لا إنجازات تذكر لكرة القدم الإسرائيلية، ما عدا الحقبة الزمنية الممتدة من 1956 حتى 1970، أو بمعنى أدق فترة وجود الصهاينة في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
منتخب إسرائيل كان من الأنجح في آسيا لأسباب سياسية تتعلق بمقاطعة عديد من المنتخبات للبطولات، ورفض التطبيع الرياضي معها. في 4 مشاركات في بطولة كأس آسيا نجحت إسرائيل في التتويج باللقب في البطولة التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1964، في بطولة شهدت مشاركة 5 فرق فقط، وانسحاب 11 فريقاً. قبلها حقق منتخب إسرائيل المركز الثاني في النسختين الأولى والثانية من البطولة عامي 1956 و1960، بالإضافة للمركز الثالث عام 1968 في النسخة التي أقيمت في إيران.
نجاح المنتخب الصهيوني الكروي تم تتويجه بالتأهل لكأس العالم عام 1970 في المكسيك، للمرة الأولى في تاريخهم، مشاركة جاءت باهتة وضعيفة وانتهت في الدور الأول.
على مستوى الأندية حقق نادي "مكابي تل أبيب" لقب دوري أبطال آسيا مرتين، سنة 1969 و1971، بينما حقق نادي "هابوعيل تل أبيب" اللقب سنة 1967، والمركز الثاني سنة 1970.
لكن ذلك الحضور البارز انتهى بفضل جهود دبلوماسية عربية في أروقة الاتحاد الآسيوي، قادتها دولة الكويت وتزعمها الكويتي أحمد السعدون.
طرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي
كان أحمد السعدون رئيساً للاتحاد الكويتي لكرة القدم بين عامي 1967 و1976. وصول أحمد السعدون كرئيس للاتحاد الكويتي بعد 3 سنوات فقط من انضمام الكويت ولبنان كأول دولتين عربيتين في آسيا للاتحاد الآسيوي كان المسمار الأول في نعش كرة القدم في إسرائيل.
خلال السنوات الأولى من نشاط بطولات الاتحاد الآسيوي كان هناك غياب عربي عن المشاركة؛ بسبب أن الدول العربية لم تكن دولاً أعضاء في الاتحاد الآسيوي، ولم يكن هناك اهتمام بالانضمام والمشاركة لبلاد تخطو خطواتها الأولى في الحياة بعد مرورها بظروف مختلفة.
ولا أدل على ذلك من عدم مشاركة أي اتحاد عربي في تأسيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عام 1954، بينما كانت إسرائيل حاضرة وبقوة.
الغياب العربي، والتواطؤ الدولي، سمح لإسرائيل بأن تصول وتجول في الملاعب الآسيوية بمساندة ودعم من شاه إيران، المرحب الدائم بتواجد إسرائيل على الساحة الآسيوية.
لكن أحمد السعدون كان له رأي آخر، وكان على يقين بأن مشاركة العرب بأريحية على الساحة الآسيوية تقتضي بالضرورة طرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي.
وهنا بدأ من سنة 1967 رحلة طويلة لإقناع الدول العربية الأخرى في آسيا بالانضمام للاتحاد الآسيوي، حتى يشكلوا كتلةً تصويتية كفيلة بطرد إسرائيل.
فمثلاً، الاتحاد العراقي المنضوي تحت لواء الفيفا منذ سنة 1950 لم ينضم للاتحاد الآسيوي إلا سنة 1970، نفس سنة انضمام الأردن للاتحاد الآسيوي، رغم انضمام الأردن للفيفا من سنة 1956.
الخطوات الأولى للسعدون حققت نجاحاً كبيراً، فبعدما بدأ رحلته سنة 1967 بوجود دولتين عربيتين فقط في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، كان بحلول عام 1972 قد نجح في ضم 4 دول عربية أخرى، وبحلول عام 1974 كان العدد وصل للرقم 9 من أصل 12 دولة عربية في آسيا.
وجود أحمد السعدون وعلاقاته باتحادات آسيا، خاصةً بالدول المسلمة كأفغانستان وباكستان وماليزيا، نجح في نقل بطولة كأس الأمم الآسيوية عام 1972 من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى تايلاند. قرار أدى إلى انسحاب إسرائيل من البطولة.
بطولة عام 1972 شهدت أول مشاركة للعرب من خلال منتخبي العراق والكويت، اللذين ودّعا البطولة من دورها الأول، لكن ما يهم حينها كان الوجود العربي والغياب الإسرائيلي.
الخطوة الثانية جاءت في الجمعية العمومية للاتحاد الآسيوي في كوالالمبور عام 1974، لما نجح السعدون والاتحادات العربية في تجميد عضوية إسرائيل وطردها من الاتحاد الآسيوي، بعدما نجح السعدون في إقناع رئيس الاتحاد الإيراني بالتصويت لصالح القرار.
وفي كأس الأمم الآسيوية 1976 شارك منتخب اليمن مع العراق والكويت في البطولة. في تلك النسخة حققت الكويت المركز الثاني في البطولة كأول فريق عربي يلعب نهائي كأس الأمم الآسيوية.
جلبتَ لنا فخراً عظيما، حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبوظبي. جميعنا نفتخر بك كثيراً!
كلمات بنيامين نتنياهو للاعب الجودو الإسرائيلي ساغي موكي
وفي نسخة 1980 استضافت الكويت البطولة وحققت اللقب العربي الأول في تاريخ كأس آسيا، وبعدها حققت السعودية اللقب مرتين على التوالي وخسرت اللقب في نسخة 1992.
ما بين 1974 و1991 كانت إسرائيل بلا اتحاد قاري تتبعه، وشاركت في بطولات اتحادات مختلفة، لكن منذ خروجها من الاتحاد الآسيوي فشل منتخبها وأنديتها في تحقيق أي إنجاز أكبر من المشاركة في الأدوار الأولى لبطولات الأندية، مع اختفاء تام من الساحة الدولية.
الهاجس الإسرائيلي
مثّل طرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم هاجساً وقلقاً لشعب وحكومة يشكلان دولة مريضة بالقلق الوجودي. كلما هبّت رياح أزمة فتح نقاش حول وجود الدولة وبقائها ومستقبلها، لأن توظيف الرياضة، وخاصةً كرة القدم، لم يعد رفاهية بالنسبة للدول، بات الاحتلال حريصاً على خلق أجواء رياضية مع المحيط العربي، في محاولة لإذابة جبال من الجليد بين شعب إسرائيل والشعوب العربية.
لذلك كان التطبيع الرياضي أحد أهم بنود اتفاقيات أبراهام، وكذلك التطبيع بين المغرب وإسرائيل، فأبرمت الإمارات وإسرائيل اتفاقيات تعاون رياضي عديدة.
إحدى أبرز ثمار تلك الاتفاقيات هو ما جرى في بطولة "غراند سلام" لرياضة الجودو عام 2018، عندما أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلاعب الجودو الإسرائيلي، الفائز بالميدالية الذهبية في بطولة دولية بأبوظبي.
وقال نتنياهو في تغريدة عبر صفحته بموقع "إكس": أقول للاعب الجودو الإسرائيلي ساغي موكي، جلبت لنا فخراً عظيماً، حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبوظبي. جميعنا نفتخر بك كثيراً!".
وحينها عزف النشيد الإسرائيلي في إمارة أبوظبي، للمرة الأولى في دولة خليجية، بعد إحراز اللاعب للميدالية الذهبية. ولإضفاء طابع سياسي على الحدث شهدت مراسم التتويج حضور وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية آنذاك، كما بثّ التلفزيون الإسرائيلي مشاهد تُظهر ريغيف تبكي أثناء عزف النشيد الوطني الإسرائيلي.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي يشارك فيها وزير وبعثة رياضية إسرائيلية، تحت علم بلادهم، في حدث رياضي بالخليج العربي، حسب مسؤولين إسرائيليين.
وقبل البطولة، حذّر الاتحاد الدولي للجودو منظمي البطولة من أنه سيلغي المسابقة إذا لم يسمحوا للرياضيين الإسرائيليين بالمشاركة على قدم المساواة.
السعي نحو التطبيع الرياضي
لا تكتفي إسرائيل بالمشاركة في بطولات مع الدول العربية التي تعترف بها وتمتلك علاقات سرية وعلنية معها، بل يهاجم قادتها كل من يحاول عزف لحن المقاطعة الرياضية، ورفض المنافسة مع الرياضيين الإسرائيليين في المحافل الدولية والقارية.
ففي عام 2017، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن غضبه لرفض مصارع إيراني مواجهة نظيره الإسرائيلي.
وقال نتنياهو في كلمة مسجلة أذاعها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لم أتخيل أبداً أن أقول ذلك، ولكن أعتقد أنه يمكن تلخيص معاداة إيران لإسرائيل بتجربة مصارع إيراني اسمه علي رضا.. قبل عدة أيام كان علي رضا على وشك أن يهزم مصارعاً روسياً في بطولة عالمية. وعندئذ أمره مدربه بأن يخسر المباراة، لأنه في الجولة القادمة كان على علي رضا مواجهة مصارع إسرائيلي".
وكانت تقارير إعلامية أفادت بأن المصارع الإيراني علي رضا كريمي تعمّد الخسارة لكي يتجنب مواجهة منافس إسرائيلي في وزن 86 كيلوغراماً، ببطولة العالم تحت 23 عاماً المقامة في بولندا.
وفي أولمبياد طوكيو 2020 هاجت الصحافة الإسرائيلية وماجت، بسبب مقاطعة اللاعبين العرب ورفضهم مواجهة اللاعبين الإسرائيليين، واعتُبر ذلك مؤشراً على إفلاس التطبيع مع الدول العربية.
جاء أقوى المواقف من اللاعب الجزائري فتحي نورين، الذي رفض مقارعة اللاعب الإسرائيلي توهار بوتبول في مباراة الجودو.
اللاعب الجزائري نورين رفع درجة المقاطعة، وأعلن على الملأ سبب انسحابه، فقال في مقابلة تلفزيونية: "لا أريد ليديَّ أن تتسخا به".
كما لخّص مدربه عمار بن خليف المسألة: "الأمر ببساطة: لم يكن لنا حظ في القرعة، فحصلنا على خصم إسرائيلي فاضطررنا إلى الانسحاب".
كما انسحب لاعب الجودو السوداني محمد عبد الرسول، ورفض مقابلة لاعب إسرائيلي ضمن منافسات دورة الألعاب الأولمبية، رغم أن طبق التطبيع السوداني الإسرائيلي كان ساخناً حينها.
ترى إسرائيل أن هذه المواقف تجعلها "أضحوكة"، كما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" من قبل، فهي تكرّس فكرة شذوذ إسرائيل عن محيطها، وتعلن عدم تقبلها شعبياً، والتساؤل بجدية حول مسألة وجودها. لذلك تضغط إسرائيل بكل قوة من أجل التطبيع الرياضي، وتطلب من كافة المؤسسات والهيئات الرياضية تغليظ العقوبات على الدول والرياضيين والفرق التي ترفض التنافس معها.