الدولار يبدأ ر الصعود طوال 3 عقودً، أي حتى 2014، حققت رحلة صعود الدولار مقابل الجنيه استمرارية بطيئة، فبلغ سعر الدولار 7.8 جنيه، لكن بدأ دخول عنصر جديد في المعادلة بشكل قوي وهو السوق السوداء أو السوق الموازية، حيث بلغ سعر الدولار في تلك السوق (غير الرسمية) أكثر من 13 جنيهاً تقريباً. كان شهر نوفمبر 2016 البداية لعلاقة المصريين عموماً بسعر الدولار، حيث شهد ذلك الشهر تحريراً لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه أو ما يعرف مصرياً بـ"التعويم"، ليقفز سعر الدولار رسمياً إلى ما يقارب 20 يهاً في السوق الرسمية، قبل أن ينخفض لمتوسط 15.50 جنيه ويستقر حتى مارس 2022،. ارتفع سعر الدولار في السوق الرسمية خلال عام واحد عدة مرات، حتى استقر في مارس 2023 عند مستوى 30.80 جنيه مصري تقريباً، وظل عند هذا المستوى حتى وقت كتابة هذا التقرير.
جنون الأسعار في مصر فإذا أخذنا بعض الأمثلة على جنون الأسعار في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، نجد أن سعر كيلو الأرز كان يبلغ أقل من 5 جنيهات، وكيلو السكر نفس القيمة تقريباً، ولتر زيت الطعام نحو 8 جنيهات وكيلو اللحوم نحو 70 جنيهاً بينما كيلو الدجاج نحو 15 جنيهاً، وذلك خلال عام 2014 عندما كان سعر الدولار رسمياً يعادل 7.8 جنيه مصري وفي السوق السوداء يعادل نحو 13 جنيهاً. أما اليوم، فسعر كيلو الأرز يبلغ متوسط 35 جنيهاً، وكيلو السكر متوسط 50 جنيهاً، ولتر الزيت متوسط 90 جنيهاً، وكيلو اللحم متوسط 440 جنيهاً وكيلو الفراخ (الدجاج) متوسط 120 جنيهاً. فخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح سعر الدولار يحدد تكاليف المعيشة لجميع المصريين. فسعر أي سلعة من أي نوع أصبح مرتبطاً بسعر الدولار، حتى ولو كانت تلك السلعة منتجة محلياً مثل الخضراوات أو الفاكهة.
حتى الكشري كانت صحيفة The Washington Post الأمريكية قد نشرت تقريراً عنوانه "مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، أصبح من الصعب العثور على وجبة بأسعار معقولة"، ركزت فيه على تداعيات الأزمة الاقتصادية على تكاليف المعيشة في مصر، وكانت وجبة الكشري البطل الرئيسي للتقرير. كان ذلك أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما كان سعر الدولار دون مستوى 30 جنيهاً. وتعد وجبة الكشري، وهي مزيج من المعكرونة والأرز والعدس والحمص والبصل المقلي وصلصة الطماطم الحارة، أحد أرخص الأطعمة وأكثرها شعبية في مصر، فهي غنية بالكربوهيدرات والبروتينات التي يمكنها أن تُشعر حتى أشد الزبائن جوعاً بالشبع طوال اليوم. والجميع في مصر يأكلونه، من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء. الحديث هنا عن أسعار سلع أساسية لا غنى لأي شخص عنها، لكن سعر الدولار يؤثر في جميع السلع، فالسيارات مثلاً شهدت أسعارها قفزات خيالية خلال السنوات الأخيرة، فهذه سيارة كانت تباع عام 2021 بـ200 ألف جنيه بلغ سعرها (نفس السيارة موديل 2024) مليونين ومئتي ألف جنيه!
الرقم والقيمة الشرائية من ينظر إلى الارتفاعات المتتالية للحد الأدنى من الأجور في مصر بشكل منفرد، سيجد أن المتوسط السنوي للزيادة خلال 10 سنوات يبلغ 40%، وهي زيادات قياسية، ولكن عند إكمال المعادلة نجد أن هذا الرقم وحده يرسم صورة مناقضة تماماً لما يجري على أرض الواقع. فعندما كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه عام 2014، كان سعر كيلو الأرز، على سبيل المثال، يبلغ أقل من 5 جنيهات، وكيلو السكر نفس القيمة تقريباً، ولتر زيت الطعام نحو 8 جنيهات وكيلو اللحوم نحو 70 جنيهاً بينما كيلو الدجاج نحو 15 جنيهاً. لكن الرقم الأهم إجمالاً في هذه المعادلة هو سعر الدولار، الذي كان وقتها نحو 7 جنيهات، أي إن الحد الأدنى للأجور كان يساوي تقريباً 172 دولاراً شهرياً. أما في 2024، ومع الزيادة الكبيرة في الحد الأدني للأجور التي أعلن عنها الرئيس المصري خلال فبراير/شباط الجاري وستطبق في مارس/آذار المقبل، يصبح الحد الأدنى للأجور 6000 جنيه شهرياً، أي ما يعادل 92.3 دولار (على حساب سعر الدولار 65 جنيهاً وهو متوسط سعره اليوم)، أي أن الحد الأدنى للأجور في مصر انخفض بشكل فعلي بنسبة تقترب من النصف مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، وهذه هي الصورة الكاملة لحجم معاناة المصريين. فهذا الحد الأدنى للأجور، شأنه شأن أي مبلغ مالي آخر، يقاس بقوته الشرائية. ومن هذا المنطلق، ما كان المواطن المصري يشتريه بـ1200 جنيه عام 2014 هو تقريباً نصف ما يمكنه أن يشتريه بـ6000 جنيه عام 2024. هذه هي القصة وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع جميع المصريين لمتابعة سعر الدولار على مدار الساعة حرفياً، فالجميع بات تحت رحمة الدولار!