يقول الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في كتابه “فلسفة الثورة”: “نحن الذين نحرس الباب الشمالي للقارة (إفريقيا)، والذين نُعتبر صلتها بالعالم الخارجي كله، ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخلى عن مسؤوليتنا” لكن مصر تخلت عن زعامتها الإفريقية طواعية عبر السنوات لتُواجه في 2009، ثم 2010 أول انتكاسة في المفاوضات مع شركاء حوض النيل ثم تكتشف في 2020 عجزها عن فرض الإرادة في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.. ثم تصحو.. ويصحو معها الجميع.. على الحقيقة القاسية: إفريقيا ضاعت من مصر كل ذلك من خلال 7 أخطاء سياسية ضيّعت منها أصدقاء القارة السمراء علاقات مصر بإفريقيا عمرها أكثر من 3500 عام وسجلت الملكة حتشبسوت رحلات الأسطول التجاري المصري إلى سواحل مملكة “بونت” في موقع دولة الصومال الحالي Comp 2 بعد الاستقلال كانت إفريقيا الدائرة الثانية في أولويات مصر عبدالناصر تسبقها الدائرة العربية لكن الفراق بدأ مبكراً.. مع تجاهل دورها التاريخي بعد حقبة الاستقلال فمصر التي كانت حاضرة في معظم معارك التحرر الإفريقي انسحبت من القارة تماماً بعد هزيمة 1967 وتركتها تواجه مشكلات التحول الديمقراطي والديون والحروب الأهلية ثم ألقت القاهرة بالدائرة الإفريقية في قاع سلم الأولويات فقد غاب الاهتمام السياسي والاقتصادي بالجيران حتى بلغ الأمر مبلغه.. بإحصائيات مخيفة في 2012 تؤكد أن تجارة مصر مع القارة لم تتجاوز 2.2 مليار دولار أي نحو 3% من مجمل التجارة الخارجية المصرية وأخفقت القاهرة في الحفاظ على “صداقة” شركاء حوض النيل تخيل أن 11 دولة في حوض النيل لم تنضم في تجمع إقليمي للتنسيق فيما بينها على الإطلاق.. ولم يسبق لها تكوين أي تنظيم أو تجمع اقتصادي وعندما عقدت 5 دول منها اتفاقية عنتيبي في 2010 لم تكن مصر هناك! والأخطر.. جاء بممارسة أنظمة استخباراتية “مريبة” بالقارة مصر السادات انضمت لنادي السفاري Safari Club الذي تشكّل في 1976 بعضوية إيران والسعودية والمغرب وفرنسا وهو ت حالف استخباراتي تقوده واشنطن لمكافحة الشيوعية في إفريقيا وقاد تدخلات عسكرية وتمويل شراء أسلحة في الصومال وإثيوبيا وزائير وترك بصمات مصرية “غر بريئة” على أصدقاء الأمس وقد أهملت السودان وفقدت إيمانها “بوحدة وادي النيل” علاقات مصر والسودان ثقة مُفتقدة وخشية مُتبادلة منذ استقلال البلدين منتصف الخمسينيات تدخلت مصر في الخرطوم سياسيا وعسكريا كما حدث عندما ضرب السادات الانقلاب العسكري ضد جعفر النميري في 1971 وطالما اتهمت السودان مصر بـ “دعم” بعض انفصاليي دارفور وجنوب السودان وصل التصعيد في التسعينيات وصل التصعيد إلى ترحيل البعثة التعليمية المصرية بالسودان والاستيلاء على المدارس وفرع جامعة القاهرة بالخرطوم وتجميد نشاط أجهزة الري المصرية لأول مرة في التاريخ الحديث ثم أصبح النزاع الحدودي في حلايب وشلاتين عنواناً لتوتر العلاقة بين البلدين من وقت لآخر وتعاملت مع إفريقيا أحياناً بنظرة استعلائية على الأقل هذا ما يردده أبناء إفريقيا مصر بعيدة عن الحقائق الثقافية والعرقية والدينية التعددية لا توجد اتفاقات ثقافية أو تعليمية والأزهر والكنيسة القبطية أصبحا أقل تأثيراً عما سبق فضلاً عن “تسرب” إساءات من مسؤولين تجاه الجيران كما حدث مع رئيس الوفد المصري بمؤتمر دولي في إثيوبيا قال المشاركون إنه استخدم عبارة “كلاب وعبيد” لوصف الإفريقيين وتهددهم.. أكثر من مرة بالتدخل العسكري حدث ذلك مرتين مع إثيوبيا الأولى في عهد السادات، الذي أعلن عن نيته توصيل مياه النيل لصحراء النقب وعندما اعترضت إثيوبيا هدد بضربة عسكرية. المرة الثانية كانت في 2006 عندما بدأت مؤشرات الجدية الإثيوبية في بناء سد النهضة ونقلت تقارير عن مبارك تهديده بتدخل عسكري بدلاً من التفاوض كان مبارك أول رئيس مصري يطوي صفحة إفريقيا بلا مبالاة منذ محاولة اغتياله في أديس أبابا عام 1995 وحتى إشعار آخر الآن تجد مصر نفسها أمام اختبار إفريقي في أزمة سد النهضة واليوم يعِد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالعودة لإفريقيا.. وسط منافسة إقليمية ودولية شرسة تُضعف فرصه في الفوز.. مصر تعرف أنها الأكثر تأثراً بما يجري في ليبيا ثم تراقب مشروعات إفريقية كبرى يتم استبعادها منها مثل الربط الكهربائي والطرق الدولية ومناطق التجارة الحرة وتعرف أن سد النهضة هو مجرد حصاد مبكر لسنوات الضياع الإفريقية