أفاد تقرير نشره موقع Mekomiot الإسرائيلي، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع وصول عشرات القرى والمدن الفلسطينية الكبرى إلى الطرق الرئيسية في الضفة الغربية باستخدام الحجارة والأسلاك والبوابات الحديدية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، على خلفية التوترات الأمنية وضغوط المستوطنين.
في العديد من الحالات، تم إغلاق الطرق المؤدية إلى قرى بعينها من جميع الاتجاهات، وجاء ذلك بمبادرة من المستوطنين أنفسهم أحياناً، حيث يجري إغلاق طرق المرور الرئيسية في وجه الفلسطينيين عملياً، لتصبح مستخدمةً بواسطة المستوطنين حصرياً تقريباً.
ولهذا أصبح يتعين على مئات الآلاف من الفلسطينيين، المتنقلين من شمال الضفة إلى جنوبها والعكس، أن يجتازوا طريقاً متهالكاً وضيقاً ومتضرراً يمر بين الأحياء السكنية المكتظة في قرى جنوب بيت لحم؛ وذلك نتيجة إغلاق الطريق الرئيسي 398 الذي يمر بالقرب من المدن العالقة.
"أستأذن لإيصال أطفالي للمدرسة"
التقرير أشار إلى حالة الفلسطيني محمود عامر، حيث يتعين عليه أن يطلب الإذن من مستوطنةٍ قريبة إذا أراد مغادرة قريته أو استقبال ضيفٍ في القرية.
إذ قال عامر: "أتصل بالشخص المسؤول عن الأمن في المستوطنة القريبة كلما حان وقت ذهاب الأطفال إلى المدرسة، أو عندما تحضر شقيقتي لزيارتي. لقد أخبرونا بأنهم سيسببون لنا المشكلات إذا خرجنا دون إخبارهم. لم تدخل سيارة هنا منذ أربعة أشهر؛ لأنهم أغلقوا القرية علينا بحاجز التفتيش. ونتصل بهم كلما أردنا الخروج سيراً على الأقدام".
يعيش عامر في قرية خربة صرة المحاصرة من كافة الاتجاهات، حيث جرى وضع حاجز حجري على بعد أمتار من منازل القرية الصغيرة الواقعة بين مستوطنتي شيلو وشيفوت راشيل.
"عبرنة" مناطق الضفة الغربية
في السياق، قالت المحامية روني بيلي من Civil Rights Association (جمعية الحقوق المدنية): "تتمثل الفكرة في العبرنة الكاملة للعديد من مناطق الضفة الغربية؛ أي خلق حالة فصلٍ بين الفلسطينيين وبين المستوطنين، بحيث يكون الطريق الرئيسي مخصصاً للمستوطنين، بينما يحصل الفلسطينيون على شبكةٍ من الطرق الفرعية المليئة بالحواجز".
ويقول الجيش إن قرارات الحصار يتخذها قادة الألوية بما يتوافق مع الاعتبارات الأمنية ومن أجل السيطرة على تحركات الفلسطينيين.
لكن أحد المسؤولين الأمنيين صرح لموقع Mekomiot قائلاً: "بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي ضوء زيادة محاولات تنفيذ الهجمات الإرهابية، قررنا أننا بحاجةٍ لإحكام قبضتنا على محاور الحركة. إذ إن نقاط اتصال القرى بالطرق الرئيسة تعرقل قدرتنا على التحكم في الطرق وقطعها إن لزم الأمر".
وأفاد المسؤول بأن هناك عدة حالات شهدت صدور قرار من قائد لواء بفتح أحد الطرق أمام الفلسطينيين في ضوء تراجع التوترات الأمنية، لكن المستوطنين في المنطقة ضغطوا من أجل منع حدوث ذلك.
ضغوط المستوطنين
ونظمت جماعة المستوطنين "Fighting for Life" عشرات الاحتجاجات منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بهدف منع فتح الطرقات أمام حركة المرور الفلسطينية، وقد نجحت مساعيهم في العديد من الحالات، ولا تزال القرى التي حاول الجيش فتحها مغلقةً حتى يومنا هذا بسبب الاحتجاجات، وذلك وفقاً للأدلة المتوافرة من عدة مناطق في الضفة الغربية.
إذ كتب المستوطنون النشطاء في الجماعة على مجموعةٍ لهم في واتساب منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "يتظاهر عشرات السكان الآن في قرية حوارة بعد فتح الطريق أمام مرور العرب وتعريض حياة السكان الذين يسافرون على تلك الطرق للخطر".
ثم قالت رسالة أخرى: "تحية كبيرة لجميع السكان الذين خرجوا على الفور للاحتجاج ومنع فتح الطرقات. أبلغونا بأي طرق مفتوحة، واخرجوا لقطع محاور حركة الإرهابيين".
بينما يخشى درور إتكس من منظمة "Kerem Navot" أن تتحول حواجز الطرق المذكورة إلى مسألة دائمة، حيث قال: "تُظهر تجربة النظام العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية أن الاعتبارات الأمنية المؤقتة، التي تُستخدم بشكلٍ شبه حصري لحفظ أمن المستوطنين، قد تصبح دائمة؛ لأنها تخدم الهدف السياسي الأوسع المتمثل في سلب ممتلكات الفلسطينيين وطردهم".
حصار من كافة الجهات
وأوردت وسائل الإعلام مؤخراً أن المؤسسة الأمنية تنوي تفكيك العديد من حواجز الطرق قبل شهر رمضان، لكن لا تزال بعض القرى في الضفة الغربية تحت الحصار من كافة الجهات بسبب ضغط المستوطنين.
ويتجلى خير مثالٍ على ذلك في قرية سوسية الواقعة جنوب الضفة الغربية، إذ أغلقت قوة من الجيش كافة مداخل القرية في أكتوبر/تشرين الأول ودمّرت عدداً من البنايات.
وقال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لموقع Mekomiot إن الأنشطة التي جرت هناك تمت بشكل مستقل ودون إذن من القيادات، بينما قال السكان الفلسطينيون إن سائق الجرافة كان مستوطناً معروفاً يعيش في مستوطنة قريبة.
وربما أقرّ جيش الاحتلال نفسه بأن الإغلاق قد تمَّ دون إذن، لكن القرية لا تزال محاصرة، وحين جاء الجنود لإزالة أحد الحواجز، تظاهر المستوطنون على الفور ومنعوا حدوث ذلك، وفق الموقع ذاته.
قطع الاتصال بين الفلسطينيين
وأغلق المستوطنون كذلك الطريق الرئيسي الذي يربط بين سكان قرية خربة المنطار، التي يقطنها 900 شخص، وبين بلدة السواحرة الشرقية القريبة، بينما أقرت الدولة في المحكمة العليا بأن قائد اللواء في المنطقة اختار تبني الحصار غير الشرعي الذي فرضه المستوطنون.
وقال يوناتان مزراحي من منظمة "Peace Now": "يرجع سبب تلك الإغلاقات إلى ضغط المستوطنين. ويرتبط الأمر برغبتهم في السيطرة على المنطقة ج. حيث يؤدي هذا إلى قطع الاتصال بين الفلسطينيين الذين يعيشون في القرى الصغيرة قرب المستوطنات وبين المدن الأكبر، وهذا يجعلهم أكثر عرضةً للعنف. حيث يتم إغلاق البوابات ويصبحون بمفردهم. وقد تم تهجير 16 مجتمعاً من هذه الفئة بالفعل".
وأدى تجنيد آلاف المستوطنين في كتائب الدفاع عن المستوطنات منذ اندلاع الحرب إلى تفاقم صيحة الإغلاقات، وكذلك المبادرات المستقلة على الأرض، حيث أنشأ المستوطنون من معاليه عاموس وروافد نهر الأردن نقاط تفتيش مستقلة على الطرق الرئيسية لمدة شهرٍ كامل، وذلك في أعقاب هجوم أكتوبر/تشرين الأول، من أجل وقف حركة مرور الفلسطينيين.