لما انتهى الجنود الأتراك من أكبر مناورة بحرية في التاريخ الحديث
عبروا بسفنهم الحربية الجديدة مضيق البوسفور
على مقربة من قبر خير الدين بارباروس
فألقوا التحية..
وبارباروس يُنسب إليه جعل البحر المتوسط بحيرة عثمانية..
فقد كان “أمير” بحارة الإمبراطورية.. وأشهر قائد عسكري بحري في تاريخ تركيا
وما بين وفاة بارباروس.. واستعراض القوة في 2019
مئات السنين..
ورسالة واحدة:
تركيا عادت قوة بحرية لا يُستهان بها
في المدارس العامة وخلال عقود..
يعلَّم الأطفال الأتراك أنهم من نسل إحدى أعظم القوى البحرية في التاريخ..
ويُذكرونهم ببحارة إمبراطوريتهم.. بتسمية الغواصات والسفن بأسمائهم..
فقد كان الأسطول العثماني أعظم قوة بحرية في المتوسط خلال القرن السادس عشر للميلاد
لكن هذه القوة دُمّرت خلال الحرب العالمية الأولى
وخسر الأتراك معها كل امتداد ساحلي لهم على المتوسط وإيجه بموجب معاهدة سيفر..
جاءت حرب الاستقلال.. وجاءت معاهدة لوزان عام 1923 وأُلغيت معاهدة سيفر.. وباتت خريطة تركيا كما نعرفها اليوم.. بامتدادات ساحلية واسعة جداً على البحار الثلاثة
مع ذهاب الجزر القريبة من أرضها للآخرين..
فلماذا تحتاج للقوة البحرية الآن؟
يقول الأتراك إنهم يسعون لحماية مصالحهم وتثبيت موقعهم في المسائل الإقليمية..
من الحرب الليبية ومسألة قبرص وشبه جزيرة القرم.. وحرب سوريا.. إلى ضمان الحلف الاستراتيجي مع قطر وتعزيز النفوذ في جيبوتي والصومال.. وحماية المصالح في السودان
واستعراض القوة مهم.. بينما تتوتر العلاقات مع الجيران
مصر واليونان وقبرص اليونانية ومن خلفهم الإمارات والسعودية
وتريد تركيا حماية مصالحها التجارية، فـ87٪ من تجارتها تعبر عبر الموانئ البحرية
وكذلك تسعى لفرض كلمتها في مسألة أنابيب الطاقة العابرة للقوميات.. والتي تمر عبر مياهها الإقليمية
وعبر البحر تريد أنقرة تثبيت موقعها كدولة حاضرة بقوة في الصناعات الدفاعية
فالمعدات البحرية التركية اكتسبت مؤخراً أهمية كبيرة في سوق السلاح الدولي..
والرئيس التركي يريد أن يرسل رسائل إلى الداخل بالسيادة في البحار ليُعزز صورته كقائد لنهضة تركيا الحديثة.. ليبدو مشهد إنزال أول حاملة طائرات محلية الصنع إلى المياه إنجازاً تاريخياً
وفوق كل ذلك.. حماية مصالحها في البحار.. البحار الثلاثة..
تحيط بتركيا 3 بحار:
المتوسط – إيجه – الأسود
وهي تريد حماية ما تراه “حقوقها الاقتصادية” .
تحت شعار “الوطن الأزرق”
المصطلح الذي ظهر عام ٢٠٠٦ واستخدم أيضاً عنواناً للعرض العسكري البحري الأضخم بتاريخ البلاد..
لكن هل استطاعت تركيا إعادة بناء قوتها البحرية فعلاً؟
مع مطلع الألفية الثانية
كان الأساس النظري للصعود البحري التركي جاهزاً .. عبر دراسات وكُتب تقترح أن التاريخ والموقع الجغرافي يشكلان أساس تحويل تركيا إلى قوة بحرية ذات وزن..
وكانت النظرية بحاجة لـ السلطة.. والإرادة لتطبيقها
وعندما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم.. بدأ التحول الجذري
لتصبح البحرية التركية قوة ضاربة “إقليمياً”
تملك معدات حربية متقدمة..
وفرقاطات وطرادات وطوربيدات وصواريخ ومعدات حسية وغواصات متطورة..
ما مجموعه 149 قطعة بحرية..
على رأسها..
حاملة الطائرات “تي جي غي أناضول” TCG Anadolu
هي “أكبر سفينة حربية تركية”
وستكون أول حاملة طائرات خفيفة تركية محلية الصنع
قادرة على حمل المدرعات والدبابات والطائرات
وتتسع لـ 1400 جندي
ويتوقع تسليمها في 2021
وفي ٢٠١٩ تُعلن تركيا عن غواصتها “بيري ريس” لتكون أول غواصة محلية الصنع
في 2019 أيضاً تُطلق أول صاروخ كروز بحري محلي الصنع
واشترت أنقرة مؤخراً سفينتين للتنقيب، وهما فاتح ويافوز، لسباق المنافسين الإقليميين وتعزيز التكنولوجيا البحرية في مجال الغاز
استخدمت سابقاً قوتها البحرية خلال حرب قبرص في 1974
واستخدمتها في ليبيا.. مع طائراتها المسيّرة..
وتمكنت من قلب المعركة في غير صالح الجنرال حفتر
تركيا إذن.. قوة بحرية لا يُستهان بها “إقليميأً” لكنها ليست على مستوى منافسة عالمية
والآن اليونان تسعى لفرض خريطتها التي تحوي
تلك المناطق الاقتصادية التي يُعد الأتراك كل شيء من أجلها..
وفي حفل ذكرى انتصار السلاجقة على البيزنطيين عام 1071.. قال أردوغان مرة:
“ستحصل تركيا على نصيبها العادل في البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود. إذا قلنا سنفعل شيئاً ما، سنفعله، وسندفع الثمن”
فهل تنجح البحرية التركية الصاعدة في إعادة رسم خريطتها الجديدة؟