يتقدم الدوري السعودي في السنوات الأخيرة ليصل إلى مستوى عالٍ من التنافسية، ومع زيادة الاهتمام بالرياضة بشكل عام للوصول إلى رؤية المملكة 2030، مع دعوة القيادة السعودية بضرورة رفع الوعي عند السعوديين وتشجيعهم لممارسة الرياضة ورفع معدل ممارسة الرياضة في المجتمع لتصل إلى مليون رياضي سعودي بنسبة 40%، خلال الـ15 عامًا المقبلة بدلاً من 13% في الوضع الحالي، وتذهب هذه الأرقام إلى أهمية وعي المجتمع السعودي بالرياضة، من خلال توفير البيئة المناسبة للوصول إلى التقدم المنشود، فيما زادت التنافسية وارتفع المستوى الفني للدوري ليصبح من أفضل الدوريات حول العالم، ليصل إلى الـ32 عالمياً والثاني آسيوياً خلف الدوري الكوري، والثاني أيضاً عربياً خلف الدوري المصري.
هذا التقدم الكبير يرجع إلى العديد من الأسباب، وربما أهم هذه الأسباب يرجع إلى الجهود المبذولة لتطوير كرة القدم في المملكة العربية السعودية، والنجاح في جعل الدوري أكثر تنافسية وتطوراً، وكما شهدت البنية التحتية للرياضة والاستثمار في الدوري تطوراً كبيراً، من تحسين الملاعب وتجهيزها بأحدث التقنيات والمرافق الرياضية، كما تم تعزيز برامج الشباب والأكاديميات الرياضية لاكتشاف وتطوير المواهب الشابة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز مستوى المنافسة والاحترافية في الدوري السعودي، وبدأت الأندية في إجراء التعاقدات مع لاعبين محترفين من مختلف أنحاء العالم، ما أدى إلى رفع مستوى المنافسة وجذب اهتمام الجماهير، كما تم تحسين مستوى التدريب وتطوير الكوادر التدريبية المحلية، والاستعانة بالخبرات الأجنبية من حيث الطاقم التدريبي والحكام وصولاً إلى تدعيم الفرق بالمحترفين الأجانب.
وهذا التقدم الحاصل في الدوريات والرياضة السعودية، سرعان ما انعكس بالفعل على عدة أمور أهمها بالتأكيد على المنتخب الأول لكرة القدم، حيث وصل إلى مونديال قطر 2022، للمرة السادسة في تاريخه متصدراً مجموعة التصفيات النهائية ومتفوقاً على كل من اليابان وأستراليا، وفي مونديال قطر 2022، نجح في تقديم أداء جيد في الفترة الأولى، بحيث صنع المفاجأة وفاز على بطل العالم المنتخب الأرجنتيني 2/1، قبل أن يخسر بكلا المباراتين مع المنتخب البولندي 1/2، والمنتخب المكسيكي بـ2/1 ليخرج من الدور الأول، ويحتل المركز 54 عالمياً حسب آخر التصنيف الصادر من الموقع الرسمي للفيفا، والخامس عربياً بعد منتخبات إيران، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا.
خطط جديدة.. وطموحات عالية
وفي سبيل سعي المملكة لاستضافة كأس العالم 2030، كان لا بد من إحداث التغييرات والقيام بالإجراءات الجديدة التي تفرضها المرحلة، في سبيل الوصول إلى الجاهزية الكاملة والقادرة على الفوز في ملف استضافة المونديال على أرضها؛ ما يفرض عليها تأمين العديد من الأمور الفنية، من تجهيز المرافق والملاعب وتوسيع المنشآت الرياضية، والالتزام بالمعايير الدولية للفيفا.
وهذا التطور الكبير للكرة السعودية، واكبه العديد من التطورات في خطط القيادة السعودية للوصول إلى إعلان مجموعة من القرارات التي ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة.
آخرها مفاجأة إعلان ولي العهد إطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية في المملكة، ويهدف المشروع بالمرتبة الأولى إلى تطوير كرة القدم في المملكة بشكل عام، ومنافساتها في البلاد والوصول بالدوري المحلي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم.
ويستهدف المشروع في مرحلته الأولى "بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة".
ويعمل المشروع على مسارين رئيسيين:
الأولى: الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها، وطرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءاً من الربع الأخير من عام 2023.
وثانياً: إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصادٍ رياضي مستدام، ورفع مستوى الاحترافية للأندية والحوكمة الإدارية والمالية، إضافة إلى رفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية".
ولو أردنا شرح الأمر بشكل أبسط ودون تعقيدات، فالمشروع يبدأ بوضع أربعة أندية سعودية تحت سيطرة صندوق الاستثمار السعودي، لكن يتم قيادتها من قبل أربع شركات مستقلة لا تدار من نفس الإدارة من أجل التنافسية الرياضية وتحقيق المساواة ومحاربة الحوكمة الإدارية للفرق في الدوري، ونقصد هنا بالحوكمة منع القيام بأية إجراءات أو تعاقدات بشكل فردي وغير مدروس، وبذلك يتم القيام بالتعاقدات والمشاريع بشكل أكثر مدروس.
كما تسعى المملكة في مرحلتها الثالثة إلى إيصال الدوري المحلي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم، وزيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنوياً (نحو 480 مليون دولار)، إلى جانب رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار)".
كيف سيمهّد المشروع الجديد الطريق لجذب النجوم حول العالم
للإجابة على هذا السؤال لابد أن نعرف أن القيمة التسويقية الحالية للدوري السعودية 324 مليوناً، حسب موقع "ترانسفير ماركت" المتخصص في إحصائيات وأرقام اللاعبين والفرق، في مقدمة الأندية الآسيوية، فيما حل الدوري الياباني بالمركز الثاني بقيمة تسويقية تصل إلى 275 مليون يورو، وخلفه الدوري الإماراتي ثالثاً بقيمة تصل إلى 269 مليون يورو.
وعلى الرغم من أن الدوري السعودي يتصدر القيمة التسويقية إلا أنه كان لديه سقف لا يمكن تخطيه لإبرام الصفقات وجذب النجوم من حول العالم، فيما يبلغ عدد الأجانب 129 بنسبة 29.3% فيما قبل.
ولكن مع إطلاق المشروع، زادت إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنوياً (نحو 480 مليون دولار)، إلى جانب رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار)".
وهي أرقام كبيرة جداً، وبالتأكيد ليس الهدف منها فقط للتعاقدات، بل يشمل كلاً من الاستثمارات والانتقالات والتوسع في الأندية وتطويرها فنياً وهيكلياً.
نستطيع القول إن قرار ولي العهد لم يكن وليد اللحظة، فلو أمعنا النظر في الموسم الماضي حيث استطاع نادي النصر السعودي التوقيع مع البرتغالي كريستيانو رونالدو قادماً من مانشستر يونايتد الإنجليزي وبراتب سنوي يصل إلى 200 مليون يورو يتضمن عقود رعايا وإعلانات، وما كانت هذه الخطوة إلا اللبنة الأولى في الخطة الجديدة للتعاقدات مع المحترفين في الفترة القادمة.
وما هي إلا أشهر قبل أن يعلن الاتحاد في 60/06/2023، التوقيع رسمياً مع الفرنسي كريم بنزيمة في صفقة كبيرة لم يتم الإعلان بشكلٍ رسمي عن راتب اللاعب، لكن التقارير الصحفية الأوروبية والسعودية أكدت أنه سيتقاضى مبلغاً كبيراً قد يصل إلى 100 مليون يورو، في الموسم الواحد مع العميد، وهو نفس راتب كريستيانو رونالدو مع النصر.
وبعد نجاح التوقيع مع الفرنسي كريم بنزيمة والبرتغالي رونالدو، بدأت الأخبار تتسارع باقتراب العديد من النجوم أيضاً إلى التوقيع مع الأندية السعودية، ومن أبرز اللاعبين الأرجنتيني ليونيل ميسي صاحب الـ35 عاماً بعد أن أعلن رحيله بشكل رسمي عن نادي العاصمة الفرنسية باريس سان جيرمان، وكشفت صحيفة الماركا الإسبانية مؤخراً أن نادي الهلال السعودي قدم عرضاً ضخماً إلى ميسي لضمه إلى صفوفه بقيمة 400 مليون سنوياً، لكن الأرجنتيني يعطي الأولوية للنادي الكاتلوني الذي يحاول بكل ما أمكن التوقيع مع اللاعب.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر في الرياض -طلب عدم الكشف عن اسمه- أن السلطات السعودية المختصة "على تواصل مع أكثر من 10 لاعبين، العديد منهم لاعبون فازوا بكأس العالم أو دوري الأبطال (الأوروبي) للانضمام للدوري السعودي الموسم المقبل.
وقال المصدر إنه بالإضافة لعرض قياسي للتوقيع مع ميسي (35 عاماً)، أفضل لاعب في العالم 7 مرات، "تتضمن قائمة المفاوضات الإسباني سيرجيو راموس (37 عاماً)، الأرجنتيني أنخل دي ماريا (35 عاماً)، والكرواتي لوكا مودريتش (37 عاماً)، والفرنسيين هوغو لوريس (36 عاماً) ونغولو كانتي (32 عاماً)، والبرازيلي روبرتو فيرمينو (31 عاماً) والإسبانيين جوردي ألبا (34 عاماً) وسيرجيو بوسكيتس (34 عاماً).
ما أهمية التعاقد مع اللاعبين فوق عمر 30 عاماً للدوري السعودي؟
وهنا السؤال المطروح لدى عدد كبير من المتابعين والمراقبين: ما جدوى التوقيع مع لاعبين قد تجاوزوا 30 عاماً؟ وهنا نتكلم فنياً، وخاصة بعد تجربة كريستيانو رونالدو؟
ولمن كان يتوقع أن هدف السعودية تدعيم الفرق السعودية بنجوم عالميين فقط من أجل جذب الجمهور، فهو مخطئ تماماً، لأن الدوري السعودي من خلال جذب النجوم يسعى لتحقيق العديد من الأمور والأهداف، منها:
الاندماج: دمج اللاعبين المحترفين والأساطير مع النجوم المحليين لإخراج أفضل ما عند اللاعب السعودي، وهي تجربة وجدت نجاحاً كبيراً إن كان في الدوري السعودي أو القطري.
جذب الرعاة والجماهير: وزيادة دخل الأندية من خلال بيع قمصان اللاعبين، وزيادة الأرباح من الحضور الجماهيري الكبير.
الانتشار وحقوق النقل: وهنا المقصد تحقيق الزيادة في عدد المشاهدات حول العالم، ما يسهم في تقدم الدوري السعودي ليصبح من أكثر 10 أندية متابعة حول العالم.
دوري النجوم: يهدف الدوري السعودي من خلال جذبه للنجوم إلى جعل الدوري السعودي مليئاً بالنجوم المحبوبين حول العالم؛ ما سينعكس على زيادة جماهير النادي ووصوله إلى العالمية، وأن يصبح من بين أفضل الدوريات في العالم.
ملف المونديال السعودي 2030
بعد التجربة القطرية كمثال يحتذى به، وهنا نقصد نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، والذي كان لنجومه دور كبير في الترويج لمونديال قطر وتغيير الصورة النمطية بالدول العربية، وبالتالي تحاول السعودية الآن أن تأخذ تلك التجربة لمستوى مختلف تماماً، بحيث إنك ستشاهد العديد من النجوم يلعبون في السعودية، ما يتيح للمشاهد والمتابع الاطلاع على تطور البنية الرياضية في المملكة، وأنها قادرة على استضافة المونديال 2030، كما أنها بالفعل اتفقت مع الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي ليكون سفيراً للسياحة في المملكة منذ بداية العام الماضي.
جذب اللاعبين والنجوم من حول العالم:
بعد نجاح النصر والاتحاد في ضم كل من الفرنسي كريم بنزيمة والبرتغالي كريستيانو رونالدو أصبح واقع اللعب في الدوري السعودي أمراً مقبولاً لدى شريحة كبيرة من اللاعبين، وهذا ما بدأنا نلمسه بحدوث مفاوضات حقيقية مع العديد من النجوم مثل ميسي وبوسكيس ومودريش وكانتي والعديد من الأسماء الأخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.