في كرة القدم الحديثة، لا تكتمل أي صفقة انتقال إلا بعد إجراء اختبار الفحص الطبي للاعبين تحت إشراف الفريق الطبي للنادي الذي يريد التعاقد مع اللاعب.
وإلى جانب التفاصيل المالية للصفقة، فإن عملية الفحص الطبي لا تقل أهمية عنها؛ بل تُعد جزءاً أصيلاً وأساسياً قبل إتمام التعاقد، خاصة أن لعبة مثل كرة القدم تتطلب أن يكون ممارسها في كامل قوته البدنية وصحته الجسدية.
وعليه، أصبح الأطباء عناصر أساسية في نجاح أي فريق، خاصة أن دورهم يتمثل في متابعة حالة اللاعبين الصحية والبدنية والحفاظ عليهم من الإصابات العضلية قدر الإمكان، وإبقائهم على جاهزية تامة للمنافسة وتحقيق النتائج المطلوبة.
الأمر لا يقتصر فقط على اللاعبين، بل تعدّى ذلك للشباب أو صغار السن الذين يريدون الانتقال من أكاديمية إلى أخرى.
ما هو الفحص الطبي للاعبين قبل التعاقد معهم؟
في السطور التالية نلقي نظرة على كيفية إجراء الفحوص الطبية للاعبين، وما هي أسباب فشل بعضهم في تجاوز الاختبارات.
كل ما يفكر فيه النادي قبل التعاقد مع لاعب ما هو الإضافة التي سيقدمها للفريق وما هي النجاحات المرجوة منه، وعليه لا تريد الإدارة أن يقضي اللاعب الجديد وقتاً طويلاً في غُرف العلاج.
وعليه، يتوجب على اللاعب أن يتجاوز العديد من الاختبارات الطبية قبل التوقيع على عقدٍ مع ناديه الجديد، وتتمثل في فحص حالة القلب، والهيكل العظمي، وقياس درجة الدهون في الجسم، الفحص الكامل للجسم، واختبار الجري بأريحية ودون مشاكل.
ويُنظر إلى فحص الحالة الصحية للقلب كواحد من أهم جزئيات هذا الاختبار، من أجل التعرف على مدى إمكانية تعرّض اللاعب لأزمات قلبية تعيق مسيرته الكروية وقد تتسبب في إنهائها سواء بالاعتزال أو الوفاة.
وأصبحت الأندية خاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر صرامة وجدية في مسألة القلب منذ الأزمة القلبية التي تعرض لها فابري موامبا، لاعب بولتون، وذلك في عام 2012، صحيح أنه نجا من الموت لكنها تسببت في اعتزاله كرة القدم في شهر أغسطس/ آب من العام نفسه.
وعليه يخضع اللاعبون تحت سن 24 عاماً لفحوصات سنوية من أجل الكشف عن أي مشاكل متعلقة بالقلب.
وإلى جانب فحص حالة القلب، يطلب الأطباء نتائج كل الفحوص الطبية التي خضع لها اللاعب سابقاً، فضلاً عن إجراء تحاليل للدم، وكذلك تحليل البول التي تسمح باكتشاف بعض الأمراض مثل السكري.
فحص العظام والعضلات للاعبي كرة القدم
وفي الوقت نفسه، يركّز الأطباء على فحص عظام اللاعب والعضلات في مناطق مؤثرة مثل الظهر والحوض، حيث من الممكن أن يسبّب وجود مشكلة فيها إصابات محتملة في أوتار الركبة والعضلة المقربة، كما يتم تقييم حركة العضلات أثناء إجراء تمرين القرفصاء.
ويخضع اللاعب الذي يملك سجلاً حافلاً بالإصابات لفحص بالموجات فوق الصوتية، وهذا يساعد الأطباء على تقييم العضلات والمفاصل.
كما يساعد الفحص الطبي على تحديد إذا ما كان هناك إصابة سابقة لدى اللاعب ولم يُشفَ منها بعد بشكل نهائي.
وعن ذلك، يقول الدكتور ديف فيفر الذي عمل بدوره مع مانشستر يونايتد وبلاكبيرن روفرز ودوري الرغبي البريطاني: "يتم تقييم نطاق حركة الهيكل العظمي للاعب، أي المفاصل والعضلات الرئيسية واللياقة البدنية وأي نقاط ضعف محتملة".
وأضاف: "أنا حريص بشكل خاص على فحص الحوض لأنه منطقة رئيسية لحركة الجزء العلوي والسفلي من الجسم، كما يتم فحص الكتفين والمرفقين والمعصمين، وبالطبع اليدين لحراس المرمى، وإذا كان هناك حاجة سنجري فحصاً أكثر شمولاً".
وحسب عدة دراسات، فإن النسبة المثالية للدهون في جسم اللاعب يجب ألا تتعدى نسبة 10%، وهذه يتم قياسها بتقنية المعاوقة (الممانعة) الكهربائية الحيوية.
هذه التقنية هي عبارة عن جهاز مهمته مراقبة الدهون داخل جسم الإنسان، يرسل إشارات كهربائية لقياس نسبتها في الأنسجة.
أما اختبارات الجري، فهي مفيدة بالدرجة الأولى للمدربين، الذين يريدون معرفة سرعة اللاعب والمسافة التي يقطعها في زمن معين، حيث يُتوقع من اللاعب أن يقطع مسافة 20 متراً في أقل من 3 ثوانٍ.
وتشمل الفحوصات الطبية أيضاً اختبارات الرؤية والسمع والأسنان، وهذا يعتمد على مدى دقة الفحص ومتطلبات النادي.
كيف يجتاز اللاعب الفحص الطبي أو يفشل فيه؟
في الواقع، لا يوجد جواباً دقيقاً حول هذا الأمر، على اعتبار أن كل نادي يعمل وفق قواعد مختلفة عن الآخر، ويضع نتائجه الخاصة به وفق متطلباته.
وقالت الدكتورة شارلوت كوي التي سبق لها العمل مع ناديي توتنهام هوتسبير وفولهام الإنجليزيين: "الفحص الطبي المثالي يستغرق حوالي أربع ساعات، وهو في نفس الوقت بمثابة تحليل لإيجابيات وسلبيات الصفقة".
أما الدكتور ديف فيفر فيرى في الفحص الطبي أنه يشبه إلى حد كبير "عملية شراء سيارة مستعملة، يمكن للإنسان المخاطرة بشرائها لأنه يراها رائعة من الخارج، أما الأصح فإنه يجب أن يتم ذلك بعد فحصها من قبل خبراء".
وأضاف فيفر: "عندما تنظر إلى مقدار الأموال المدفوعة للاعبين، فمن مصلحة النادي حقاً التأكد قدر الإمكان من أنه سيحصل على لاعب بصحة جيدة".
وأوضح: "تختلف طريقة إجراء الفحوص الطبية من نادي إلى آخر، فلا يوجد معيار طبي محدد لأن كل نادي لديه طريقته الخاصة في القيام بها، لكن في جميع الأحوال يتعين على أخصائي العلاج الطبيعي وطبيب النادي وفريق اللياقة البدنية توفير أكبر قدر من المعلومات للمدرب وللمسؤولين التنفيذيين في النادي، من أجل اتخاذ القرار النهائي".
لاعبون فشلوا في اجتياز الفحص الطبي
في هذا الشأن، يقول الدكتور فيفر: "يمكن أن يفشل اللاعبون في تجاوز الفحص الطبي لأي سبب كان، كل هذا يعتمد على النتيجة، أولئك اللاعبين الذين لسنا متأكدين من قدرتهم على خوض ما يزيد عن 40 مباراة في الموسم لا نخاطر بالتعاقد معهم".
وهناك العديد من الصفقات التي توقفت في اللحظات الأخيرة بسبب عدم تمكّن اللاعب من تجاوز الاختبار الطبي، مثل المغربي حكيم زياش والنصر السعودي في صيف عام 2023.
الأمر ذاته حدث مع المهاجم الهولندي رود فان نيستلروي الذي فشل انتقاله من بي أس في أيندهوفن إلى مانشستر يونايتد عام 2000، قبل أن تتم الصفقة في الصيف التالي.
وكذلك حدث مع النمر الكولومبي راداميل فالكاو الذي توقفت عودته من تشيلسي إلى موناكو في منتصف موسم 2014-2015 لذات السبب.
وفي صيف عام 2018، فشلت صفقة انتقال اللاعب نبيل فقير من ليون الفرنسي إلى ليفربول بسبب فشله في اجتياز الفحص الطبي إثر كشف إصابته بالركبة، ليخرج اللاعب بعد سنوات ويُنكر ذلك بل وكشف أن سبب الفشل يعود إلى مشاكل بينه وبين وكيل أعماله.