يقول أسطورة كرة القدم، بيل شانكلي: "بعض الناس يعتقدون أن كرة القدم مسألة حياة أو موت. أنا محبَط للغاية من هذا السلوك. أؤكد لكم أنها أخطر من ذلك بكثير".
هذه وجهة نظر متطرفة إلى حد بعيد، أدق ما وصفت به كرة القدم يوماً جاء على لسان المدرب الألماني يورغن كلوب، عندما قال عنها "أهم الأشياء التافهة"؛ فهي مهمة لكنها تافهة.
كرة القدم مسألة حياة أو موت في المجاز حصراً، عندما يشحن المدرب لاعبيه فيقول لهم قبيل انطلاق مباراة مصيرية: "استعدوا للحرب"، أو "أنتم اليوم تدافعون عن شرف ناديكم". ولعلك سمعت معلق مباراة ذات ليلة يقول واصفاً تسديدة قوية بأنها "صاروخ" أو "قذيفة".
بين الحرب وكرة القدم تشابه، لا في الأهمية أو التأثير، بل في المصطلحات المستخدَمة. إذ تعج كرة القدم بالمصطلحات العسكرية الرامية إلى تعظيم المباريات وتصويرها حرباً دون قتلى، مع بعض الإصابات غير الخطرة.
هذه الأيام، قدّمت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عدداً من المصطلحات العسكرية التي ستدخل قاموس كرة القدم عاجلاً غير آجل.
"المسافة صفر"
إذا كنت من محبي "تيكي تاكا" الأسلوب الذي اشتُهر به نادي برشلونة تحت قيادة المدرب الخبير بيب غوارديولا، فإنك على الأرجح قد شاهدت أهدافاً كثيرة من "المسافة صفر". هي تلك الأهداف التي كانت تسبقها موجة استحواذ طويلة، وعشرات التمريرات، حتى ينصدم المشاهد والخصوم بوجود لاعبين من فريق برشلونة داخل منطقة الجزاء، وبدلاً من التسديد المباشر على المرمى يقومون بتبادل الكرات حتى يدخلوا بها المرمى من "المسافة صفر".
"إنزال خلف خطوط العدو"
في مباراة كرة القدم تمر لحظات ينحسر فيها اللعب في وسط الملعب، ويبدو كلا الفريقين بلا حلول فنية للتسجيل، ثم فجأة يأتي أحد اللاعبين بتمريرة سحرية، يخترق بها الفريق دفاع الخصم، ويكسر مصيدة التسلل مثلاً، فيصبح المهاجمون خلف خطوط الخصم الدفاعية وفي مواجهة المرمى مباشرة. تلك التمريرة الساحرة أو الجملة الفنية الذكية هي مرادف عملية الإنزال.
يصدح المذيع بالقول: "تمريرة عابرة للقارات" عندما يطلق لاعب تمريرة دقيقة من أقصى يمين الملعب إلى أقصى يساره. والأصل أن وصف "عابرة للقارات" وصف عسكري للصواريخ بعيدة المدى العابرة للقارات، حتى تصل أهدافها. حتى كلمة "هدف" هي كلمة عسكرية، فيقول الخبراء العسكريون عن المواقع التي يريد الجيش تدميرها "بنك الأهداف"، وعن المقاتل الخصم الذي يتحرك "الهدف يتحرك" وهكذا دواليك.
أما وصف التسديدات القوية بالقنابل في المجال الرياضي، فيعود إلى عام 1939 وهي ليست وصفاً دقيقاً، إذ تلقى القنابل من الطائرات المحلقة. فالأدق تشبيه التسديدة القوية بالرصاصة أو الصاروخ.
الملكي "يقصي" بايرن ميونخ
مصطلح "الإقصاء"، والذي يعني قتل الهدف بواسطة الرصاص، تم استخدامه للمرة الأولى في حرب فيتنام. ونُقل بسرعة إلى كرة القدم والرياضات الأخرى للدلالة على الهزيمة الشاملة. فإن تواجه، على سبيل المثال، ناديا بايرن ميونخ وريال مدريد في دوري أبطال أوروبا وانتصر ريال مدريد على بايرن ميونخ؛ سترى عناوين الصحافة الرياضية في اليوم التالي: الملكي "يقصي" بايرن ميونخ.
مصطلح "التشكيلة" و"الخطة" هي من المصطلحات العسكرية منذ أمد بعيد، وتشير إلى كيفية صف وتنظيم القوات لمواجهة العدو. وفي كرة القدم، تعني الترتيب المحدد للاعبين في حالتي الدفاع أو الهجوم.
الاستطلاع
يقول الكاتب الرياضي أحمد رضا منصور إن الاستطلاع هو عين الجيش، يتمركز في أرض العدو، يستطلع تمركزاته ومواطن القوة والضعف، ويأتي بإحداثيات كل شيء، بناءً على رؤيته تتحرك باقي الأسلحة، وتحدد أين ومتى تطلق نيرانها، بدون الاستطلاع لا يستطيع الجيش اتخاذ أي قرارات، أو اعتماد أي خطة.
كذلك الـ"scanning" أو "المسح البصري" في كرة القدم، هو عصب اللعبة، تحليل الوضعية، بدونه لن تستطيع اتخاذ أفضل قرار. يحدثنا هنا تشافي هيرنانديز عن أهمية ذلك، ويقول: "في كل مرة لا أقوم فيها بعمل مسح للملعب، أعيد الكرة مرة أخرى لزميلي الذي استقبلتها منه"، طبقاً لدراسات عديدة، فتشافي هيرنانديز أفضل لاعبي اللعبة على الإطلاق في عمليات المسح المرئي للملعب، فلن تجد قائد استطلاع أقوى منه على دكة المدربين.
ولم تكن تلك المصطلحات موجودة في النسخة الإنجليزية الأرستقراطية من الرياضة، ويشاع أنها انتقلت إلى كرة القدم مع قدامى المحاربين المصابين بصدمات نفسية. أولئك الجنود العائدون من الخنادق إلى ملاعب ومدرجات كرة القدم، أضفوا عليها طابعاً عسكرياً.
مدرب الكرة الشاملة
الآن يقوم أبو عبيدة ورفاقه بكتابة فصل جديد لفلسطين وكرة القدم معاً، فتعبيراته العسكرية عن عمليات قوات كتائب القسام ستدخل قاموس كرة القدم، وستصبح علامات باقية. ولقد سبق لأسطورة كرة القدم التونسية، طارق ذياب، أن وصف أبو عبيدة بـ"مدرب الكرة الشاملة".