أجل إن "بيب غوارديولا" مدرّب كبير، لكنّه ليس الأعظم أو المتفرّد؛ يقول البعض إنّ مانشستر سيتي أنفق هذا الموسم أقلّ من نادييْ "يونايتد وتشلسي" وفاز باللقب بعبقريّة غوارديولا، لكن واقع الحال يقول إنّ مانشستر سيتي بطل الموسمين الماضيين، والذي خاض فيهما نهائي ونصف نهائي دوري الأبطال، لم يكن يحتاج للإنفاق أكثر من خصميه المتعثّرين.
لكنّه رغم ذلك اشترى لاعبين بما يفوق 150 مليون يورو ليعزّز ترسانة نجومه بأساسيّيها ودكّة بدلائها، وهذا مبلغ ليس بعيداً عن معدّل الإنفاق الخيالي للنادي طوال عهدة غوارديولا.
لقد أبرم مانشستر سيتي في السنوات السبع تحت قيادة "بيب غوارديولا" صفقات شراء بقيمة تناهز 1,2 مليار يورو دون احتساب حوافز تلك الصفقات، أي بمعدّل يقارب 175 مليون يورو في الموسم، مقابل بيع لاعبين بمبلغ بالكاد يجاوز ثلث قيمة الشراءات فقط.
هذا دون التوسّع نحو صفقات الانتقال الفاشلة أو غير الموفّقة التي جاوزت خُمس قيمة الشراءات، ودون الخوض في كتلة الرواتب الضخمة لكتيبة نجوم السيتي.
حتّى تدرك قيمة مبالغ الإنفاق، ولا أقصد هنا المبلغ الفلكي للسنوات السبع، بل أقتصر على المعدّل الموسمي المقارب لـ175 مليوناً، فإنّه يمثّل تقريباً القيمة السوقيّة لكلّ لاعب، "فينورد" بطل هولندا، أو "غلطة سراي" بطل تركيا، أو وصيفه "فنربخشه"، أو نادي "لانس" وصيف الدوري الفرنسي، أو يقارب قيمة لاعبي "إشبيلية" خائض نهائيّ الدوري الأوروبي.
إذ نتحدث عن نادي "مانشستر سيتي" فإنّنا أمام أغلى فريق في العالم من حيث القيمة السوقيّة للاعبيه التي تجاوز المليار يورو، وبالتشكيلة الأكثر تكاملًا وبدكّة البدلاء المرعبة التي تكفل خيارات مريحة على امتداد الموسم بمختلف مسابقاته، إنّه الفريق الأغلى وذو الأفضلية على الورق والميدان في كلّ المسابقات والمواجهات التي يخوضها مهما كان الخصم محلّياً أو قاريّاً، أي إنّ هدفه في كلّ موسم يكون إحراز كلّ الألقاب الممكنة.
لقد توفّرت لـ"غوارديولا" إمكانيات مالية خارقة، ليحصد كلّ هذه الألقاب ويصل بالفريق إلى الريادة المحليّة والقاريّة، لكنه لم يصنع ذلك من فراغ، فهناك شغل سنوات سبق "بيب غوارديولا"، إلّا أنّ مانشستر سيتي كان يشتري بسخاء ويكبر محلّياً وقارياً، حتّى أحرز أوّل لقب دوري ممتاز في 2012 بقيادة "روبرتو مانشيني"، ثم اللقب الثاني سنة 2014 في عهدة "مانويل بيليغريني" الذي بلغ نصف نهائيّ دوري الأبطال، قبل أن يستلم "بيب غوارديولا" مقاليد فريق كبير صار معه الأكبر عالمياً بحكم الاستمرارية وحجم الإنفاق الذي لم يجده "غوارديولا" في "بايرن ميونيخ".
إنّ نقطة خلاف "غوارديولا" الكبرى مع "بايرن ميونيخ" كانت حجم الإنفاق، وقد يتخيّل البعض أن عملاق بافاريا كان بخيلاً، لكنّ الأرقام تقول غير ذلك، فقيمة صفقات الشراء خلال المواسم الثلاثة لـ"غوارديولا" في ميونيخ بلغت 200 مليون يورو، إضافة إلى الانتقال الحرّ للهدّاف "ليفندوفسكي" إلى الفريق.
لكن غوارديولا أزيد من ذلك، إذ يميل إلى ضرورة جلب اللاعب بالإمكانيات والخصال التي يتستلزمها أسلوب لعبه أزيد من التكيّف مع القدرات الماديّة للفريق.
لقد تسلّم "غوارديولا" عن "يوب هاينكس" فريقاً محرزاً لثلاثية تاريخيّة محلّياً وقارياً، حيث أحرز دوري الأبطال في 2013 وكان قد خاض نهائي 2012، لكنّه عجز عن مجاوزة نصف نهائي دوري الأبطال الذي بلغه في مواسمه الثلاثة.
أمّا إذا عدنا إلى مواسمه الأربعة مع برشلونة فقد ناهز إنفاقه 340 مليون يورو، وهو مبلغ جدّ كبير بالنظر إلى أنّ تلك الفترة لم تشهد بعد ذروة حمّى الأسعار الجنونيّة في انتقالات اللاعبين.
يأتي ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه ورث فريقاً قويّاً عن "فرانك ريكارد"، الذي يعود له الفضل في تشكيل وصقل الجيل الذهبي لبرشلونة وأسلوب لعبه البديع، الذي بلغ مرحلة النضج والتوهّج، وجدير بالذكر أنّ ريكارد خلال عمليّة البناء تلك التي امتدّت 5 مواسم أنفق ما يقارب 200 مليون يورو، أي نصف معدّل إنفاق خلفه "غوارديولا".
عن نفسي أرى الإنجازات الكبرى للمدرّبين في حسن إدارة الزاد البشريّ والتفوّق به على الفرق ذات التشكيلات والموارد الماديّة الأقوى، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، إحراز "كلاوديو رانييري" لقب الدوري الإنجليزي الأقوى عالمياً بفريق لا يضاهي الخمسة الكبار.
أيضًا حصد "جوزي مورينيو" دوري الأبطال مع "بورتو"، كذلك ما صنعه "جيان بييرو غاسبيريني" مع "أتلانتا" وكيف شكّل بإمكانيّات محدودة مقارنة بالكبار، فريقاً تنافسياً يقدّم كرة قدم هجوميّة جميلة وينافس كبار الكرة الإيطاليّة على المراكز المتقدّمة، بل ويقف بنديّة أمام كبار أوروبا في دوري الأبطال خلال مواسم خوضه لها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.