في يوليو 2022، انتهى تعاقد نادي سامبدوريا الإيطالي مع اللاعب الياباني مايا يوشيدا. ولكونه لاعباً حراً كثرت العروض التي وصلته. نقل الصحفي الإيطالي، فابريزيو رومانو، عبر "إكس" (تويتر سابقاً) أن يوشيدا في طريقه للانضمام إلى نادي شالكه الألماني، وأنه رفض عدة عروض، من ضمنها عرض من نادي طرابزون سبور التركي. ليرد على تغريدته يوشيدا: "هذا الرجل مذهل.. حتى زوجتي لم تعرف عن عرض طرابزون سبور".
تميز الصحفي الإيطالي، فابريزيو رومانو، لا يأتي حصراً من نقله أخبار سوق الانتقالات الأقرب للحقيقة والحصرية أولاً بأول، هذا فقط عمود في البناء الذي شيّده خلال السنوات القليلة الماضية. بل يأتي تميزه وتفرده من استخدام "إسمنت" أخبار سوق الانتقالات، و"حطام" الشائعات، و"حديد" العروض الرسمية لضم اللاعبين، لبناء مسرح هو صاحبه، وبطل مسرحياته الصيفية والشتوية.
تحمل كل العروض التي يخرجها فابريزيو رومانو اسماً واحداً: "ها نحن ذا" أو كما يكتبها باللغة الإنجليزية "Here We Go". بهذه العبارة يختم فابريزيو على الصفقات التي تمت بالفعل حسب مصادره وقبل الإعلان الرسمي. كفّ مشجعو الأندية عن انتظار الإعلان الرسمي للصفقات، وباتوا ينتظرون إشارة رومانو.. "ها نحن ذا".
هذه قصة صعود فابريزيو رومانو، وكيف يحصل على الأخبار الحصرية، توظيف الأندية ووكلاء اللاعبين له، وحجم ثروته.
اللحظة التي غيّرت كل شيء
أدركت أنني كنت أود أن أكون صحفياً في سنٍّ مُبكِّرة، لأنني أحببت كرة القدم بجنون، وفي سن الـ16 خُضت تجربتي الأولى مع موقع رياضي صغير، وحينذاك عرفت أن هذا هو طريقي ومسلكي.
فابريزيو رومانو
وُلد فابريزيو في مدينة نابولي، جنوب إيطاليا، لأب مهووس بكرة القدم، زرع فيه حب اللعبة منذ الصغر. التقى هذا الحب الكروي الغامر بفضول فابريزيو ورغبته في تقصي الحقائق. فكتب أول مقال صحفي وهو في عمر الـ16، وراح يكتب المقال تلو الآخر، ويرسلها إلى المواقع والصحف، باحثاً عمن يؤمن بموهبته الصحفية.
من منا لا يحتاج بعض الحظ ليستقل طائرة الشهرة، دقّ الحظ هاتف فابريزيو رومانو، هاتَفه رجل عرّف نفسه بأنه يريد أن يصبح وكيل أعمال لاعبَين اثنين في أكاديمية "لا ماسيا" الشهيرة التابعة لنادي برشلونة. اللاعبان كانا الإسباني غيرارد دولوفيو، جناح نادي أودينيزي، والمهاجم الأرجنتيني ماورو إيكاردي، لاعب جلطة سراي. طلب الرجل منه كتابة موضوع صحفي عن اللاعبين الواعدين، ليقنعهما بتمثيلهما. بالفعل، كتب رومانو ونشر، ونال الرجل مراده وأصبح وكيلاً عن اللاعبَين، وبدأت بينهما علاقة وطيدة.
هذه العلاقة أسفرت في عام 2011 عن خبر حصري انفرد به فابريزيو رومانو عن انتقال المهاجم الشاب ماورو إيكاردي إلى صفوف نادي سامبدوريا الإيطالي. لم يهتم كثيرون بالخبر، ولم تعلُ أسهم رومانو في سوق الصحافة، فسامبدوريا كان قابعاً في دوري الدرجة الثانية، وإيكاردي لم يكن أكثر من مهاجم عمره 18 عاماً آنذاك.
عاد الوكيل نفسه في نوفمبر 2013، وأخبر فابريزيو رومانو، بأن إيكاردي سينتقل إلى نادي إنتر ميلان في صيف 2014. وقبل 6 أشهر من الإعلان الرسمي عن الصفقة، نشر فابريزيو الخبر على أحد مواقع مشجعي إنتر ميلان.
و"من تلك اللحظة تغير كل شيء"، على حد وصف فابريزيو رومانو.
من العدل القول إن فابريزيو رومانو كان أحد أسباب تحوّل سوق انتقالات اللاعبين إلى عرض متكامل يسلي المشجعين خلال فترة الإجازة الصيفية وتوقف منافسات الأندية، لكن جذور ذلك العرض كانت موجودة منذ أمد بعيد.
تفرّدت الصحف الإنجليزية، على سبيل المثال، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بصفحات للنميمة والشائعات الكروية. وفي إيطاليا، هناك 4 صحف مكرسة للرياضة، وتحديداً كرة القدم، تلك الصحف كانت تلقي بكل ثقلها على أخبار سوق الانتقالات في فترات التوقف.
انضم فابريزيو رومانو إلى قناة "سكاي سبورت" الإيطالية، وتتلمذ على يد مراسل القناة المخضرم، جيانلوكا دي مارزيو، وتعلّم منه أصول مهنة الصحافة. دفعه أستاذه إلى الشوارع، حيث الحقيقة بلا مساحيق تجميل، فراح يتقفّى أثر وكلاء اللاعبين والمديرين الرياضيين للأندية والمدربين في فنادق ميلانو.
فابريزيو، مواليد عام 1993، أدرك أن المسرح الصحفي القديم ينهار، وأن الجديد يولد الآن؛ منصات التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر والوسيط، وتستبدل الصحف والمواقع الإلكترونية. ولأنه ابن تلك المنصات، ومتبعاً حدسه عرف كيف يسوّق محتواه ويتخصص في عالم قلّ كهنته وخبراؤه؛ الميركاتو.
كان رومانو يستخدم إنستغرام مثلما نستخدمه جميعاً؛ لنشر صورنا الشخصية والصور التي نلقتطها ونعتقد بجمالها. لكن تعليقات متابعيه لمحتوى صوره، كانت تتساءل عن أخبار الفرق ومستقبل اللاعبين.
فاشتغل رومانو بنقل الأخبار عبر إنستغرام وإكس وفيسبوك، حتى جاءت القفزة الكبرى عام 2020.
في ذلك الصيف، لم يتوقف سيل الأخبار والشائعات التي تفيد بانتقال برونو فرنانديز، لاعب خط الوسط البرتغالي، بالانتقال إلى مانشستر يونايتد.
في البداية، قلل رومانو من شأن تلك الأخبار، لكن بعد بضعة أشهر، أتم مانشستر يونايتد الصفقة، وعندما نشر رومانو الخبر مع ختم "ها نحن ذا" المعتاد، كانت ردود الفعل جنونية و"ضخمة"، على حد تعبيره.
لم يكن رومانو أول من نقل أخبار تلك الصفقة، ولم يكن أول من نشر تفاصيلها المالية، لكنه كان من حصد غنائمها. تفسير فابريزيو لذلك هو أن تفاعل المشجعين لا يعتمد على سرعة النشر، فالأخبار الكاذبة تملأ جنبات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن جوهر المسألة هو المصداقية في سوق شديد السيولة، قائم على الشائعات والتناقضات في كثير من الأحيان.
يتابع رومانو عبر إنستغرام 24.3 مليون حساب، وعبر فيسبوك 14 مليوناً، وعبر إكس 18.6 مليون متابع. وحسب شركة "Brand Moran"، فإن حساب فابريزيو رومانو هو الأكثر تأثيراً على منصة إكس (تويتر سابقاً) حول العالم خلال شهر أغسطس/آب الماضي.
الاحترام كلمة السر
بنى فابريزيو رومانو علاقاته المهنية باللاعبين والوكلاء والمسؤولين، على حد وصفه، عبر قاعدة أساسية؛ الاحترام.
بـ"الاحترام" يقصد رومانو أنه عبر الاحترام الشخصي والتقدير ينسج علاقاته مع المسؤولين. لكن جوهر "الاحترام" هو إدارة واستخدام المعلومات التي تمده بها المصادر، دون أن يتسبب في مشاكل للنادي أو اللاعب أو الوكيل. ويعني "الاحترام" في هذا السياق أيضاً، أن تبقى جسور المودة موصولة مع مصادره حتى بعد انتهاء سوق الانتقالات، ويعني أيضاً تبادل الزيارات والاطمئنان على بعضهم البعض من وقت لآخر. ففي اللحظة التي سيدرك فيها المصدر أن رومانو لا يهتم لشأنه ولا يريد سوى مصلحته فقط، سيتجاهله ويسرّب معلوماته إلى صحفيين آخرين.
لدي علاقات إيجابية مع وكلاء الأعمال والمديرين الرياضيين للأندية ومصادر أخرى لا أستطيع البوح بهويتها، كل شيء يقوم على الثقة المُشتركة.
فابريزيو رومانو
يوصي فابريزيو بأن لا يكون التواصل لمعرفة الأخبار العاجلة وحسب، بل يجب أن يبقى الخط مفتوحاً ليبقى الصحفي على اطلاع بمستجدات الأمور أولاً بأول.
لذلك، يجري رومانو 50 مكالمة هاتفية يومياً، ويرسل مئات الرسائل النصية عبر التطبيقات المختلفة، فعملية البحث عن الأخبار لا تنقطع، وهي ليست عمله، بل حياته. هذا النشاط يستهلكه تماماً ويجعله محدقاً بهاتفه طوال الوقت تقريباً، كما أنه لا ينام حتى ساعات الصباح في فترة الانتقالات الصيفية.
وعن ذلك يقول: "آمل أن يتفهَّم كل أصدقائي تحديقي في الهاتف طيلة 24 ساعة، وعلى امتداد أيام الأسبوع، حتى لو كنا نتناول العشاء، لأن كل رسالة وكل مكالمة، ليست مجرد عمل أو كرة قدم بالنسبة لي، إنها حياتي بكل بساطة".
بالنسبة لأكبر مؤثر على منصة إكس، لا توجد قاعدة ثابتة يمكن تعميمها للوصول إلى المصادر ومعرفة الأخبار الحصرية. ففي بعض الأندية، يكون من الأسهل التحدث مباشرة مع أحد أعضاء مجلس الإدارة، بينما في أندية أخرى لن تصل لأحد غير المتحدث الرسمي فقط. بعض الأندية، تجاهد للحفاظ على سرية ما يدور في مكاتبها، بينما تفضّل أندية أخرى اللعب بنار الإعلام.
وبناء على ذلك، تأتي معظم التسريبات الصحفية من وكلاء اللاعبين، المهتمين بتمرير معلومات أو حتى شائعات، ترفع من قيمة عملائهم في سوق الانتقالات وتسهل عمليات شرائهم. حسب رومانو، تقوم بعض مصادره بتحديث معلوماته أولاً بأول، ولكن في أغلب الأحيان، سيتصل هو بهم لمعرفة ما يحدث خلف الكواليس.
فابريزيو في قبضة الأندية
فابريزيو رومانو ليس موظفاً في أي نادٍ أو شركة وكلاء لاعبين، لكنه وسيط بين الأندية واللاعبين ووكلائهم من جهة، وبين الجماهير من جهة أخرى. لشهرته ودقته وموثوقيته التي بناها خلال السنوات الماضية، بالتأكيد شابها بعض السقطات مثل إعلانه انتقال حكيم زياش إلى نادي النصر السعودي، وهو ما لم يحدث، لكن لتلك الموثوقية والشهرة تخصه بعض الأندية بأخبار حصرية للإعلان عن الصفقات وترويجها و"جس نبض" الجماهير قبل الإعلان الرسمي عنها.
يتعاون فابريزيو مع الأندية ويروّج لبعض الأمور التي يحرص المسؤولون على وصولها إلى الجماهير، وفي المقابل يخصونه بمعلومات حصرية. وقد يدفعون له مقابل الترويج لصفقة عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أو المشاركة في الإعلان عن الصفقات التي يعقدها النادي، كما حدث مع ناديي أوغسبورغ الألماني وتورونتو الكندي.
لتوصيل رسائلهم بسرعة وبدقة إلى أكبر عدد من الجماهير والمؤثرين في عالم كرة القدم، يقوم مسؤولو الأندية أو وكلاء اللاعبين بتمرير المعلومات إلى فابريزيو رومانو، والذي يتأكد بدوره من صحتها من مصادر أخرى قبل مشاركتها مع متابعيه. نشر رومانو لخبر عن لاعب أو نادٍ يعني الوصول إلى عشرات الملايين من المشاهدات، ما ينعكس إيجاباً على أسهم وشعبية اللاعب أو النادي الذي يتعاون معه رومانو.. فلا شهرة سيئة، كل الشهرة مفيدة.
لبناء مصداقية عند الجماهير، تستخدم بعض الأندية رومانو المعروف بدقته وموثوقيته لنشر أخبارها، وبالتالي الاستفادة من موثوقية فابريزيو نفسه عند الجماهير. كما تستخدمه الأندية تحديداً في أخبار سوق الانتقالات لتوليد التشويق والإثارة حول الصفقات المحتمَلة. وعندها يصبح قدوم أو رحيل هذا أو ذلك اللاعب "تريند" على وسائل التواصل الاجتماعي، وعندها سيحصد الإعلان التشويقي للصفقة ملايين المشاهدات.
على سبيل المثال، كان فابريزيو رومانو أول من نشر خبر انضمام الموهبة الإسبانية غابري فيغا إلى نادي الأهلي السعودي، وهو الخبر الذي هز أركان الكرة الأوروبية، حتى أن لاعباً مثل توني كروس كتب تعليقاً على منشور فابريزيو نفسه.
وعندما قام نادي الأهلي السعودي بنشر الإعلان الرسمي عن الصفقة في مقطع فيديو، حصد ذلك المقطع أكثر من مليار مشاهدة! وهو ما يعني ارتفاع أسهم العلامة التجارية للنادي السعودي.
وللسيطرة على السردية والأخبار أيضاً، تتعاون الأندية مع فابريزيو. مسؤولو الأندية على علم أن فابريزيو سيحصل على معلومات بطريقة أو بأخرى. وإذا حصل عليها من أطراف، تمتلك أهداف غير أهداف النادي، مثل وكلاء اللاعبين، فإن تفسير وقراءة فابريزيو للمعلومات والرواية التي سيسردها قد تقوّض مصالح النادي في سوق الانتقالات وتصبح بمثابة دعاية سلبية. ومن خلال منح رومانو معلومات حصرية، يمكن للأندية التحكم في كيفية نشر أخبار انتقالاتهم وصناعة دعاية إيجابية حول مجهودات النادي في سوق الانتقالات.
كمثال على ذلك، ما فعله فابريزيو رومانو مع إدارة نادي برشلونة خلال سوق الانتقالات الصيفي 2023. فمنذ بداية السوق وفابريزيو يروّج لصفقة "الجواوين"؛ جواو كانسيلو وجواو فيلكس. ما يعني أن فابريزيو كان على علم بخطة نادي برشلونة في سوق الانتقالات منذ بدايته. حتى أن رومانو أجرى حواراً مع جواو فيلكس، وكان حينها لاعباً في نادي أتلتيكو مدريد، وصرّح فيه فيلكس بأن ارتداء قميص برشلونة هو حلمه منذ الطفولة.
جاءت تلك التصريحات بالتزامن مع انتشار أخبار رحيل عثمان ديمبيلي عن صفوف نادي برشلونة وانتقاله إلى نادي باريس سان جيرمان، أي عندما أصبح من الممكن مالياً لبرشلونة التعاقد مع الموهبة البرتغالية في سوق الانتقالات، شريطة مغادرة بعض اللاعبين الآخرين، وهو ما حدث في النهاية.
كيف يجني فابريزيو رومانو المال؟
بالتوازي مع بناء سمعته الصحفية، بنى فابريزيو رومانو علامته التجارية، وأصبح يجني الأموال من خلال مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك:
- العمل الصحفي: يتعاون فابريزيو رومانو مع صحيفة الغارديان البريطانية، كما يكتب عموداً صحفياً على موقع شبكة CBS الأمريكية.
- الرعاية: خلال السنوات القليلة الماضية عقد رومانو عدة صفقات رعاية مع عدد من الشركات، بما في ذلك شركات المراهنات وعلامات تجارية للملابس الرياضية وشركات الطيران أيضاً.
- الاشتراكات: لدى رومانو خدمة اشتراك مدفوعة عبر يوتيوب وتويتش. تتيح هذه الخدمة للمشتركين فيها الوصول إلى المحتوى الحصري، بما في ذلك تحليل رومانو لأخبار الانتقالات والمقابلات مع الوكلاء ومسؤولي الأندية.
- الإعلانات: يقوم رومانو بعمل دعاية لعدد من الشركات والخدمات من حين لآخر مثل الترويج لخدمة NordVPN.
تشير بعض التقديرات إلى أن ثروة فابريزيو رومانو تخطت حاجز الـ2 مليون دولار، مع احتمالية وصول دخله السنوي إلى ما يقارب مليون دولار قبل الضرائب.