أذاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الحجر والشجر، وأذاب أيضاً الحواجز بين الرياضة والسياسة. لم يعد من المتصور أن يبقى لاعبو كرة القدم، خاصة العرب والمسلمين، صامتين إزاء جريمة الإبادة الجماعية التي تذاع على الهواء مباشرة. ما يحدث في ميادين الرياضة ليس بطل القصة اليوم، بل ما يجري في ميادين البطولة والغضب بغزة، وما يدور في فلكها.
لذلك تحديداً حظي اللاعب المغربي أنور الغازي بتقدير وإشادات عربية وإسلامية بموقفه الرافض للممارسات الإسرائيلية الدموية، والداعم للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. غزا الغازي قلوب الشعوب العربية التي تبحث عمن يجسد قيم التضحية والتضامن، فعلاً وقولاً. كانت جماهير الكرة العربية تحديداً تتحرى من يتحدى الغطرسة الأوروبية، خاصة الألمانية، بدعمها اللا محدود واللا مشروط لإسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني، ووجدت ضالتها في أنور الغازي.
ماذا فعل أنور الغازي؟
عند بداية الحرب على قطاع غزة، لم يكن أنور الغازي قد أكمل شهره الأول رفقة نادي "ماينز" الألماني. لكن ذلك لم يمنعه من إعلان موقفه بوضوح بتأييد ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله، عبر حسابه على موقع "إنستغرام". كان الغازي واضحاً، رفض توصيف ما يجري بأنه حرب لها طرفان متساويان في القوة والدعم، بل "إبادة جماعية" كما وصفها. وبعبارة "من النهر إلى البحر، فلسطين ستحرر" أنهى أنور الغازي رسالته.
لم يحتمل نادي "ماينز"، مثل معظم الأندية الألمانية، تلك التصريحات. وسريعاً أعلن النادي عن إيقاف أنور الغازي ومنعه من المشاركة في تدريبات الفريق الجماعية. برر ماينز ذلك باتخاذ اللاعب "موقفاً بشأن الصراع في الشرق الأوسط بطريقة غير مقبولة بالنسبة للنادي".
وبعد جلسة بين إدارة النادي والغازي، نشر أنور عبر حسابه منشوراً يعلن فيه رفضه استهداف المدنيين بشكل عام ونبذه للعنف. تصوّر المراقبون والمحللون أن فتيل الأزمة قد انتزع، لكن نادي "ماينز" أصدر بياناً قال فيه إن أنور الغازي تراجع عن موقفه واعتذر، ولذا سيمنحه النادي فرصة أخرى وسيرفع عنه الإيقاف.
وسريعاً، خرج أنور الغازي نافياً، عبر حسابه على "أنستغرام"، تقديمه أي اعتذار عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وتأييده لاسترداده حقوقه المسلوبة. قال الغازي: "لست نادماً ولم أعتذر، ولا أشعر بأي أسف على موقفي، ولا أنأى بنفسي عما قلته أو أؤيده اليوم وحتى آخر نفس من أجل الإنسانية والمظلومين".
وفي رد سريع على ذلك الموقف الصامد، قرر نادي "ماينز" فسخ تعاقده مع اللاعب المغربي بعد أقل من شهرين على التعاقد معه.
ما سر هذا الموقف؟
في حوار صحفي أجراه والده، أزال علامات التعجب التي رسمت على مُحيّا المتابعين والجماهير حول موقف أنور الغازي الصامد في وجه الضغوطات. أشار والد اللاعب إلى أن ابنه "يساند القضية الفلسطينية منذ صغره، ويتضامن مع هذا الشعب العربي الشقيق في كلّ مرة يتعرض فيها للاعتداءات، ولا يتردد في الإعلان عن ذلك جهراً، لأنه يؤمن بعدالته".
يتسق هذا الموقف مع ما قاله أنور الغازي بنفسه عقب إعلان نادي ماينز فسخ تعاقده مع اللاعب. نشر الغازي رسالة عبر حسابه على "أنستغرام" قال فيها: "قف مع الحق، ولو وحدك. فقداني مصدر رزقي لا يقارن بالجحيم الذي يتعرض له الأبرياء والمستضعفون في غزة".
بعيداً عن ميدان السياسة
ولد أنور الغازي يوم 3 مايو/أيار 1995 في مدينة بارندريخت الهولندية. بدأ مسيرته الكروية في صفوف نادي المدينة المحلي. جذب هناك الأضواء، فتعاقد معه نادي "فينورد"، الذي يمتلك أحد أفضل الأكاديميات الكروية بهولندا، لمدة موسمين. بعد ذلك، انضم إلى صفوف "سبارتان 20".
وفي عام 2013، خطا خطوته الأكبر عندما انضم إلى أكاديمية نادي "أياكس" للشباب، حيث لعب للفريق تحت 19 سنة، ثم تم تصعيده للفريق الأول لزعيم هولندا في يوليو/تموز 2014. رفقة أياكس سجل الغازي 23 هدفاً وصنع 16 في 100 مباراة.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2017، تم الإعلان عن بيع الغازي إلى نادي ليل الفرنسي مقابل 8 ملايين يورو. لكن صاحب الأصول المغربية، تاه في الحواري الفرنسية وضلّ الطريق، حمل قميص ليل في 44 مناسبة لكنه لم يسجل سوى 6 أهداف وصنع 4.
فقرر الانتقال صوب نادٍ جديد خارج الأراضي الفرنسية، فكان الانتقال إلى نادي أستون فيلا الإنجليزي، وهناك استعاد عافيته؛ فلعب 126 مباراة وسجل 26 هدفاً وصنع 16. وقد أثنى عليه مدربه السابق في أستون فيلا، دين سميث، قائلاً: "أثبت أنور للجميع في ويمبلي مدى جودة اللاعب الذي يمكن أن يكون".
ما دفع نادي إيفرتون إلى أن يتعاقد معه، لكن لم تأتِ الرياح بما تشتهي سفن الغازي، فعاد مرة أخرى إلى الأراضي الهولندية لكن من بوابة الغريم التقليدي لنادي آياكس؛ بي إس في آيندهوفين. وهناك سجل 9 أهداف في 33 مباراة ولم يصنع سوى هدفين، وانتهى تعاقده مع النادي في الصيف الماضي، ما دفع نادي ماينز إلى التعاقد معه في صفقة انتقال حر.
مغربي أم هولندي؟
قبل 8 سنوات، قرر أنور الغازي، ذو الأصول المغربية، تمثيل المنتخب الهولندي بدلاً من أسود الأطلس، رغم الضغوطات التي مارسها عليه مدرب المنتخب المغربي آنذاك، بادو الزاكي. الغازي أوضح حينها أنه استعان بالنجم كريستيانو رونالدو في حسم اختياره. فقال الغازي بشأن مسيرته الدولية: " لقد فكرت في الأمر كثيراً واستعنت بوالديّ، عائلتي، مدربي الشخصي، وحتى نصيحة من كريستيانو رونالدو".
ثم أضاف في تصريحات صحفية: "عندما قمت بزيارة مدريد وملعب تدريبات ريال مدريد سألني رونالدو عن أي منتخب سوف أمثل في مسيرتي؛ المغرب أم هولندا؟! هو شخصياً كان سيمثل منتخب هولندا لقد أخبرني بذلك، كما أخبرني بأن الانتقادات سوف تكون حاضرة بشكل دائم، إذا اخترت هولندا فسيعتقد المغاربة بأنني لست مغربياً حقيقياً، وإذا اخترت المغرب فسيقول الهولنديون بأنني لم أهتم بالمكان الذي تربيت به".
وتم اختيار الغازي ضمن القائمة الأولية للمنتخب الهولندي التي تستعد لخوض غمار الجولتين الأخيرتين من تصفيات بطولة أمم أوروبا 2016 ضد كازاخستان والتشيك.
لكن تعرض الغازي بعد ذلك للتهميش من قبل منتخب الطواحين فلم يمثل المنتخب الهولندي الأول إلا في مباراتين فقط. وبعد جهود مضنية، قادها رئيس الجامعة المغربية فوزي لقجع، استطاع الغازي (28 عاماً) تغيير جنسيته الرياضية وأبدى استعداده التام لتمثيل منتخب المغرب بعدما اعترف بخطئه في اختيار منتخب هولندا في بداية مسيرته.
فقال والده في تصريحات صحفية: "ابني مستعد للعب لمنتخب بلده الأصلي بـ4 أرجل وليس برجلين، وهو كلام أكده لي بنفسه. إنه متشوّق لارتداء قميص أسود الأطلس." وعن سبب اختياره تمثيل هولندا في بداية مشواره، أكد والده أن نجله أخطأ في اختياره السابق، لأنه كان صغيراً في السن، ولم نستطع حينها مقاومة رغبته في اللعب برفقة منتخب "الطواحين".
بالرغم من كل الجدل المثار حول الغازي، إلا أنه لا يزال يعتبر واحداً من أبرز اللاعبين في عالم كرة القدم عربياً. يتميز الغازي بالقوة والسرعة والمهارة، وهو ما يجعله خطراً دائماً على دفاعات المنافسين.