بات سعيد بن رحمة، ثاني لاعب جزائري يُتوّج بلقب أوروبي في كرة القدم، بعد مواطنه رابح ماجر، بعدما قاد فريقه وست هام يونايتد الإنجليزي للفوز على نادي فيورنتينا الإيطالي (2-1) في المباراة النهائية لمسابقة دوري المؤتمر الأوروبي، التي جرت مساء الأربعاء07 يونيو/حزيران 2023، بملعب "إيدن أرينا"، بالعاصمة التشيكية، براغ.
ثالث لاعب عربي يسجل في نهائي أوروبي
وسجل بن رحمة الهدف الأول لفريقه بواسطة ركلة جزاء في الدقيقة الـ62 من اللقاء، ما يجعله ثالث لاعب عربي يسجل في نهائي مسابقة أوروبية، بعد رابح ماجر، في سنة 1987، رفقة بورتو البرتغالي أمام بايرن ميونيخ الألماني في بطولة أوروبا للأندية البطلة (التسمية السابقة لدوري أبطال أوروبا) والمصري محمد صلاح، في عام 2019، رفقة ليفربول الإنجليزي، أمام توتنهام الإنجليزي، في دوري الأبطال.
ويعتبر هدف الأربعاء الماضي هو ثالث هدف لبن رحمة في مسابقة دوري المؤتمر الأوروبي لكرة القدم للموسم الحالي (2022-2023) بعد الهدفين الاثنين اللذين سجلهما في مرمى كل من ناديي أندرلخت البلجيكي (2-1) يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، برسم دور المجموعات، وألكامار الهولندي (2-1) يوم 11 مايو/أيار 2023، في ذهاب الدور نصف النهائي.
وبتسجيله لهدف ثمين في نهائي المؤتمر الأوروبي يكون بن رحمة قد أكد الأداء الجيد الذي ظهر به خلال هذا الموسم، بحيث وقّع 12 هدفاً وقدم 5 تمريرات حاسمة في 52 مباراة رسمية بكل المسابقات المحلية والقارية، ما يجعل منه ثاني أفضل هداف بنادي وست هام، بعد المهاجم الدولي الإنجليزي جارود بوين الذي سجل 13 هدفاً في 54 مباراة.
نال جائزة أقوى هدف في الدوري الإنجليزي الممتاز !
ومن بين الأهداف الـ12 التي سجلها بن رحمة في موسم (2022-2023)، صنع واحدٌ منها الحدثَ والتميز، ويتعلق الأمر بذلك الذي دخل مرمى فريق كريستال بالاس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي نال بفضله النجم الجزائري جائزة "أقوى هدف" في الموسم بالدوري الإنجليزي الممتاز، إذ بلغت سرعة الكرة، عند تسديدها من داخل منطقة العمليات، 107.4 كلم في الساعة.
وتعتبر أرقام بن رحمة، مع وست هام، في الموسم الحالي، أفضل بقليل من تلك المُحقّقة الموسم الماضي (2021-2022) والذي سجل خلاله 11 هدفاً وقدّم 6 تمريرات حاسمة في 48 مباراة رسمية.
وهي أرقام تؤكد أنّ أداء بن رحمة، مع وست هام يونايتد، ما فتئ يتطور من موسمٍ لآخرٍ، بحيث كان قد اكتفى في موسمه الأول (2020- 2021) مع النادي اللندني بتسجيل 3 أهداف فقط، ومنح 7 تمريرات حاسمة في 36 مباراة بكل المسابقات.
والمفارقة في المشوار الرياضي لسعيد بن رحمة أنّ أداءه مع وست هام أو مع فريقه الإنجليزي السابق برينتفورد يختلف تماماً مع ذلك الذي يظهر به مع منتخب بلاده الجزائر.
انضم لأول مرة لمنتخب الجزائر في سنة 2015
وكان سعيد بن رحمة قد انضم للمنتخب الجزائري لأول مرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، في عهد المدرب الفرنسي كريستيان غوركوف، لما كان يبلغ من العمر 20 سنة فقط، حيث شارك في الـ20 دقيقة الأخيرة من المباراة الودية التي فاز بها "الخضر" أمام منتخب السنغال (1-0). وقد أظهر خلالها قدرات فنية مميزة وحرارة كبيرة في اللعب، نالت إعجاب النقاد ومحبي منتخب الجزائر الذين توقعوا له مشواراً دولياً كبيراً.
لكن بن رحمة اختفى بعد ذلك عن قائمة المنتخب الجزائري لقرابة 3 سنوات كاملة، إذ غاب اسمه بعد رحيل غوركوف في أبريل/نيسان 2016، ولم يلتفت إليه المدربون الذين تعاقبوا، فيما بعد، على الإدارة الفنية لفريق "محاربي الصحراء"، ونعني بهم الصربي ميلوفان رايفاتس والبلجيكي جورج ليكنس والإسباني لوكاس ألكاراز والجزائري رابح ماجر.
وانتظر بن رحمة يوم 26 مارس/آذار 2019 ليخوض ثاني مباراة له مع منتخب الجزائر، وكانت ودية وفاز بها محرز وزملاؤه على المنتخب التونسي (1-0).
وكان مدرب "الخضر" في تلك الفترة، هو الجزائري جمال بلماضي الذي كان قد خلف ماجر على رأس الجهاز الفني في صيف 2018.
ومن سوء حظ بن رحمة أنه تعرض لإصابة خطيرة على مستوى الركبة، في نهاية شهر أبريل/نيسان 2019، ما حرمه من إمكانية المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم التي جرت في صيف نفس العام بمصر وتُوّج بها منتخب الجزائر.
وعاد بن رحمة لصفوف منتخب بلاده، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث شارك أساسياً في مباراة ودية أمام منتخب جمهورية الكونغو (1-1)، قبل أن يدخل مكانه رياض محرز في الدقيقة الـ63، ثم استغنى المدرب بلماضي عن خدماته في مباريات التوقف الدولي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني.
وبسبب وباء كورونا الذي ضرب العالم في سنة 2020 وتوقف النشاط الرياضي في بدايته وفي ذروة انتشاره، لم يخض المنتخب الجزائري، أي مباراة حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول، وكانت ودية أمام منتخب نيجيريا (1-0) وشارك فيها بن رحمة ضمن التشكيلة الأساسية، في غياب يوسف بلايلي المصاب.
واستمر عدم انتظام مشاركات بن رحمة مع منتخب الجزائر حتى كتابة هذه الأسطر، فاكتفى طيلة 19 مباراة بتسجيل هدف واحد فقط ومنح تمريرة حاسمة واحدة، خلال مواجهة منتخب جيبوتي المتواضع (4-0) يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بالقاهرة لحساب تصفيات مونديال قطر 2022.
بديل دائم لمحرز أو بلايلي
قد يلوم البعض سعيد بن رحمة عن عدم تألقه مع منتخب بلاده وعدم ظهوره بنفس الأداء الذي يقدمه مع نادي وست هام، أو الذي كان عليه مع فريقه السابق برينتفورد، وقد يتهمونه أيضاً بعدم بذل أقصى جهده حينما يرتدي قميص المنتخب الوطني.
لكن المشكلة لا تكمن في سعيد بن رحمة وحده، فالأمر يتعلق أيضاً في المدرب جمال بلماضي الذي كثيراً ما يعتمد عليه كورقة احتياطية فقط ويفضل عليه لاعبين آخرين ينشطون في مركزه كمتوسط ميدان الهجومي، وبالخصوص محرز (على الجهة اليمنى) أو بلايلي (على الجهة اليسرى)، ما قد يجعل اللاعب (أي بن رحمة) يعاني من عقدة سيكولوجية والخوف من الفشل كلما شارك مع منتخب الجزائر.
فالعارفون برياضة كرة القدم يدركون جيداً أنّ اللاعب مهما كانت قوة شخصيته، قد يتأثر نفسياً حينما يرى أنه لا يحظى بالثقة الكاملة لمدربه، وينعكس ذلك سلباً على أدائه فوق الميدان.
فبداية بن رحمة مع نادي وست هام كانت صعبة، لكن مع توالي المباريات وتلقيه الثقة اللازمة من مدرب الفريق، ديفيد مويس، جعلت أداءه يتحسن من موسمٍ لآخرٍ، حتى أصبح هو المنفذ الأول لركلات الجزاء.
بدأ بفريق صغير بالجزائر وواصل تكوينه بفرنسا
يعتقد الكثير من متتبعي الكرة العربية أنّ سعيد بن رحمة، وعلى غرار معظم اللاعبين الجزائريين المحترفين بأوروبا، هو من ذوي الجنسية المزدوجة المولودين بفرنسا.
ولكن الحقيقة، أنّه ولد يوم 12 أغسطس/آب 1995 بمدينة عين تموشنت الجزائرية، حيث نشأ وتعلم أبجديات رياضة كرة القدم، قبل أن ينضم، في عام 2004 لنادي بطيوة الصغير بمدينة وهران، عاصمة الغرب الجزائري.
وواصل تكوينه الرياضي ضمن الأندية الصغيرة، مباشرة بعد وصوله إلى فرنسا رفقة والديه في سنة 2010، حيث انضم لفريق الناشئين لنادي بالاما، ثم لنادي كولومبييه الذي لعب له من 2011 إلى 2013، حيث جلب أنظار كشافي بعض الأندية الكبيرة على غرار نيس الذي ضمه لمدرسته، في صيف 2013، قبل أن يمنحه أول عقد احترافي في يونيو/حزيران 2015، بالتعاقد معه لمدة 3 سنوات.
ولم يكن مسؤولو نادي نيس ليُقدموا على التعاقد مع الشاب بن رحمة لو لم يلاحظوا قدراته الفنية المميزة ضمن فريق الرديف أو خلال المباريات الرسمية القليلة التي خاضها مع الفريق الأول في موسمي (2013- 2014) و(2014- 2015) حيث شارك في 8 لقاءات، سجل خلالها هدفاً واحداً، وقدم تمريرتين حاسمتين.
وكان من المنتظر أن يكون سعيد بن رحمة بمثابة مشروع نجم كبير لنادي نيس، لكن خيارات مختلف المدربين الذين تعاقبوا على فريق الجنوب الفرنسي ككلود بويل ولوسيان فافر، جعلته يغادر النادي 3 مرات على سبيل الإعارة، إلى أنجيه في يناير/كانون الثاني 2016، ثم إلى أجاكسيو في يناير/كانون الثاني 2017، ثم إلى شاتورو في موسم 2017- 2018، حيث برز كأحد نجوم دوري الدرجة الثانية الفرنسي، بمشاركته في 34 مباراة، سجل خلالها 12 هدفاً وقدم 5 تمريرات حاسمة.
وسمح تألق بن رحمة ضمن فريق شاتورو بجلب اهتمام نادي برينتفورد، الناشط في ذلك الوقت في دوري الدرجة الأولى الإنجليزية (تشامبيونشيب)، الذي ضمه من نادي نيس مقابل 1.7 مليون يورو، ما جعل النجم الجزائري يمر نحو الضفة الأخرى من بحر المانش، لخوض تجربة جديدة في مشواره الاحترافي.
وكانت تلك التجربة إيجابية حيث شارك اللاعب الجزائري في 45 مباراة رسمية، مع برينتفورد، في موسم (2018-2019)، سجل خلالها 11 هدفاً وصنع 16 هدفاً آخر، ثم خاض 46 مباراة في موسم (2019-2020)، وقّع خلالها 17 هدفاً وصنع 9 أهداف أخرى.
وبعد تألقه المميز مع برينتفورد، جلب بن رحمة اهتمام بعض الأندية الإنجليزية الكبيرة، فظفر بخدماته وست هام يونايتد، الذي ضمه لصفوفه، يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على سبيل الإعارة، ثم تعاقد معه رسمياً، في يناير/كانون الثاني 2021، في صفقة بلغت قيمتها 22 مليون يورو… وبقية القصة معروفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.