عرفت كرة القدم للسيدات إقبالاً كبيراً من المتفرجين خلال السنوات الأخيرة، كما أننا بدأنا نشهد منتخبات جديدة لبلدان لم تكن تهتم بهذه الرياضة في صنف النساء، لكن ما يجهله العديد من المتفرجين أن هذه الرياضة ليست حديثة، بل تعود إلى مئات السنين.
كانت أول مباراة مسجلة في تاريخ كرة القدم النسائية، حسب ما أشارت إليه بعض التقارير سنة 1790، لكن لم تكن بطريقة احترافية، أو تابعة لأي اتحاد دولي لكرة القدم.
كرة القدم للسيدات عنصرية ورفض رغم النجاح
كانت أول من اقترحت لعبة كرة القدم للسيدات هي إليزابيث بروجاني سنة 1894، وهي مدربة كرة قدم، وُلدت سنة 1880 وتوفيت سنة 1994، عن عمر ناهز 114 عاماً، فيما أسست "Nettie" نادياً لكرة القدم للسيدات البريطانيات في نفس السنة.
يعتبر هذا النادي الأول من نوعه، رغم أن السيدات قد قمن بلعب كرة القدم من قبل، على شكل فريقين للتنافس فيما بينهما، جذبت المباراة أكثر من 10 آلاف متفرج معظمهم من الرجال، وبسبب هذا النجاح نظم نادي كرة القدم النسوي جولة في بريطانيا.
حسب موقع "historic" البريطاني تمكن النادي من لعب أكثر من 100 مباراة خلال السنتين الأولى، الشيء الذي تسبب في انتقادات كبيرة انتهت بإرسال الرسائل الدعائية الكاملة حول المرأة التي تحتاج إلى "معرفة مكانها".
بالإضافة إلى ذلك كتب أحد الصحفيين "إنهن يلعبن بالبلوزات والملابس القصيرة، فيما يسمحن برؤية أرجلهن ويرتدين قبعات وأحذية كرة قدم! ماذا بعد؟".
في سنة 1899 قامت إليزابيث بالتقدم بطلب للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بإقامة دوري احترافي خاص بالسيدات مشابه لدوري الرجال، إلا أن طلبها قوبل بالرفض بحجة الحفاظ على "رجولة اللعبة"، واستمرت إليزابيث في النضال من أجل المساواة الكروية.
قامت بعدها بجمع بعض فرق عاملات المصانع لتشكيل دوريٍّ خاصٍّ بهن، ولاقت فكرَتها ترحيباً حاراً ورواجاً شعبياً هائلاً، استمر حتى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، إذ أصدر الاتحاد الانجليزي قراراً ينص بحظر مباريات النساء على الملاعب التابعة للاتحاد.
أثر هذا القرار في الحد من شعبية وانتشار اللعبة التي اقتصرت على لعبها في بعض ملاعب الريكبي فقط.
الانطلاقة الفعلية مباريات رسمية
أُنشئ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم النسائية سنة 1969، وهو الأول من نوعه في العالم، فيما سمحت إيطاليا رسمياً بإنشاء فرقٍ خاصةٍ بالسيدات بعدها بأعوام قليلة، ونسجت على منوالها كلٌّ من الولايات المتحدة واليابان في الثمانينيات، قبل أن تُعلن اليابان عن إقامة أول دوري للمحترفات عام 1989.
لم تكن هذه المباراة الأولى في دول جنوب آسيا، إذ أقيمت في هونغ كونغ فعاليات بطولة أمم آسيا الأولى للسيدات عام 1975، وهي أول بطولة نسوية خاصة بالمنتخبات الوطنية، وقد تُوجت سيدات نيوزيلندا بلقب تلك البطولة، التي بقيت تقام كل عامين، ثم تغيرت إلى 4 سنوات، وتحمل الصين الرقم القياسي في عدد البطولات بها برصيد 8 ألقاب.
أما في أوروبا فقد توج فريق كرة القدم السويدي للنساء سنة 1984 ببطولة أمم أوروبا للسيدات، التي أقيمت على مبدأ مباريات الذهاب والإياب، وما زالت تقام دورياً حتى يومنا هذا، حيث تحمل ألمانيا الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بها برصيد 8 ألقاب.
شهد العالم سنة 1991 النسخة الأولى من كأس العالم للسيدات، التي نظمت تحت إشراف FIFA كما شهد العام نفسه انطلاق 3 بطولات قارية للسيدات، في كلٍّ من أمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا، لتلحق بنظيرتها في آسيا وأوروبا.
استمرت كرة القدم النسائية في تحقيق النجاحات ففي سنة 1996 أدرجت اللعبة ضمن فعاليات أولمبياد أتلانتا، وذلك لأول مرةٍ في تاريخ دورات الألعاب الأولمبية الصيفية، وقد تُوجت سيدات الولايات المتحدة بذهبية المسابقة، التي بقيت تقام في جميع الدورات التالية.
كأس العالم للسيدات والولايات المتحدة
سيشهد العالم ابتداء من 20 يوليو المقبل تصفيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات المقامة في أستراليا، وهي الدورة التاسعة في تاريخ هذه اللعبة، كانت أول تصفيات سنة 1991 في الصين فيما شاركت بها 12 دولة توجت على أثرها الولايات المتحدة باللقب بعد فوزها على المنتخب النرويجي بهدفين مقابل هدف واحد.
أما في سنة 1995 فقد استضافت السويد هذه البطولة التي انتهت بتتويج المنتخب النرويجي باللقب الوحيد في تاريخ كرة القدم للسيدات بعدالفوز على ألمانيا بهدفين مقابل لا شيء، أما البطولة الثالثة، فكانت من تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذه الدورة أحرزت البلاد المستضيفة لقبها الثاني بعد الفوز على الفريق الصيني في ركلات الترجيح بعد انتهاء كل من الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل.
سنة 2003 ارتفع عدد الدول المشاركة في البطولة من 12 إلى 16 دولة، والتي توجت بها ألمانيا بلقبها الأول بعد الفوز على السويديات بهدفين مقابل هدف واحد في الأشواط الإضافية، بعدها بأربع سنوات، أي سنة 2007، أحرزت ألمانيا لقبها الثاني على التوالي بعد الفوز على المنتخب البرازيلي بهدفين لهدف واحد.
أما البطولة السادسة في تاريخ كرة القدم النسائية، فنظمت في ألمانيا سنة 2011 وشهدت تتويج اليابانيات بلقبهن الوحيد، بعد فوزهن في النهائي على الأمريكيات بفارق ركلات الترجيح، إثر انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 2-2.
استضافت كندا سنة 2015 الدورة السادسة لكأس العالم لكرة القدم النسوية، فيما ارتفع فيها عدد المنتخبات المشاركة من 16 إلى 24 منتخباً، واستطاعت الأمريكيات تحقيق لقبهن الثالث تاريخياً، إثر الفوز في النهائي على اليابانيات بنتيجة 5-2.
أما سنة 2019 فقد استضافت فرنسا الدورة السابعة من البطولة، والتي انتهت بفوز الولايات المتحدة الأمريكية بهدفين نظيفين ضد المنتخب الهولندي لتكون بذلك الولايات المتحدة الأمريكية هي أكثر دولة حائزة على الألقاب في تاريخ كرة القدم النسائية.
كأس العالم لكرة القدم النسائية والمنتخبات العربية
تمتلك الدول العربية فرقاً لكرة القدم للسيدات ، إلا أنها لم تتأهل في تاريخ اللعبة إلى إقصائيات كأس العالم حتى سنة 2022، إذ تمكن المنتخب المغربي من التأهل للمرة الأولى إلى إقصائيات كأس العالم سنة 2023 المقامة في أستراليا، ليكون بذلك أول منتخب عربي يشارك في هذه المسابقة.
لكن لم تكن هذه المشاركة الأولى في تاريخ كرة القدم، فقد تمكن المنتخب الجزائري من التأهل إلى كأس أمم إفريقيا 4 مرات، فيما تأهل المنتخب المغربي 3 مرات، فيما تمكن سنة 2022 من الوصول إلى نهائي الكأس، وتتويجه وصيفاً بعد خسارته أمام جنوب إفريقيا.
فيما تأهلت مصر وتونس مرة واحدة، لكن انتهت كلاهما بالإقصاء من الدور الأول، أما في الدول العربية الأسيوية، فقد تمكن الأردن من بلوغ كأس أمم آسيا للسيدات سنة 2014 بالفيتنام، رغم ذلك لا تزال هذه الرياضة غير منتشرة في بعض الدول العربية.
ستنطلق إقصائيات كأس العالم المقامة في أستراليا في 20 يوليو سنة 2024، فيما تنطلق أولى المباريات بين المنتخب النيوزلندي والنرويج، أما المنتخب المغربي فسيواجه المنتخب الألماني يوم الإثنين 24 يوليو، ثم المنتخب الكوري الجنوبي في 30 يوليو الجاري.
أما آخر مباراة له في دور المجموعات، فستجمعه مع المنتخب الكولومبي يوم الخميس 3 أغسطس المقبل.