شرعنة بؤرتين استيطانيتين؛ الأولى متسبيه داني على أراضي بلدة دير دبوان، والثانية متسبيه كراميم على أراضي دير جرير شرقي رام الله.
وتعتزم الحكومة الإسرائيلية شرعنة 65 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية وتوصيلها بالمياه والكهرباء والبنية التحتية الخليوية وتعزيزها بـ"تدابير أمنية" وفق اتفاق وقَّعه حزبا "الليكود" و"القوة اليهودية"، لتشكيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.
ومن أبرز المستوطنات بالضفة الغربية معاليه أدوميم إلى الشرق من رام الله وتعد أكبر التجمعات الاستيطانية، يليها تجمع غوش عتسيون بين محافظات القدس والخليل وبيت لحم، وثالثها أصبع أرئيل الاستيطاني شمالي الضفة.
وتشير المعطيات إلى أن السلطات الإسرائيلية صادقت أيضاً على 83 مخططاً هيكلياً وتفصيلياً في الضفة الغربية والقدس، تقضي ببناء أكثر من 8288 وحدة سكنية جديدة.
تصاعد الاستيطان واعتداءات المستوطنين في 2023
شهد عام 2023 منذ انطلاقته تصاعداً في هجمات المستوطنين، حيث يشير تقرير فلسطيني رسمي إلى أن المستوطنين في الضفة الغربية شنوا 130 اعتداء خلال يناير/كانون الثاني الماضي، بينها 21 هجوماً في ليلة 28 من الشهر ذاته.
وفي 2022 نفذ المستوطنون 1.187 اعتداء، تراوحت بين مشاركة الجيش الإسرائيلي في اقتحامات للمدن والتجمعات الفلسطينية والاعتداء المباشر على المواطنين وممتلكاتهم.
وكان لمحافظة نابلس (شمال) الحصة الأكبر من تلك الاعتداءات بواقع 417 اعتداء، تلتها محافظة رام الله والبيرة بـ203 اعتداءات، ثم محافظة الخليل بـ172 اعتداء. وشن المستوطنون 354 عملية اعتداء على أشجار الزيتون، تسببت باقتلاع وتضرر وتخريب وتسميم ما مجموعه 10,291 شجرة.
وتسيطر إسرائيل على 75% من الأراضي المصنفة "ج" حسب اتفاقية أوسلو الموقَّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بحسب مدير معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، جاد إسحاق، في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول.
وبرأي إسحق، فإن "عام 2022 كان من أسوأ السنوات منذ 1967 التي مرت على الشعب الفلسطيني جراء تصاعد الاستيطان والاعتداءات، ويبدو أن عام 2023 سيكون أصعب".
يُذكر أن الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية مخالف للقانون الدولي، ويعارضه المجتمع الدولي بما فيه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال زيارته الأخيرة للمنطقة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في تصريحات صحفية، إن بلاده "ستعارض دائماً توسيع المستوطنات وضم الضفة الغربية وتغيير الوضع الراهن"، في الأماكن المقدسة بما في ذلك المسجد الأقصى بالقدس الشرقية.
ووفق اتفاقية أوسلو 2 لعام 1995 تصنف أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.