في السنوات السابقة للنكبة التي وقعت عام 1948، لم تكن فلسطين "أرضاً بلا شعب" كما تحاول الرواية الصهيونية تصوير التاريخ السابق لنشأة إسرائيل، بل أرضاً لشعب تطوَّر تطوراً طبيعياً في شتى مناحي الحياة من الاقتصاد والسياسة إلى الثقافة والرياضة. على صعيد الرياضة خصوصاً نشأت العديد من الأندية الفلسطينية في بداية القرن العشرين، وأثَّرت بشكل كبير في مدن القدس وحيفا ويافا، فضلاً عن مدن أخرى.
في أبريل 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وشهدت هذه الفترة تشكيل أول منتخب فلسطيني عربي لكرة القدم، كمنافس لمنتخب فلسطين الذي سرقته العصابات الصهيونية في فترة سابقة.
كانت الحركة الرياضية الفلسطينية متميزة بأسسها الوطنية والاجتماعية، حيث لعبت دوراً بارزاً في دعم الحركة الوطنية وتشكيل الهوية الفلسطينية، حيث كانت النشاطات الرياضية جزءاً أساسياً منها. فقد أقيمت العديد من الفعاليات والأنشطة من قبل الأندية الرياضية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
كما عملت هذه الحركة على تعزيز التواصل بين مختلف المدن والقرى، وركزت على تعميق الانتماء الوطني والثقافي. أقامت جسوراً للتعاون مع الفرق الرياضية في العديد من البلدان العربية، كانت الحركة الرياضية موازية ومتشابكة مع الحركة الوطنية، فلم تكن معزولة عن الظروف السياسية أو التعاون الوثيق بين الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية في فلسطين.
على الرغم من التحديات والتقلبات التي مرت بها هذه الحركة الرياضية خلال تلك الفترة، فإنها شهدت تطوراً متصاعداً في أربعينيات القرن الماضي، خاصةً بعد إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني، حيث اتسمت هذه الفترة بتنظيم وتوسع نشاط الرياضة.
روضة المعارف
قبل أكثر من 120 عاماً، في بدايات القرن العشرين، انطلقت كرة القدم لتكون حديث أهل فلسطين، وأصبحت هذه الرياضة الشعبية الأولى. فُتحت الملاعب للأطفال والشباب، حيث كانت كرة القدم تُلعب في كل حارة وشارع ومدرسة.
سر تفشي هذه اللعبة يكمن في مدارس البعثة البريطانية في المدن الرئيسية كالقدس ورام الله، حيث كانت هذه المدارس تعكس ثقافة إنجلترا، موطن كرة القدم الحديثة.
في ذلك الوقت، أُسست العديد من الأندية والفرق الجديدة، فأصبح لكل طائفة في فلسطين فريقها الخاص في كرة القدم، لتصبح هذه الرياضة جزءاً من الثقافة والهوية الوطنية.
في عام 1908، شهدت كلية المعارف تشكيل فريق لكرة القدم، وسمّي "روضة المعارف"، وفي الوقت نفسه تأسَّس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران القديس جورج في القدس.
نجح هذا الفريق في التغلب على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت، الذي كان أحد أقوى الفرق في المنطقة، في عام 1909. وفي عام 1910 شكّل شبان آخرون فريقاً لمنافسة الفرق الأجنبية التي كانت تزور فلسطين في ذلك الوقت، وانتشرت كرة القدم في فلسطين، خاصةً في مدارس القدس.
في صحيفة "فلسطين" بتاريخ 13 أبريل 1912، ورد خبرٌ عن مباراة في كرة القدم، تُظهِر طبيعة النشاط الرياضي في ذلك الوقت باستخدام مصطلح "الفوط بول"، قبل أن تُعرب لاحقاً كرة القدم. وجاء في الخبر: "يوم الإثنين من هذا الأسبوع انطلقت لعبة (الفوط بول)، حضرها شبان مدرسة الكلية في بيروت مع بعض أساتذتهم، وتم نصب صالون كبير في الملعب، وفي الساعة الرابعة بدأت مباراة بين شبان الكلية والشبان الإسرائيليين وبعض شبان مدرسة الشبان القدسية، وانتهت المباراة بفوز شبان الكلية. أما يوم الأربعاء فكانت المباراة مع تلامذة مدرسة المطران ولم يحقق أي فريق فوزاً".
الفلسطينيون ماضٍ مجيد ومستقبل باهر
في كتابه "الفلسطينيون ماضٍ مجيد ومستقبل باهر"، يُشير الدكتور عزت طنوس إلى الحركة الرياضية في فلسطين قبل الاستعمار البريطاني، كما نقل عنه المؤرخ عصام الخالدي أن أول مباراة في كرة القدم بين بلدان في الشرق الأوسط جرت عام 1912، حيث جاء فريق الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (التي أُصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية) إلى القدس ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة: السي إم إس، والشبان المسيحية، ومدرسة سان جورج، ومنتخب القدس.
وكانت بعض الأندية ذات شهرة كبيرة في تلك الفترة، مثل نادي الدجاني الرياضي والنادي الأرثوذكسي في يافا، حيث رمز كلا الناديين للهوية المسيحية في فلسطين. ومن جهة أخرى تأسَّس النادي الإسلامي الرياضي في يافا عام 1926 أيضاً.
وبالرغم من التنوع العرقي والديني في الأندية التي أسّسها أهل فلسطين، فإنه لم تُسجل أي حالة عنصرية أو صراع، بل كان هناك لاعبون مسيحيون ينضمون إلى أندية إسلامية، والعكس صحيح.