أثار "هروب" المصارع المصري، أحمد بغدودة، إلى فرنسا عاصفة رياضية امتدت آثارها إلى ميدان السياسة، إذ تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحل الأزمة. حيث أعلنت "الأكاديمية الوطنية للتدريب" عن دعوة أحمد بغدودة للعودة لمصر وتلقي منحة للتدريب والتأهيل، مع رعاية تامة له كموهبة رياضية مصرية واعدة، بتوجيهات من السيسي نفسه.
وقالت الأكاديمية عبر حسابها بموقع فيسبوك: "بناءً على توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، تتوجه الأكاديمية الوطنية للتدريب بدعوة لاعب المصارعة أحمد فؤاد بغدودة، لتلقي منحة للتدريب والتأهيل مع رعاية تامة له كموهبة رياضية مصرية واعدة".
فيما بعث رجل الأعمال الشهير، نجيب ساويرس، رسالة للاعب نفسه، طالبه فيها بالعودة إلى مصر مرة أخرى، مؤكداً أنه سيقوم بإصلاح الأوضاع التي دفعته للرحيل عن مصر صوب فرنسا.
عبر حسابه على موقع تويتر، غرد ساويرس: "ارجع وأنا هصلح كل اللي ضايقك… احنا ولاد بلدك عايزينك".
حسب تقارير صحفية مصرية، تم استدعاء رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارعة المصري، اللواء عصام نوار، لمقر وزارة الشباب والرياضة المصرية، لتوضيح تفاصيل "هروب" أحمد بغدودة إلى فرنسا، خلال مشاركة المنتخب المصري في البطولة الإفريقية بتونس، خاصة أن اللاعب تألق في البطولة، وحصل على الميدالية الفضية في المصارعة الرومانية عن وزن (63 كيلوغراماً).
ونقلت صحف مصرية، أن رئيس اتحاد المصارعة تلقى لوماً شديداً من مسؤولي وزارة الشباب والرياضة في واقعة بغدودة، كما أن إلقاء اللوم على "شبكة تعمل في باريس" لم يشفع له.
تقدم عضو مجلس النواب، محمد سعد الصمودي، بطلب إحاطة موجه إلى وزير الشباب والرياضة بشأن تفاقم ظاهرة "لعب الرياضيين في مصر باسم دول أخرى".
"هروب" أحمد بغدودة جاء بعد مراوغة حذقة، فوفقاً للرواية الرسمية لمسؤولي اتحاد المصارعة المصري، فإن بغدودة طلب الحصول على جواز سفره لرغبته في شراء دنانير تونسية لشراء بعض الأغراض والمستلزمات، ثم اختفى تماماً، حتى اكتشف سفره إلى فرنسا دون الحصول على إذن بذلك. وكان أحمد بغدودة قد حصل على تأشيرة دخول فرنسا قبل السفر إلى تونس للمشاركة في بطولة إفريقيا للمصارعة الرومانية.
يذكر أن مسؤولي الاتحادات الرياضية المصرية يحتفظون بجوازات سفر اللاعبين أثناء البطولات والمعسكرات الخارجية، ولا يعيدونها لهم إلا عند الوصول إلى مصر، وذلك بالمخالفة للقوانين الدولية.
على كلٍ، للقصة وجه آخر، على الأقل في عين والد المصارع أحمد بغدودة، فؤاد بغدودة. ففي تصريحات تلفزيونية أكد والد اللاعب أن ابنه لم يحصل على دعم مادي يمكن التعويل عليه من اتحاد المصارعة، وأن ما يحصل عليه شهرياً هو مبلغ قيمته (2200) جنيه مصري ومن أحد المشاريع القومية، لا من الاتحاد.
وأكد أن سوء الأحوال وضياع مجهوده وسنوات عمره من دون أي مقابل أو تقدير دفعه للهروب خارج مصر.
أضاف والد بغدودة أنه كان "طول الأعوام الماضية يتحمل نفقات رياضة ابنه حتى لا يحرمه منها، رغم مصادر دخله المحدودة، موضحاً أنه رجل بسيط يعمل سائق توكتوك، ولديه طفلان بخلاف أحمد".
وذكر الأب، واقعة ربما تفسر سبب هروب ابنه، يروي فؤاد بغدودة: "صدرت لابني مكافأة بقيمة 16 ألف جنيه، فاقتطع منها الاتحاد أكثر من 14 ألف جنيه ضرائب، وحصل ابني على 1200 جنيه فقط".
قطع الأب الطريق أمام أي اتهام له بالمساعدة في التخطيط لهرب نجله إلى فرنسا، بقوله: "أنا راجل فقير على قدي وبشتغل سواق على توك توك، ولا أعرف حد في فرنسا ولا بره، وبحافظ على كرامة ابني في وسط الناس، أنا مش قادر أجيب لابني جزمة يلعب بيها، وشحت (استعار) جزمة من صحابه عشان يلعب بها".
ووجه الأب في نهاية تصريحاته التلفزيونية رسالة لابنه يطالبه فيها بالعودة إلى أرض الوطن، "ارجع مصر هي أولى بك، وإحنا اتولدنا فيها وهنعيش ونموت فيها".
أحمد بغدودة ليس الحالة الأولى من نوعها، ففي أغسطس 2017، سبقه هروب أحمد حسن "بوشا"، لاعب منتخب الشباب للمصارعة الحرة، بعد المشاركة في بطولة العالم التي أقيمت بفنلندا.
وبعد عامين فقط من تلك الحادثة، "هرب" شقيقه حسن حسن "بوشا" أيضاً خلال بطولة العالم التي أقيمت بالمجر.
وفي أغسطس 2022، "هرب" محمد عصام، لاعب منتخب مصر للمصارعة الرومانية (تحت 17 سنة)، بعد انتهاء بطولة العالم للمصارعة للناشئين في إيطاليا.
وفي يونيو/حزيران 2022، فجّر الاتحاد الإنجليزي للاعبي الإسكواش المحترفين قنبلة مدوية، حين أعلن أن النجم المصري محمد الشوربجي، المصنف الثالث عالمياً، سيمثل المنتخب الإنجليزي.
وفي أولمبياد طوكيو 2020، أهدى فارس حسونة، ذو الأصول المصرية، دولة قطر أول ميدالية ذهبية في تاريخ مشاركاتها في دورات الألعاب الأولمبية الصيفية، وذلك في منافسات رفع الأثقال للرجال (وزن 96 كيلوغراماً).
فقدت مصر 350 ألف رياضي
أياً كانت نهاية أزمة أحمد بغدودة، سواء بعودته إلى مصر أو استمراره في فرنسا. إلا أن مغادرة الرياضيين المصريين لمصر وتمثيلهم لدول أجنبية أصبحت ظاهرة رياضية، لها أبعاد اجتماعية وسياسية. وبشكل عام، ضربت الرياضة المصرية حالة من الترهل والفشل خلال العقد الأخير لم يعد من الممكن إخفاؤها.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقدت مصر ثلث رياضييها خلال العقد المنصرم، أكثر من 350 ألف رياضي. البعض توقف عن ممارسة الرياضة لأسباب طبية بعد التعرض لإصابة أو أكثر، والبعض الآخر توقف لأسباب مادية.
وبحسب منصة "أريج" للتحقيقات الاستقصائية، فإن 37% من رياضيي مصر توقفوا عن ممارسة الرياضة، كما انخفض عدد الفرق الرياضية بالبلاد بمعدل يجاوز الـ46% بقليل.
وبحسب المصدر نفسه، فإن "ميزانية القطاع الرياضي، والنسبة المخصصة لها من إجمالي الموازنة العامة، سنجد أنّها في تراجع كـ(نسبة من الإجمالي). على سبيل المثال، في عام 2010، كانت نسبة الميزانية المخصصة للقطاع الرياضي من الإجمالي العام للموازنة 0.6%. هذه النسبة، ورغم مرور 10 أعوام، تراجعت بشكل تدريجي، إلى أن أصبحت 0.3% في عام 2018، ثمّ ارتفعت مرة أخرى في عام 2019 لتصبح 0.4%".
لماذا "يهرب" الرياضيون المصريون؟
أهم الأسباب وراء رحيل الرياضيين المصريين، وتفضيلهم تمثيل منتخبات أجنبية، هو غياب أو انعدام الدعم المالي سواء من ناحية برامج الإعداد الخاصة ومعسكرات التأهيل لخوض البطولات الكبرى، أو من ناحية المرتبات الشهرية للاعبين.
وعلى الرغم من أن بند "أجور العاملين" له نصيب الأسد في ميزانية الرياضة المصرية، إلا أنه بات من الواضح أنه لا يصل لمستحقيه من الرياضيين.
على سبيل المثال، اشتكى البطل المصري الحاصل على فضية إفريقيا في منافسات الترايثلون من ضعف راتبه، حوالي 600 جنيه شهرياً (19.5 دولار).
كما أن غياب الدعم على المستوى المادي والطبي يدفع عديد الأبطال المصريين إما إلى الاعتزال أو تمثيل منتخبات أجنبية. على سبيل المثال، أُصيب طارق عبدالسلام، الذي مثّل منتخب مصر للمصارعة، في أحد المعسكرات التدريبية لـ"الفراعنة"، ورفض اتحاد اللعبة في بلاده تحمل نفقات علاجه، على اعتبار أنه لاعب غير مؤثر، وهو ما دفعه للسفر إلى بلغاريا عملاً بنصيحة أصدقائه، من أجل تلقي العلاج من جيبه الخاص.
ولأن فاتورة العلاج كانت أعلى مما لديه، أُجبر طارق على العمل بائعاً للشاورما في أحد المحال، حتى وصلت قصته إلى مسامع المسؤولين البلغاريين الذين ساعدوه في تحمل نفقات علاجه.
وبعدها تم عرض الجنسية عليه فوافق، ليلعب بعدها طارق عبد السلام تحت العلم البلغاري، إذ حصد ذهبية بطولة أوروبا تحت 75 كيلوغراماً، وذلك يوم 8 مايو/أيار 2017.
الواسطة والمحسوبية
أحد أخطر العلل التي يعاني منها المجتمع المصري، وأحد أهم الأسباب وراء اعتزال أو سفر الأبطال المصريين؛ الواسطة والمحسوبية. وذلك بالإضافة إلى كثرة المشاكل والمعوقات الإدارية التي يضعها مسؤولو الاتحادات المصرية الرياضية في طريق الأبطال.
ففي يوليو/تموز 2017، بدأت أزمة المصارع المصري محمود فوزي سبيع مع اتحاد بلاده بعدما وجه اتهاماً للاتحاد بمجاملة فرج عامر، رئيس نادي سموحة، والذي قام بتسجيل نجل أحد أصدقائه للمشاركة في دورة ألعاب البحر المتوسط بدلاً منه، الأمر الذي نفاه عامر.
وبعد حوالي 10 أشهر من تلك الواقعة، أعلن اتحاد المصارعة المصري إيقاف فوزي وإحالته للتحقيق، على خلفية تلك الاتهامات.
بعدها حزم فوزي أمتعته وسافر إلى الولايات المتحدة، بعدما تأكد من عدم مشاركته في أولمبياد طوكيو 2020 على خلفية قرار إيقافه، ليعلن يوم 25 يوليو/تموز 2018، حصوله على الجنسية الأمريكية.
يذكر أن المصارع المصري، حاصل على بطولة إفريقيا للمصارعة 5 مرات، وبطولة العرب 4 مرات، وفضية الجائزة الكبرى في إسبانيا عام 2016.