أول مرة ظهر فيها اسم مارك أندريه تير شتيجن للنور، كان في عام 2013، حينما قرر برشلونة البحث عن حارس يخلف فيكتور فالديز في عرين الفريق، وحينما تواجه المنتخب الألماني مع نظيره الأرجنتيني وحلّ تير شتيجن بديلاً وتصدى لركلة جزاء من ليونيل ميسي، ثم قابله بابتسامة: "سنلتقي عما قريب".
وصول تير شتيجن ربما كان سيحدث في العام نفسه، لكن رغبة فيكتور فالديز في البقاء لعام إضافي أخرت من وصول الألماني، المهم أنه في نهاية المطاف وصل في سوق انتقالات تاريخي رفقة لويس سواريز، وإيفان راكيتتش، وماتيو فيرمايلن، وجيرمي ماتيو، وكلاوديو برافو.
وتحت قيادة لويس إنريكي، قرر المدرب الإسباني منح برافو المركز الأساسي في منافسات الليغا، على أن يتولى تير شتيجن حراسة العرين في مسابقة دوري أبطال أوروبا وأيضاً بطولة كأس الملك.
ولم يطُل وقت الألماني مع التشيلي؛ إذ قررا أن على أحدهما أن يُغادر، ورأت إدارة برشلونة بموافقة من مدربها أن يستمر الألماني الشاب، على أن يُغادر التشيلي العجوز كلاوديو برافو إلى صفوف مانشستر سيتي.
لم تكن حينها علاقة تير شتيجن بجمهور برشلونة في أفضل مراحلها؛ لأن الأخطاء التي ارتكبها في مواقف كثيرة جعلت فكرة المُراهنة عليه والإطاحة بحارس خبير ككلاوديو برافو أقرب للجنون!
هل أخطأ برشلونة؟
بالرجوع بالذاكرة للخلف قليلاً، ربما وُضع تير شتيجن دائماً في خانة أكبر من التي يستحقها؛ في المدح والذم معاً.
وُضع في خانة الظالم والمظلوم معاً، واتهمه الناس بأنه يتحمل معظم هزائم برشلونة الكارثية، واستشهدوا بانخفاض مستواه المُريب في الموسمين الماضيين، ورآه البعض مظلوماً على طول الخط، كُل مكروه يُصيب برشلونة لا يتحمله تير شتيجن أبداً!
في عام 2015، حينما حقق برشلونة بطولة دوري أبطال أوروبا بعد انتظار أربع سنوات كاملة، والأخيرة إلى يومنا هذا، كان تير شتيجن من أهم كلمات الفصل في تحقيق برشلونة للقب، تلك الليلة التاريخية أمام بايرن ميونخ في أليانز أرينا، التي قدم خلالها واحدة من أفضل تصديات دوري أبطال أوروبا على مدار تاريخه!
لكن ما حدث بعد ذلك، أن برشلونة تحول إلى الماضي، وأصبحت فكرة الوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمراً يحلم به مشجعو الفريق، كيف لا والمرة الأخيرة التي وصل فيها برشلونة إلى هذا الدور هي المرة نفسها التي حقق فيها اللقب، والتي قدم خلالها تير شتيجن ملحمته التاريخية!
ومع تزايد مشكلات الفريق، ورحيل أغلب قاماته، تشافي ثم نيمار، ثم إنييستا، ثم لويس سواريز ثم ميسي؛ بات تير شتيجن من أبرز لاعبي الفريق رغم كونه حارس المرمى.
والهزائم الكارثية للفريق جعلت منه فريسة سهلة لمن يُريد أن يُطبق عليه نظرياته، وفي الوقت نفسه لم يلُمه مُحبوه أبداً في إحداها؛ لأن الهزائم الكارثية شهد عليها جيل برشلونة التاريخي كله.
بداية من ميسي، مروراً بلويس سواريز وأندريس إنييستا؛ أي إن تير شتيجن حاله من حالهم، وإذا رأى البعض أن تير شتيجن أخطأ فبالتأكيد كل قامات برشلونة تسببت فيما آلت إليه الأمور.
وقال تير شتيجن عن هزيمة الأنفيلد أمام ليفربول، حين عاد الفريق الإنجليزي من تأخره أمام برشلونة بثلاثية إلى سحقهم برباعية، إن فريق برشلونة كان أقرب إلى التجمد، وإن برشلونة مشكلته ليست فنية فحسب، بل هي مشكلة نفسية، وإن شبح روما ارتسم أمام الفريق في الأنفيلد، وكُتبت معه شهادة وفاة هذا الجيل في لشبونة على يد بايرن ميونخ الألماني.
وإذا قدم أي حارس لأي فريق كبير في أوروبا مباراة كبيرة؛ قارنوه على الفور بتير شتيجن، وإذا قدم أي حارس لأي فريق كبير في أوروبا مباراة ضعيفة، لا أحد يهتم.
ببساطة لأن جمهور برشلونة بطبيعته يميل دائماً للانتقاد، ويبحث عن طريق للكمال لا علاقة لفريقه به؛ فلا أحد مثلاً سيتذكر كيف وضع دفاع برشلونة حارسه تير شتيجن في مواجهات فردية "واحد ضد واحد" مع معظم لاعبي الليغا الإسبانية على مدار سنوات حراسته لبرشلونة.
في أول موسم لتير شتيجن كحارس أساسي لمرمى برشلونة بعد رحيل كلاوديو برافو، حقق رقماً فريداً، بتصديه لما يُقارب 12 تصدياً في مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، في ليلة حقق خلالها برشلونة انتصاراً تاريخياً بأقدام ميسي في آخر دقيقة من المباراة التي انتهت بفوز برشلونة 3-2 على ملعب سانتياجو بيرنابيو.
لعب تير شتيجن حوالي 9 سنوات في صفوف برشلونة، كان يستحق خلالها جائزة الزامورا، كأفضل حارس مرمى في منافسات الليغا، في نصفها على أقل تقدير، ودون أي اعتبار لسوء منظومة برشلونة الدفاعية في أية سنة؛ لأن تير شتيجن نفسه لم يتأثر بسوء هذه المنظومة، وكان هو وميسي معاً يقودان برشلونة نحو المنافسة مع من هُم أفضل فنياً من برشلونة.
سر غريب عن تير شتيجن!
لتير شتيجن سر غريب قد لا يعرفه معظم الناس؛ وهو أنه لا يتذكر أغلب من يواجههم، وهو بنفسه اعترف بهذا الأمر في إحدى مقابلاته.
إذ قال إنه لا يحفظ أسماء معظم النجوم الذين يلعبون ضده، ولا يتذكرهم بسهولة، وعلى الجهاز الفني لبرشلونة أن يستعرض له لقطات لهم أو يُذكره بلقطات مهمة في مباريات مصيرية أمامهم ليتذكرهم!
وبعد هزيمة بايرن ميونخ الكارثية، بثمانية أهداف مقابل هدفين في لشبونة، قيل إن تير شتيجن تعرض لإصابة قوية في الركبة، وظن البعض أنها إحدى محاولات التملص من الهزيمة التاريخية؛ كونه بالفعل كان مُتسمراً في مكانه في معظم الأهداف، وهو رفقة كل عناصر الفريق، يُسألون قطعاً عن الهزيمة المُذلة.
لكن، حين عاد تير شتيجن، فمن الواضح أنه عاد بضيف جديد برفقته، فوضعه على رأسه تحديداً!
لم يكن واضحاً تماماً أن تير شتيجن قد وصل إلى برشلونة بشعر كثيف، وربما من أثر الهزائم تساقط شعره كما تساقط برشلونة من الخريطة الأوروبية؛ لذا قرر تير شتيجن أن يخضع لعملية لزراعة الشعر، وهي إحدى الوسائل التي يلجأ إليها معظم لاعبي كرة القدم حالياً، حين يفقدون ثقتهم بأنفسهم.
وربما نال تير شتيجن ما يستحقه، في نهاية مسيرته مع برشلونة؛ إذ إنه سيحصد أخيراً جائزة الزامورا، لأفضل حارس حفاظاً على شباكه خلال منافسات الليغا الحالية، وهي نفس الجائزة التي استحقها ولو لمرة واحدة خلال السنوات الماضية، لكن دفاع برشلونة حال بينه وبينها أبداً!
وهذه بالتحديد هي مُعضلة تير شتيجن، الحارس الذي لم ينل ما يستحقه وقتما كان يستحق فعلاً، والحارس الذي يتأثر بحالة المجموعة، أو لنقُل مع مرور الوقت توقفت طاقته عن إنقاذهم؛ لأن برشلونة يحلم بأكثر مما يمتلك في الواقع.
وربما سلسلة "الريمونتادا" التي بدأت لبرشلونة في مسابقة دوري أبطال أوروبا، من ملعب الكالديرون عام 2016، وانتهت بشهادة وفاة هذا الجيل في لشبونة أمام بايرن ميونخ عام 2020، كانت ستحدث وتبدأ مبكراً أمام نفس الفريق الألماني بايرن ميونخ، لكن عام 2015، وكانت فكرة التتويج بدوري أبطال أوروبا ستصبح مستحيلة؛ لكن تير شتيجن أبى أن يحدث ذلك، وهو أمر لا يُدركه معظم مشجعي برشلونة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.