لا يبدو أن القائمين على كرة القدم السعودية ينوون التوقف عن مشروع الدوري السعودي العالمي، وإغراء نجوم العالم، وجذبهم للعب في دوري "روشن" بعد الضربة التي تلقاها المشروع برفض ليونيل ميسي الانضمام إلى نادي الهلال.
فقبل أسبوعين تقريباً، أعلن بطل العالم، ليونيل ميسي قراره بالانضمام إلى نادي إنتر ميامي الأمريكي، رافضاً عرض "الزعيم" المغري، كما يحلو لجمهور الهلال تسمية ناديهم، والذي كان سيحصل بموجبه الأرجنتيني على راتب سنوي يتجاوز حدود الـ500 مليون يورو.
وكان نادي النصر قد تعاقد مع البرتغالي كريستيانو رونالدو في الشتاء الماضي، وفي الصيف الحالي، فجر نادي اتحاد جدة مفاجأة مدوية بتعاقده مع نجم ريال مدريد الفرنسي كريم بنزيمة، بينما فشل الهلال في صفقته الأهم.
لكن هذه الصفقات الضخمة ما هي إلا بوادر ونذر لعملية تغيير جذري تحاول الحكومة السعودية إتمامها لنقل دوريها إلى مصاف الدوريات العشر الأكبر في العالم.. فما القصة؟
خصخصة الأندية السعودية
في مؤتمر خاص بمشروع الاستثمار وخصخصة الأندية السعودية، أعلن وزير الرياضة السعودي، الأمير عبد العزيز بن تركي، عن نقل ملكية عدد من الأندية السعودية إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
على رأس الأندية التي تم نقل ملكيتها، "الأربعة الكبار"؛ الهلال والنصر واتحاد جدة والأهلي السعودي، كما سيتم الاستحواذ على بعض الأندية الأخرى، ستنتقل ملكية نادي القادسية إلى شركة "أرامكو"، وملكية نادي الصقور إلى شركة "نيوم"، وملكية نادي الدرعية إلى هيئة "تطوير بوابة الدرعية".
لكن الاستحواذ ليس كاملاً، أي أن صندوق الاستثمارات العامة لن يستحوذ على 100% من تلك الأندية، بل كما شرح الوزير السعودي: "صندوق الاستثمارات العامة سيملك نسبة 75% من الأندية، والـ25% المتبقية ستكون لمؤسسات غير ربحية".
وعن الهياكل الإدارية للأندية بعد عملية الخصخصة، أوضح وزير الرياضة السعودي: "بالنسبة لمجالس إدارات الأندية الأربعة المقبلة ستتألف من 5 أعضاء يعينهم صندوق الاستثمارات، إضافة إلى عضوين اثنين ترشحهم مؤسسة غير ربحية".
بالمناسبة، نفس الصندوق الاستثماري هو الذي قاد عملية الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في عام 2021. وفي أول سنة تحت الراية الخضراء، استطاع النادي الوصول لدوري أبطال أوروبا بعد غياب دام 20 عاماً.
دون تعقيدات عالم المال والاستثمار، تعني هذه الخطوة أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يتحكم في أصول قيمتها (650 مليار دولار)، هو قائد مشروع تطوير الدوري السعودي، والمسؤول عن السياسات السعودية في عالم كرة القدم.
لماذا أقدمت السعودية على هذه الخطوة؟
يأتي قرار الخصخصة ضمن توجّه الحكومة السعودية، فتح الباب أمام الشركات الكبرى للاستثمار في الأندية الرياضية السعودية مقابل الاستحواذ عليها أو على حصص منها. يعتقد المسؤولون في المملكة أن هذه الخطوة ستساعد على زيادة إيرادات كرة القدم السعودية؛ لأنها تعبّد الطريق نحو جذب المزيد من النجوم إلى دوري "روشن" للمحترفين، ما يعني ارتفاع القيمة التسويقية للمسابقة وارتفاع عائدات البث والرعاية وغيرها من روافد المداخيل المتعلقة بصناعة كرة القدم.
حسب المسؤولين الرسميين، تهدف حملة خصخصة الأندية السعودية إلى زيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال (أي ما يعادل 120 مليون دولار) إلى أكثر من 1.8 مليار ريال (480 مليون دولار) سنوياً، مع رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات ريال سعودي (800 مليون دولار أمريكي) إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار أمريكي)، بحلول عام 2030.
يتضمن مشروع الخصخصة السعودي في المرحلة الحالية مسارين رئيسيين، أولهما الموافقة على استثمار شركات كبرى، وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والآخر طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءاً من الربع الأخير من عام 2023.
الهدف السعودي الآني هو استغلال حالة الزخم والجذب الرياضي التي خلقها النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بانضمامه للنصر السعودي في يناير/كانون الثاني الماضي، ورفع الوعي الشعبي بالرياضة ورسم صورة رياضية احترافية عن المملكة السعودية، في إطار سعيها لاستضافة كأس العالم، وغيرها من المنافسات الدولية المرموقة.
من المهم للغاية، فهم أن الدوري السعودي الممتاز غير ملزم بقواعد "اليويفا" المالية، أي أن قانون اللعب المالي النظيف الذي يقيد الفرق الأوروبية من الإنفاق بمبالغ أكبر من المداخيل لا ينطبق على الأندية السعودية. كما لا ينص الدوري السعودي على وجود حد أقصى لرواتب اللاعبين والمدربين.
باختصار، بإمكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي، المالك والمدير الفعلي للأندية السعودية الكبرى، تقديم أي عرض مالي يحلو له للحصول على خدمات أي لاعب يريده، وأن يقدم لذلك اللاعب أي راتب، مهما كان ضخماً، يتفقون عليه، دون النظر إلى اعتبارات أخرى.
تبدو الخطة السعودية طموحة للغاية، لكن معظم اللاعبين أصحاب الأسماء الرنانة التي تعاقدت أو تحاول الأندية السعودية التعاقد معهم -حتى الآن، في نهاية مشوارهم الرياضي، وأفضل أيامهم الكروية باتت خلفهم.
على سبيل المثال، كسر رونالدو وبنزيمة حاجز الثلاثين من العمر منذ سنوات، ما يعني أن مردودهما البدني وعطاءهما الفني، لن يكون كما كان في سنوات مجدهما.
ولذلك، يتساءل البعض عن مقدار مساهمتهما في رفع مستوى الدوري السعودي إلى مصافّ الدوريات العشر الأفضل في العالم من الناحية الفنية، كما تطمح المملكة المصدر الأكبر للنفط في العالم.
لكن من الناحية الجماهيرية فحدث ولا حرج، فلقد ارتفع معدل حضور المباريات بالدوري السعودي موسم (2022-2023) بنسبة 150% عن الموسم الذي سبقه، ولا يمكن إنكار تأثير وصول كريستيانو رونالدو على هذا المعدل.
في هذا الإطار، لا ينوي القائمون على تطوير كرة القدم السعودية تضييع الوقت في التندر على فشل صفقة ليونيل ميسي التي كانت ستزلزل عالم كرة القدم في العالم كله. على العكس من ذلك، حدد المسؤولون السعوديون أهدافهم وبدأوا العمل على الصفقات الجديدة.
روبن نيفيز إلى الهلال
في الساعات الماضية، توصل نادي الهلال السعودي إلى اتفاق مبدئي مع نادي ولفرهامبتون الإنجليزي لضم البرتغالي الدولي روبن نيفيز.
بموجب الاتفاق، سيدفع الهلال نحو 55 مليون يورو للفريق الإنجليزي لضم نيفيز الذي ينتهي عقده صيف 2025. ويضع الناديان حالياً اللمسات الأخيرة للعقد.
ما دفع روبين نيفيز (26 عاماً) الذي صرّح مؤخراً برغبته في الانتقال إلى نادي يشارك في دوري أبطال أوروبا، ما دفعه لتغيير وجهته هو الراتب الفلكي الذي عرض عليه. لقد أكدت شبكة CBS الرياضية أن راتب نيفيز مع الهلال السعودي سيكون 10 أضعاف راتبه الحالي مع وولفرهامبتون.
إذ يتقاضى روبين نيفيز 2.5 مليون يورو سنوياً مع "الذئاب"، لكنه سيحصل على راتب سنوي يقدر بـ25 مليون يورو سنوياً رفقة "الزعيم".
لصغر سنه مقارنة بباقي الصفقات التي تمت أو التي يرجى إتمامها، وقدرته على شغل أكثر من مركز في منتصف الميدان، يمكن القول إن صفقة روبين نيفيز رابحة لمستقبل الهلال السعودي، ولدوري "روشن" بشكل عام.
كانتي إلى اتحاد جدة
بعيداً عن الهلال، يبدو أن نادي الاتحاد السعودي لن يتوقف عن تدعيم صفوفه استعداداً لمنافسات كأس العالم للأندية القادمة والتي ستقام في المملكة وسيشارك فيها بصفته بطلاً للدوري السعودي. فأبرم النادي صفقة من العيار الثقيل بتوقيعه عقداً لمدة 4 سنوات مع متوسط الميدان الفرنسي، نغولو كانتي (32 عاماً).
الصحفي الإيطالي المتخصص في أخبار الانتقالات، فابرزيو رومانو، أكد إتمام الصفقة عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي "نغولو كانتي إلى الاتحاد.. تم توقيع عقد مدته 4 سنوات"، مُضيفاً أن المفاوضات بدأت منذ 6 يونيو/حزيران الجاري، ويُنتظر الإعلان أخيراً عن الصفقة، ونهاية حقبة أسطورة تشيلسي.
يذكر أن الاجتماع النهائي الذي وضعت فيه النقاط فوق الحروف، وتمت فيه كل تفاصيل الصفقة الضخمة، قد عقد في مدينة دبي الإماراتية، يوم السبت 17 يونيو/حزيران، واتفق فيه الطرفان على حصول كانتي على راتب سنوي يقدر بـ25 مليون يورو سنوياً.
وجاء تعاقد الاتحاد مع كانتي (32 عاماً) في صفقة انتقال حر، بعد نهاية عقد اللاعب مع نادي تشيلسي الإنجليزي نهاية الموسم السابق.
وخاض كانتي مع تشيلسي 265 مباراة بمُختلف المُسابقات، وأحرز 13 هدفاً وقدّم 15 تمريرة حاسمة، وفاز مع "البلوز" بلقب دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي الممتاز، بجانب الدوري الأوروبي، فضلاً عن لقبي السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
محرز وزياش في طريقهما للدوري السعودي
لم يغِب عن القائمين على خطة تطوير الدوري السعودي، جذب جماهير عربية أكثر، ولا وسيلة أفضل من التعاقد مع نجوم عرب يلعبون في الدوريات الكبرى. أصبح على رأس المطلوبين حالياً في الدوري السعودي الجزائري رياض محرز والمغربي حكيم زياش، ثنائي مانشستر سيتي وتشيلسي على التوالي.
لعل ما يزيد من احتمالات رؤية الثنائي العربي في الدوري السعودي خلال الموسم المقبل، هو معاناتهما مع "السيتزين" و"البلوز" خلال الموسم المنصرم، إذ بالكاد شاركا مع الفريقين، وتردد على نطاق واسع أنهما سيرحلان خلال الميركاتو الصيفي الحالي.
بالنسبة لمحرز، أكد الصحفي الإيطالي الشهير فابريزيو رومانو، المتخصص في أخبار انتقالات اللاعبين، أن أهلي جدة السعودي مهتم جداً بالتعاقد مع قائد منتخب الجزائر، ويحاول بشتى الطرق الحصول على خدماته.
وغرّد رومانو، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "رغبة الأهلي السعودي في التعاقد مع رياض محرز حقيقة مؤكدة، لكن مانشستر سيتي لم يصل بعد لمرحلة يفكر فيها في بيع اللاعب".
وأضاف: "في حال قرر السيتي بيع محرز، فإنه سيطلب أجراً ثابتاً، ولا توجد أي فرصة لرحيل اللاعب بطريقة مجانية".
وجاءت تغريدة رومانو بعد ساعات من معلومات نشرتها شبكة راديو مونت كارلو الفرنسية، التي أكدت بدورها رغبة أهلي جدة في ضم محرز.
وقالت الشبكة الفرنسية إن السعودية، وبعد نجاحها في التعاقد مع الفرنسي كريمة بنزيمة، وقرب إغلاق صفقة مواطنه نغولو كانتي، قدمت عرضاً رسمياً وصفته بـ"المهم" إلى محرز، لكن قيمة الراتب غير معروفة بالنسبة لها.
وأشارت إلى أن محرز يريد مواصلة اللعب في أوروبا، لكن السعودية تملك الأدوات لإقناعه بالتوقيع لأحد أنديتها كما حدث مع بنزيمة.
تفاصيل العرض السعودي لمحرز
في هذه الأثناء، تكفّل الصحفي الموثوق أكرم كونور بالكشف عن قيمة المقابل المادي الذي عرضه أهلي جدة على النجم الجزائري.
وكتب كونور، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر: "سيقدم الأهلي إلى رياض محرز عرضاً براتب يزيد على 30 مليون دولار سنوياً".
ولم يشارك محرز في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا مؤخراً بين فريقه مانشستر سيتي وإنتر ميلان، والتي انتهت بفوز الفريق الإنجليزي بهدف دون رد، وتتويجه باللقب للمرة الأولى في تاريخه.
كذلك يشارك محرز أمام بايرن ميونيخ الألماني في مباراتي الذهاب والإياب في ربع النهائي، كما غاب عن ذهاب نصف النهائي ضد ريال مدريد ولعب ضده في الإياب لمدة 11 دقيقة فقط.
وأوضحت شبكة "راديو مونت كارلو" أن محرز هو عاشر أكثر لاعب استخداماً من قبل المدرب بيب غوارديولا خلال موسم (2022-2023).
وشارك محرز في 47 مباراة بجميع البطولات بواقع 3068 دقيقة، سجل خلالها 15 هدفاً وقدم لزملائه 13 تمريرة حاسمة.
ويرتبط محرز بعقد مع مانشستر سيتي يمتد حتى يوم 30 يونيو/حزيران 2025، وتبلغ قيمته السوقية 30 مليون يورو، وفق موقع "Transfermarkt" الشهير المتخصص في إحصائيات وبيانات اللاعبين.
النصر يريد حكيم زياش
وفيما يتعلق بالجناح المغربي حكيم زياش، فإن نادي النصر يبذل جهوداً حثيثة للتعاقد معه للعب بجوار نجمه البرتغالي كريستيانو رونالدو في الموسم القادم.
وذكرت صحيفة "Dailymail" البريطانية، أن مسلي آل معمر، رئيس نادي النصر، سيصل إلى لندن خلال الساعات القادمة من أجل التفاوض مع تشيلسي بشأن صفقة حكيم زياش، مشيرة إلى أنه ينوي تقديم عرض مغرٍ للاعب.
ونوهت الصحيفة إلى أن زياش يريد بدوره الرحيل عن تشيلسي بسبب عدم الاعتماد عليه بشكل كبير في الفريق، وعدم وجود مؤشرات بوجوده ضمن مخططات مدرب الفريق الجديد، الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو.
وأكد رومانو نفس المعلومات، وقال عبر حسابه في "تويتر" إن المفاوضات جارية بالفعل من أجل انتقال زياش إلى نادي النصر، مشيراً إلى أن اللاعب منفتح على خوض التجربة، وإن الاتفاق قد يشمل زميله في تشيلسي، الغابوني بيير إيميريك أوباميانغ.
وكان زياش قاب قوسين أو أدنى من الانتقال على سبيل الإعارة إلى باريس سان جيرمان الفرنسي في فترة الانتقالات الشتوية الماضية، لكن الصفقة تعثرت في اللحظات الأخيرة بسبب عدم وصول المستندات اللازمة، رغم أن اللاعب تواجد في باريس بالفعل وقتها.
يذكر أن زياش شارك خلال الموسم المنقضي في 24 مباراة بجميع المسابقات مع تشيلسي، بواقع 929 دقيقة، ولم يسجل أي هدف، واكتفى بتقديم 3 تمريرات حاسمة.
هل تتكرر تجربة الدوري الصيني؟
في عام 2010، أعلنت الصين تدشين "الدوري الصيني الممتاز"، مشروع قض مضاجع كبار الأندية الأوروبية، إذ بدأت الأندية الصينية في استقطاب نجوم من أندية أوروبا، على غرار الإيطالي فابيو كانافارو، والفرنسي نيكولاس أنيلكا، والإيفواريين ديدييه دروغبا ويايا توريه، وغيرهم من نجوم الكرة العالمية الذين باتوا على مشارف الاعتزال.
كانت الفكرة الصينية بسيطة؛ سنستقطب النجوم العالميين لدورينا بمنحهم رواتب فلكية، حينها سيبدأ الصغار والكبار في متابعة الدوري من المدرجات، سترتفع عائدات البث وعقود الرعاية، ومن ثم ستزدهر صناعة كرة القدم.
لم يكن اللاعبون وحدهم من أغراهم المشروع الصيني، فكان للمدربين نصيب جيد، بعد أن حطَّ بعض مشاهير المهنة في الصين، مثل البرازيلي "لويس سكولاري" بطل العالم مع منتخب بلاده عام 2002، والإيطالي "فابيو كابيلو" الذي صنع المجد مع العديد من الأندية الأوروبية، إذ بحث كل هؤلاء عن إضفاء بصمتهم التكتيكية على الكرة المحلية.
لكن، المال وحده لا يصنع المجد، على الأقل في كرة القدم. تعاقدات الأندية الصينية انحصرت في لاعبين ومدربين لم يعد لديهم جديد على المستوى الكروي ليقدموه، فباستثناء اللاعب البرازيلي "أوسكار"، كان معظم النجوم الذين تم التعاقد معهم في نهاية مشوارهم الكروي. والمدربون الذين جلبوا ليضفوا طابعاً تكتيكياً مميزاً على الكرة الصينية، كانوا قد فقدوا مواقعهم في الكرة الأوروبية وأصبحت أفكارهم بالية عفا عليها الزمن.
لكن تلك التفاصيل، التي يكمن فيها الشيطان، لم تحرم الصين من اكتساب شهرة كروية لا بأس بها. تلك الشهرة قامت بالأساس على كون الدوري الصيني الممتاز مرتعاً للنجوم الباحثين عن جني ثروات طائلة دون بذل الكثير من الجهد على أرضية الميدان.
على سبيل المثال، وصل راتب الأرجنتيني إيزيكيل لافيتزي، الجناح السابق لنادي هيبي فورتشن الصيني، إلى 41.49 مليون إسترليني جنيه سنوياً، كما وصل راتب مواطنه تيفيز إلى 33 مليون جنيه إسترليني سنوياً رفقة نادي شنغهاي شينهوا.
لإدراك حجم البذخ في الإنفاق الصيني، يكفي أن تعرف أن راتب كريستيانو رونالدو نجم ريال مدريد آنذاك كان 22 مليون جنيه إسترليني سنوياً. وهو الذي يفوقهم شهرة وموهبة وأداء ونجومية.
بالتزامن مع ارتفاع شهرة مشروع الدوري الصيني الممتاز، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يحكم قبضته على مفاصل الحكم في الصين، حتى وصل إلى رئاسة البلاد في عام 2013.
وبدأ الرئيس، المتابع الشغوف للدوري الإنجليزي، وضع اللبنات الأولى لخطته التي تهدف لتحويل الصين قوة كروية عالمية، قادرة على حصد كأس العالم بحلول عام 2050.
وفي عام 2016، كشف الرئيس النقاب عن خطته التي تهدف لجعل الصين "قوة عالمية عظمى في كرة القدم" بحلول عام 2050، من خلال استهداف تشجيع 50 مليون شخص على ممارسة اللعبة بحلول عام 2020.
على أن يتم ذلك من خلال توفير 20 ألف مركز على الأقل لتدريب كرة القدم و70 ألف ملعب بحلول 2020 على أن يتم توفير ملعب كرة قدم واحد لكل عشرة آلاف شخص بحلول عام 2030.
كان من المنتظر أن تحل هذه الخطة الطموحة معوّقات تقدم وتطور الكرة الصينية، لكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد انهار الجمل بما حمل بسبب التخطيط المالي السيئ، فساد المسؤولين عن كرة القدم الصينية، ووباء كورونا.
عندما بدأت تتبلور التبعات الاقتصادية لوباء كورونا توقف سوق العقارات الصيني عن النمو، وجفت الأموال المتدفقة إلى سوق كرة القدم من الشركات التابعة للدولة والمطورين العقاريين. كما أن القواعد الصارمة للوباء كانت تعني عدداً أقل من المشجعين في الملاعب، وبالتالي رعاة أقل.
كافحت الأندية الصينية لدفع أجور العديد من اللاعبين والمدربين الأجانب الذين تم استقدامهم على مدار عقد من الزمان، لكن السيف قد سبق العذل.
ففي نهاية ديسمبر/كانون الثاني، أعلن الاتحاد الصيني لكرة القدم وضع سقف لأجور اللاعبين الأجانب اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني، في خطوة اعتبرت اعترافاً بالأزمة المالية الحادة التي عاشتها الأندية الصينية وما زالت.
فأعلن الاتحاد الصيني في بيان له أن الحد الأقصى للرواتب السنوية للاعبين الصينيين الذين يلعبون في الدوري الممتاز هو خمسة ملايين يوان أي (764 ألف دولار) قبل الضرائب، في حين سيكون الحد الأقصى لرواتب اللاعبين ثلاثة ملايين يورو (3.65 مليون دولار).
الهدف من تلك السياسة، هو وضع حد لفقاعات الاستثمار الكروية التي ملأت الكرة الصينية دون تعزيز لتنمية مستدامة لكرة القدم في البلاد.
ضربات الجائحة الاقتصادية، وتحديد سقف لرواتب اللاعبين الأجانب، لم تمهل الأندية الكثير من الوقت. ففي شهر فبراير/شباط عام 2021، أعلن نادي "جيانغسو" لكرة القدم حلَّ الفريق بسبب مشكلات مالية. قد لقي فريق تيانجين تيانهاي المصير نفسه، وهو النادي السابق للبطل الإيطالي "فابيو كانافارو"، إذ تم حلُّه بعد أن أعلن إفلاسه.
وفي شهر مايو/أيار عام 2022، انسحب فريق "تشونغ قينغ أثليتيك" من الدوري الصيني الممتاز لكرة القدم، وقرر تجميد نشاطه بسبب زيادة الديون.
أما الفرق التي لم يتم حلُّها فأجبرت هي الأخرى على فسخ تعاقدها مع لاعبيها أو حُرِمَت من المشاركة الآسيوية نتيجة عدم قدرتها على سداد التزاماتها تجاه الاتحاد القاري للعبة.
الأزمة المالية ليست السبب الوحيد، فساد القائمين على الكرة الصينية حرم البلاد من فرص ذهبية للصعود على سلم الكرة العالمية وقوّضت أحلام الرئيس. فبعدما كانت تحتل الأندية عناوين الصحف والمواقع بأخبار تعاقداتها مع لاعبين أجانب نظير رواتب خرافية، أصبحت محل الحديث حول الفساد المدمّر للعبة الأكبر شعبية في العالم.
فشل المسؤولين الصينيين في تحقيق ولو أجزاء يسيرة من أهداف الخطة التي وضعها الرئيس، دفعهم إلى لم شمل كرة القدم في حملة مكافحة الفساد الواسعة التي أطلقها نهاية العام الماضي، 2022. ويواجه أربعة مسؤولين معنيين فيها على الأقلّ ملاحقات قضائية منذ نوفمبر/تشرين الثاني.
أبرزهم رئيس الاتحاد الصيني لكرة القدم، تشن شويان، الذي يواجه تحقيقاً بشبهة "انتهاكات خطيرة لقواعد السلوك والقانون" بحسب إعلان الهيئة الحكومية المعنية بالشؤون الرياضية.
دراسة أخطاء التجربة الصينية التي فشلت في تحقيق أهدافها، وانتهى بها المآل كارثة مالية، وفضيحة فساد واجب على أي دولة تسعى لتطوير صناعة كرة القدم المحلية مواجهتها.
في هذا السياق، يصبح الإنصات إلى نصائح وتحذيرات رئيس "اليويفا"، ألكسندر تشيفرين من تكرار الخطأ الصيني الفادح بدفع مبالغ طائلة لجذب نجوم عالميين في نهاية مسيرتهم الكروية، يصبح واجباً.يقترح رأس أعلى سلطة كروية أوروبية على السعودية، الاستثمار في تطوير أكاديميات اليافعين والشبان وجلب مدربين قادرين على بناء أجيال واعدة كروياً بدلاً من دفع مرتبات فلكية للاعبين في نهاية مسيرتهم.
في الختام، هل ستنجح التجربة الكروية السعودية؟
هذا ما ستكشف عنه السنوات المقبلة.