ومات القيصر.. فارق أسطورة كرة القدم الألمانية فرانز بيكنباور الحياة يوم الإثنين الماضي عن عمر يناهز الـ78 عاماً، وبعد مسيرة كروية حافلة، وفضيحة مالية، وعلاقات سياسية بالاحتلال الإسرائيلي.
ولد فرانز بيكنباور، الملقب بـ"القيصر"، في مدينة ميونيخ في 11 سبتمبر/أيلول 1945، عاصمة مقاطعة بافاريا الألمانية. في سن الـ9، بدأ مشواره الرياضي في صفوف ناشئي نادي "إس سي ميونيخ 1906". ثم انتقل إلى صفوف ناشئي "بايرن ميونيخ" الذي لم يكن فريقاً مشهوراً حينها، ولعب أولى مبارياته مع الفريق الأول للنادي الذي سيصبح زعيم ألمانيا في عام 1964. من هناك انطلق قطار الإنجازات الكبيرة، بما في ذلك ثلاثة ألقاب متتالية لكأس أوروبا. لعب أيضاً مع نيويورك كوزموس وهامبورغ، قبل أن يعتزل في عام 1983.
إلى جانب البرازيلي ماريو زاجالو والفرنسي ديدييه ديشامب، يعد بيكنباور واحداً من ثلاثة أشخاص فقط فازوا بكأس العالم لاعباً (مونديال 1974) ومدرباً (مونديال 1990).
في الملعب، عرف بيكنباور بقدراته الدفاعية المتميزة، القراءة الجيدة لمجريات المباراة، وقدرته على قيادة زملائه وتوجيههم بطريقة فعّالة. يُعتبر من أعظم اللاعبين في التاريخ، ولقد أثنى عليه الأسطورة بيليه بوصفه "أحد أفضل اللاعبين في التاريخ". ولقد نعاه هانز-يواكيم فاتسكه نائب رئيس الاتحاد الألماني "فرانز بيكنباور هو أعظم لاعب ألماني على الإطلاق، وقبل أي شيء إنسان رائع تعرفت عليه".
أما خارج الملعب، فعرف بشخصيته القوية والقيادية، وهو ما أهله لقيادة منتخب ألمانيا وكذلك تقلد العديد من المناصب الإدارية العليا في نادي بايرن ميونيخ. لكن أرفع الأوسمة التي تقلدها كان لقب "القيصر" الذي لم يحسم الجدل حول سر إطلاق هذا اللقب عليه.
سر القيصر فرانز بيكنباور
الصحيفة الإسبانية "AS" كشفت النقاب عن ثلاث قصص مختلفة قد يعود لها الفضل في تسمية بكنباور بلقب "القيصر".
القصة الأولى تعود إلى عام 1969، حينما منحته الصحف الألمانية لقب "قيصر الأمة" بعد قيادته بايرن ميونيخ للفوز بلقب الدوري المحلي. أما القصة الثانية، فترتبط أيضاً بنفس العام، حيث رفع فرانز بيكنباور الكرة في الهواء خلال نهائي الكأس ضد شالكه رداً على صيحات الجماهير، ما اعتبر "إهانة ملك وستفاليا"، ومن ثم جاءت تسميته بـ "القيصر" نظراً لشجاعته.
القصة الأخيرة، وفقاً للصحيفة، تعود إلى عام 1971، حين التقط بيكنباور صورة أمام تمثال إمبراطور النمسا فرانز الأول، والمعروف في ألمانيا بـ "قيصر النمسا"، خلال مباراة ودية بين بايرن ميونيخ وأوستريا فيينا.
المسيرة مع منتخب ألمانيا الغربية
كرة القدم، أو "فوسبال" كما تسمى في ألمانيا، هي الرياضة الأكثر شعبية بين جماهير هذه الدولة الباردة. إذ عززت ألمانيا مكانتها كواحدة من أقوى الفرق الكروية في العالم بـ4 ألقاب لكأس العالم لكرة القدم. تتخلف ألمانيا حالياً عن البرازيل في الألقاب العالمية بلقب يتيم، حيث فازت البرازيل بـ5 ألقاب مقارنة بـ4 ألقاب لألمانيا.
كان منتخب ألمانيا واحداً من أكثر الدول هيمنة على الساحة الرياضية، وقد احتل المركز الأول في تصنيفات FIFA العالمية بسبب أدائه المذهل في العقود القليلة الماضية. كما قدّمت البلاد بعضاً من أفضل لاعبي كرة القدم الذين كتبوا أسماءهم في كتب التاريخ لعالم كرة القدم، على رأسهم فرانز بيكنباور.
عندما تم تقسيم ألمانيا إلى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية عام 1949، واستمر كلا البلدين في لعب كرة القدم على المسرح العالمي بشكل منفصل، كانت ألمانيا الغربية دولة كروية من الطراز الرفيع، مع صعود نجوم مثل جيرد مولر وفرانز بيكنباور وهانس يورغن دورنر وأولي هونيس. ساهمت ألمانيا الغربية في 3 ألقاب لكأس العالم لكرة القدم من أصل 4 ألقاب تمتلكها ألمانيا اليوم. شارك بيكنباور مع منتخب ألمانيا الغربية من 1965 حتى 1977، قادهم للفوز بكأس العالم 1974 ووصل للنهائيات في 1966 و1970. اشتهر بقدراته الدفاعية وتميزه في مركز الليبرو.
فضيحة مونديال 2006
في عام 2016، فجرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية قنبلة من العيار الثقيل، عندما أفادت بأن ألمانيا كانت قد دفعت رشى بهدف الفوز بحق استضافة كأس العالم 2006، لكن الاتحاد الألماني لكرة القدم نفى في البداية وجود أي مخالفات في انتزاع حق استضافة البطولة. موقف سيتراجع عنه الاتحاد الألماني فيما بعد عندما سيعترف رئيسه بالخطأ ويستقيل. لم يكن رئيس الاتحاد هو المسؤول الأول عن الفضيحة، بل فرانز بيكنباور.
ووفقاً لتقرير نُشر على موقع المجلة الإلكتروني يوم الجمعة، الموافق 24 يونيو/تموز 2016، أُقيم حساب سري بمبلغ يتجاوز 10.3 مليون فرنك سويسري (ما يُعادل 10.8 مليون دولار) عند رئيس مجموعة "أديداس" للتجهيزات الرياضية روبرت لويس درايفوس.
أشارت "دير شبيغل" أيضاً إلى أن درايفوس قد قدم قرضاً سرياً للجنة الألمانية بهذا المبلغ قبل إعلان انتصار ألمانيا في استضافة كأس العالم في 6 يوليو 2000، حيث طالب برد المبلغ الذي كان يُقدر آنذاك بنحو 6.7 مليون يورو، قبل عام ونصف من انطلاق البطولة.
وأكدت المجلة أن هذا المبلغ تم استخدامه للحصول على أصوات أربعة أعضاء من آسيا ضمن أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا، قبل الإعلان عن انتخاب ألمانيا لاستضافة المونديال في عام 2000.
في سياق متصل، اعترف الأسطورة الكروية الألمانية، والعضو السابق في اللجنة التنفيذية للفيفا، فرانز بيكنباور، بارتكاب "خطأ" فيما يتعلق بشبهات رشاوى من أجل استضافة كأس العالم 2006، مؤكداً في الوقت ذاته عدم شرائه للأصوات.
وأشار بيكنباور في بيان كتابي إلى أنهم قبلوا اقتراحاً من اللجنة المالية للفيفا للحصول على منحة، والتي كان ينبغي على الأطراف المعنية رفضها. وأضاف أنه يتحمل المسؤولية عن هذا الخطأ بوصفه رئيساً للجنة التنظيم في تلك الفترة.
يُذكر أن مجلة "دير شبيغل" كانت قد كشفت عن تخصيص لجنة الترشيح الألمانية، التي كان بيكنباور يترأسها، حساباً خاصاً لشراء أصوات ممثلي آسيا في الفيفا. ورغم ذلك، نفى بيكنباور بشدة هذه الاتهامات، مؤكداً أنه لم يدفع أموالاً من أجل الحصول على أصوات لصالح ألمانيا في انتخابات استضافة كأس العالم 2006.
علاقته بإسرائيل
رغم أن تركيز العديد من البحوث والمقالات حول بيكنباور يتعلق بمسيرته الرياضية، إلا أنه كان له حضور سياسي، نبرز هنا علاقته القوية بإسرائيل. وفقاً للصحف الإسرائيلية، فإن بيكنباور كان وسيطاً وصديقاً لإسرائيل.
حيث زار إسرائيل أثناء مسيرته كلاعب وقام هناك بتصوير فيلم عن حياته ومسيرته. كما قاد منتخب ألمانيا في مباراته الأولى مع المنتخب الإسرائيلي عام 1987، وزار حائط البراق وارتدى "الكيباه"، قبعة اليهود الشهيرة. كما قام بزيارة إلى متحف محرقة الهولوكوست الرسمي "ياد فاشيم".
وعندما أصبح رئيساً لنادي بايرن ميونيخ ترأس بعثة الفريق البافاري المتوجهة إلى تل أبيب لمواجهة فريق مكابي تل أبيب في إطار دوري أبطال أوروبا عام 2004. جدولت المباراة في رأس السنة اليهودية، حاول نادي مكابي تل أبيب ومسؤولوه التدخل عند الاتحاد الأوروبي لتغيير موعد اللقاء لكن الطلب قوبل بالرفض.
قرر بيكنباور التدخل بنفسه وضغط رفقة الاتحاد الألماني على الاتحاد الأوروبي لتغيير موعد المباراة، لكن الاتحاد الأوروبي أصر على إقامة المباراة في موعدها أو اعتبار الفريق الإسرائيلي خاسراً. وأثناء تلك الزيارة، حرص بيكنباور على حث لاعبي النادي على زيارة متحف المحرقة في تل أبيب، وأن يكون على رأس البعثة المتجهة إلى المتحف.