في أجواء مفعمة بالحماسة والتحدي في أولمبياد باريس 2024، نجح اللاعب المغربي سفيان رحيمي في ترك بصمة لا تُنسى، محطمًا الأرقام القياسية ومحفورًا اسمه بين أبرز الهدافين في تاريخ الألعاب الأولمبية. كانت مشاركته لافتة بشكل خاص، حيث ساهمت أهدافه الحاسمة في تقدم المنتخب المغربي بثقة نحو مراحل متقدمة من البطولة.
على مدار الدورة، أظهر المنتخب المغربي مستويات مذهلة من الأداء، وكان تألق رحيمي أحد أبرز عناصر هذا النجاح. اللاعب، الذي كان حتى وقت قريب إحدى المواهب المحلية الواعدة، تحول إلى بطل وطني يُجلّ على المستوى الدولي.
حقق سفيان إنجازًا فرديًا متميزًا بأن أصبح أحد أكثر اللاعبين تسجيلاً للأهداف في الأولمبياد مع المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة، مما ساهم بشكل مباشر في تأهل فريقه إلى الدور نصف النهائي.
وعلى الرغم من الخسارة المؤلمة أمام المنتخب الإسباني بنتيجة هدفين مقابل هدف في نصف النهائي، إلا أن الهدف الذي سجله رحيمي في تلك المباراة كان كافيًا ليؤكد على مكانته كواحد من أبرز نجوم البطولة. هذا الإنجاز لا يمثل فقط قفزة نوعية لرحيمي في مسيرته الكروية، بل يُعد أيضًا مصدر إلهام للعديد من الشباب المغاربة الطامحين في مجال الرياضة.
من هو اللاعب المغربي سفيان رحيمي
سفيان رحيمي، المهاجم البارز في كرة القدم المغربية ونجم نادي العين، أصبح أيقونة رياضية بعد تسجيله أهدافاً لافتة في الألعاب الأولمبية بباريس 2024، محطمًا الرقم القياسي كأفضل هداف مغربي في تاريخ المسابقات الأولمبية. وُلد رحيمي في الثاني من يونيو/ تموز 1996 بالدار البيضاء، ونشأ في بيئة رياضية، حيث كان والده يعمل في نادي الرجاء الرياضي، وهو ما سهّل انخراطه في عالم كرة القدم منذ سن مبكرة.
رحيمي بدأ رحلته الكروية بشكل رسمي مع الرجاء في 2006، حيث صعد من فريق الشباب إلى الفريق الأول وحقق معه إنجازات متعددة بما في ذلك فوزه بكأس الكونفدرالية مرتين وكأس السوبر الأفريقي. انتقاله إلى نادي العين في 2021 شكّل نقلة نوعية في مسيرته حيث توّج بالدوري وكأس الاتحاد في أول موسم له، واستمر نجاحه بالفوز بدوري أبطال آسيا في موسم 2023 و2024، حيث حصل على جوائز الأفضل في البطولة بكل من فئتي الهداف واللاعب المميز.
في المحفل الدولي، تم استدعاء رحيمي للمشاركة مع المنتخب المغربي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حيث أظهر مهاراته العالية التي قادت المغرب للفوز ببطولة الأمم الأفريقية للمحليين. تألقه في الأولمبياد جعل منه رمزًا للنجاح والإصرار في الرياضة المغربية، محفزًا بذلك أجيالاً من الشباب المغاربة لتقدير قيمة الجد والاجتهاد.
مسيرته مع نادي الرجاء البيضاوي
التحق سفيان بمدرسة نادي الرجاء البيضاوي في سن مبكرة، ومرّ بجميع الفئات العمرية حتى وصل إلى فريق الناشئين. تلك البدايات المتواضعة كانت اللبنة الأولى في مسيرته الكروية التي بدأت تأخذ مجرىً أكثر جدية.
مع حلول موسم 2017-2018، تقرر إعارة سفيان رحيمي إلى نادي النجم الرياضي البيضاوي، بناءً على تقييم دقيق من قيادات الرجاء الرياضي لإمكانياته المتنامية والفرص المتاحة لتطوير مهاراته. خلال هذه الفترة، لم يقتصر تألق رحيمي على مركزه الأصلي كمهاجم فحسب، بل استعرض مرونة استثنائية بإمكانه اللعب بكفاءة على الجناحين الأيمن والأيسر.
تميزه وتنوع قدراته الفنية والتكتيكية مكّنه من تسجيل 15 هدفًا في 28 مباراة، مما أعاده إلى دائرة الضوء وجعله موضع اهتمام مستمر من قبل الإدارة الفنية للرجاء، التي بدأت ترى فيه قطعة مركزية لمستقبل النادي.
عاد بعدها سفيان رحيمي إلى نادي الرجاء في 18 يوليو/ تموز 2018، حيث شارك في مباراته الأولى ضمن دور المجموعات لكأس الكونفدرالية ضد أسيك ميموزا، وتسبب في ركلة جزاء سجل منها محمود بنحليب، مما ساعد الفريق على تحقيق الفوز.
تبعتها مشاركات متتالية أثبت خلالها قدرته على التأثير الفعّال، سواء بالتسجيل أو صناعة الأهداف، واختتم موسم 2018-2019 بإنجازات لافتة، حيث ساهم في حصول الفريق على عدة انتصارات.
في المواسم التالية، أظهر رحيمي تطورًا مستمرًا وقدرة على قيادة فريقه لتحقيق النجاحات في الدوري المغربي والمنافسات الأفريقية. حصد عدة جوائز فردية وجماعية، مما عزز من مكانته كأحد الأعمدة الرئيسية في الفريق. سجل هداف وصانع ألعاب متميز، كان لرحيمي دور كبير في الانتصارات التي حققها الرجاء، وقد كان محوريًا في تحقيق الفريق لألقابه الأخيرة وتأهله في البطولات الكبرى.
الانتقال إلى نادي العين الإماراتي
في 24 من أغسطس/ آب 2021، انضم سفيان رحيمي رسميًا إلى صفوف نادي العين الإماراتي، في صفقة قدرت قيمتها بـ 2.55 مليون يورو وامتدت حتى يونيو/ تموز 2025. هذه الخطوة جاءت تتويجاً لمسيرة لافتة خاضها اللاعب مع الرجاء، وبدأت مرحلة جديدة في مسيرته تحت سماء الإمارات.
في 5 من مايو/ آيار 2022، حقق رحيمي مع ناديه الجديد كأس الإمارات العربية المتحدة، بعد منافسة شرسة أُحسمت بركلات الترجيح ضد شباب الأهلي، لتنتهي المباراة بنتيجة 2-2 وتبويب ركلات ترجيح 5-4. بعد أسبوع من هذا الإنجاز، وسّع العين دائرة انتصاراته بتحقيق فوز كبير ومؤثر على الجزيرة بخمسة أهداف دون رد في الجولة 23، معززًا موقعه في المنافسة المحلية.
أما في أبريل/ آذار 2024 شهد تأهل نادي العين، بقيادة رحيمي، إلى نهائي دوري أبطال آسيا. كان الطريق إلى النهائي محفوفًا بالتحديات، حيث سجل رحيمي هدفًا حاسمًا في مباراة الذهاب ضد النصر، وأضاف ثنائية في مباراة العودة. وعلى الرغم من خسارة المباراة بنتيجة 4-3، فقد ساهمت أهدافه الحاسمة وتمريراته المتقنة في الوصول إلى النهائي، وهو ما يؤكد على دوره البارز كلاعب أساسي في تشكيلة الفريق.
المشاركات الدولية لسفيان رحيمي
كانت بداية المشاركات الدولية لسفيان رحيمي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استدعى الحسين عموتة سفيان رحيمي لتمثيل المغرب في التصفيات المؤهلة لبطولة الأمم الأفريقية 2020 ضد الجزائر. بسبب تفشي وباء كوفيد-19، تم تأجيل البطولة لتقام في يناير 2021 بدلاً من أبريل 2020.
خلال البطولة، استطاع رحيمي أن يبرز بشكل لافت، حيث نال جائزة رجل المباراة في أول ظهور له ضد توجو بالفوز 1-0. تلا ذلك تسجيله ثنائية ضد أوغندا، وهو ما ساعد المغرب في تصدر مجموعته. في ربع النهائي ضد زامبيا، سجل رحيمي أسرع هدف في تاريخ المسابقة، وقاد المغرب للفوز بالبطولة عبر تغلبهم على مالي 2-0 في النهائي، مما جعله يتوج بجائزة أفضل لاعب وهداف المسابقة.
أما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تم اختيار رحيمي ضمن الـ23 لاعبًا المشاركين في كأس العرب. خلال البطولة، شارك في المباراة ضد فلسطين وساهم بركلة جزاء تم تسجيلها في الدقائق الأخيرة، وسجل هدفًا من ركلة جزاء ضد الأردن. ومع ذلك، في ربع النهائي ضد الجزائر، خرج المغرب من البطولة بعد هزيمتهم في ركلات الترجيح.
وفي نوفمبر 2020، تم استدعاء رحيمي لأول مرة للمنتخب الأول للمشاركة في تصفيات كأس أفريقيا 2022. في مارس/ آذار 2021، شارك لأول مرة مع الفريق الأول ضد موريتانيا. في مايو/ أيار 2022، تم استدعاؤه للمباراة التحضيرية لكأس العالم 2022 ولمباريات تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2023. على الرغم من مشاركاته الملفتة، لم يتم اختياره للمشاركة في كأس العالم 2022 بقطر.
وفي آخر استدعاء دولي تم اختيار رحيمي لتمثيل المغرب في دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس. خلال دور المجموعات، أظهر تألقًا استثنائيًا، حيث سجل هدفين ضد الأرجنتين وهدفًا ضد أوكرانيا والعراق، ثم هز كل من شباك الولايات المتحدة واسبانيا ليصبح الهداف المغربي الأعلى في تاريخ الألعاب الأولمبية.
أسلوب لعب رحيمي
سفيان رحيمي، بمهاراته الفنية المتقنة وقدرته على المراوغة، أظهر موهبته الكروية بشكل لافت لدى عودته من الإعارة في صيف 2018، وبسرعة تحول إلى عنصر حيوي ضمن تشكيلة الرجاء. برزت قدراته بشكل خاص خلال نهاية موسم 2019-2020 حيث نال إشادة كبيرة، مُتوجًا بجوائز أفضل لاعب وأفضل هداف في بطولة CHAN 2020، وهو إنجاز حظي بتقدير من شخصيات كبرى في عالم الكرة، مثل النجم الكاميروني السابق صامويل إيتو.
رحيمي يتميز بسرعته العالية وإتقانه الفني الذي يمكنه من تجاوز الخصوم بمرونة ودقة، مستخدمًا ساقيه في التمرير السريع والدقيق. قدمه اليمنى قوية بشكل خاص، لكنه يتقن استخدام قدمه اليسرى بنفس الكفاءة، مما يجعله خطرًا من مختلف الزوايا على المرمى، خصوصًا من الركلات الثابتة.
على الرغم من تعرضه لبعض الانتقادات بسبب ميله للتحايل بحثًا عن ركلات الجزاء، فإن هذه التكتيكات غالبًا ما تثمر عن نتائج إيجابية، حيث يتردد المدافعون في التدخل القوي ضده داخل منطقة الجزاء خوفًا من ارتكاب الأخطاء. هذه الاستراتيجية، بالرغم من الجدل حولها، تظل جزءًا فعالًا من أسلوبه اللعبي الذي يتسم بالذكاء والحنكة الكروية.