تُجري المملكة العربية السعودية محادثات مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) حول صفقة بقيمة 200 مليون دولار لرعاية "السوبرليغ الإفريقي"، والهدف غير المعلن من تلك الرعاية هو تأمين دعم القارة السمراء لأي ملف تقدمه السعودية مستقبلاً لاستضافة كأس العالم، ذلك وفقاً لما علمته صحيفة The Guardian.
وكان مقرراً أن يطلق الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بطولة "السوبرليغ" الإفريقي، التي تضم 24 فريقاً وتحظى بدعم كبير من رئيس "فيفا"، جياني إنفانتينو، في أغسطس/آب المقبل في إطار مساعي تعزيز الصورة العالمية للأندية الإفريقية وزيادة عائداتها. ويُتوقع أن يخصَّص لدوري السوبر الإفريقي، الذي طرحه إنفانتينو للنقاش عام 2018 وأعلن عنه رئيس "كاف"، باتريس موتسيبي، في أكتوبر/تشرين الأول، صندوق جوائز بقيمة 100 مليون دولار منها 11.6 مليون دولار للفريق البطل- أي أكثر من المبلغ الحالي المخصص للفائز بدوري أبطال إفريقيا بـ 8 ملايين دولار تقريباً- وصندوق تضامن يخصِّص للاتحادات الـ 54 العضوة في الكاف مليون دولار سنوياً لتطوير كرة القدم.
ولكن يقال إن بداية انطلاق هذا الدوري ستتأجل إلى موسم 2024-2025 لحين إبرام صفقة الرعاية مع السعودية، وإن نسخة مصغرة تضم 8 فرق فقط ستقام في الفترة ما بين 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني في الموسم المقبل.
المحادثات مع السعودية بدأت منذ فترة، والأسبوع الماضي أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أنه وقع اتفاقية تعاون وتطوير مدتها خمس سنوات مع الاتحاد السعودي لكرة القدم، في خطوة قال إنها "ستعزز فرص نمو كرة القدم الإفريقية والسعودية".
ووقع الاتحادان مذكرة تفاهم ستركز على مبادرات التطوير التقني وتطوير كرة القدم على مستوى الأندية والمنتخبات الوطنية وكرة القدم الشعبية وكرة القدم النسائية واكتشاف المواهب والمسابقات والمباريات الودية والفرص التجارية.
وقال موتسيبي في بيان: "الكاف متحمس للتعاون والشراكة مع الاتحاد السعودي لكرة القدم لتطوير كرة القدم وتنميتها في قارتنا والعالم. ونناقش أيضاً بعض الشراكات متبادلة المنفعة وسنعلن عنها في الوقت المناسب".
ومن المعلوم أن الكاف يواجه صعوبات مالية منذ إلغاء صفقة تلفزيون وحقوق تسويق بقيمة مليار دولار مع شركة "Lagardère Sports" الفرنسية عام 2019. ولم يعلق الكاف على الرعاية السعودية المحتملة لدوري السوبر.
ومن المعروف أن إنفانتينو تربطه علاقات جيدة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد أن جلسا في المقصورة نفسها لمتابعة مباراة ملاكمة الوزن الثقيل بين أنتوني جوشوا وأولكسندر أوسيك في جدة في أغسطس/آب.
وقال إنفانتينو عن "السوبرليغ" الإفريقي الجديد في أكتوبر/تشرين الأول: "الرغبة قوية للاستثمار في هذا المشروع، وسيمنح كرة القدم الإفريقية رؤية جديدة. ونمو الأندية الإفريقية والمنتخبات الوطنية يساهم في نمو كرة القدم العالمية. وهذه المنافسة ستفيد جميع البلدان، لا فقط من مدفوعات صندوق التضامن، وإنما من خلال عرض كرة القدم الإفريقية للعالم أيضاً".
الفيفا تدعم السوبرليغ في إفريقيا وترفضه في أوروبا
تبدو مواقف السويسري جيوفاني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم متضاربة تجاه مشروع إنشاء دوري السوبر الإفريقي أو "السوبرليغ الإفريقي"، في الوقت الذي رفض إقامتها بالقارة الأوروبية.
وكان جيوفاني وراء فكرة مشروع "السوبرليغ" واقتراحها على الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، مبرراً سعيه بـ"تطوير كرة القدم ورفع مداخيل الأندية".
الحديث عن إنشاء بطولة جديدة تحت مسمى "السوبرليغ" الإفريقي خرج للعلن لأول مرة على أرضٍ إفريقية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث استغل جيوفاني رئيس الفيفا، مشاركته في ذكرى مرور 80 عاماً على تأسيس نادي "تي بي مازيمبي" الكونغولي بمدينة لومومباشي، للحديث عن مشروع يراوده، يهم إطلاق دوري إفريقي يضم أفضل الأندية في القارة.
ولم يكتفِ رئيس الـ"فيفا" بذلك، بل كشف عن الخطوط العريضة لهذا المشروع الجديد، إذ قال: "سنضع أفضل 20 نادياً في إفريقيا في بطولة تُشبه الدوري، وهو ما قد يُحقق عائدات مالية قد تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، على مدار دورة مدتها خمس سنوات، وستكون ضمن أفضل عشر بطولات حول العالم".
إصرار إنفانتينو على إطلاق المشروع جعله يعاود الحديث عنه بعد أشهر قليلة بالعاصمة المغربية الرباط، على هامش الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، شهر مارس/آذار 2020، إذ استغل رئيس الاتحاد الدولي هذا الحدث، من أجل تعداد محاسن البطولة الجديدة، وعرض الفوائد الرياضية والمالية التي ستعود بها على الكرة والأندية في القارة السمراء.
مقترح جيوفاني وافقه عليه رجل الأعمال الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، والمرشح الذي دعمه رئيس "فيفا" وحشد الدعم والتوافقات حوله، لضمان صعوده لقيادة الهيئة الرياضية الإفريقية، وأيضاً لضمان تطبيق مشروع "سوبر ليغ" بإفريقيا.
الفيفا يرفض السوبرليغ في أوروبا
مباشرة، بعد إعلان 12 نادياً أوروبياً تنتمي لدوريات إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا، أبريل/نيسان 2021، عزمها إطلاق دوري "سوبرليغ" في أوروبا، سارع الفيفا إلى التصدي للمشروع بشراسة بلغت حد تهديد الأندية المعنية بعقوبات، ما تسبب في تقسيم الأندية الأوروبية بين مساند للفكرة ورافض لها، خاصة أن الأندية التي وقفت خلف المشروع ترى فيه طوق نجاة من الأزمة المالية، التي خلفتها تبعات فيروس كورونا على النشاط الرياضي في القارة.
من جهته، وصف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، المشروع بـ"الانفصالي"، ولوح بحرمان الأندية صاحبة المبادرة من المشاركة في دوري أبطال أوروبا، بل ومنعها من المشاركة في دورياتها المحلية.
الفيفا أيضاً، في شخص رئيسه إنفانتينو جيوفاني، ساند موقف الاتحاد الأوروبي بشدة، وانتقد إنشاء هذا الدوري، إذ قال جيوفاني إن "على الأندية الداعية إلى إطلاق مسابقة "السوبرليغ" الأوروبي تحمّل عواقب قراراتها، ونحن داخل الاتحاد الدولي لا يمكن لنا إلا أن نعارض بشدة إنشاء دوري السوبر، إنه دوري مغلق، وانشقاق عن الهيئة الحالية".
وأضاف المتحدث "من واجبنا حماية نموذج الرياضة الأوروبية، وبالتالي إذا قررت مجموعة ما الذهاب في طريقها يتعين عليها تحمل عواقب خياراتها".
المال يصنع المواقف
التناقض الذي ميّز مواقف رئيس الاتحاد الدولي تجاه السوبرليغ بين إفريقيا وأوروبا ليس موقفاً عاطفياً من إنفانتينو، أو خوفاً على قيم الروح الرياضية والتنافس العادل بين جميع الأندية، فرئيس الفيفا لم يعارض إطلاق البطولة الجديدة في أوروبا، إلا لأن الاتحاد الأوروبي لن يكون مشرفاً بشكل مباشر عليها، وبالتالي لن يتحكم في الإيرادات والمداخيل المالية التي ستجنيها الأندية من وراء الـ"سوبرليغ".
إدريس عبيس، الخبير في التحليل الرياضي، يرى أن موقف الرفض في مقابل الدعم للبطولة ذاتها في قارتين مختلفتين من قبل جيوفاني له منطلقات اقتصادية محضة، وأن رئيس الفيفا كان سيدعم ويرحب بالسوبرليغ الأوروبي لو كان الاتحاد الأوروبي للعبة هو من سيُشرف على تنظيم المنافسات، تماماً كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الإفريقي، الذي سيكون المسؤول -تحت مظلة الاتحاد الدولي- عن المسابقة الجديدة.
وقال عبيس في تصريح لـ"عربي بوست" إن "خبراء الاقتصاد الرياضي توقعوا أن الأندية الأوروبية، التي طرحت فكرة إنشاء الدوري، كانت ستجني 3.5 مليار يورو (4.19 مليار دولار) في الموسم الواحد، عبر شركات الإعلان والنقل التلفزيوني، الذي يستهدف حوالي 4 مليارات مشجع لكرة القدم عبر العالم".
وأضاف: "كانت أندية مانشستر يونايتد، ومانشستر سيتي، وليفربول، وأرسنال، وتشيلسي، وتوتنهام، وريال مدريد، وبرشلونة، وأتلتيكو مدريد، وإنتر ميلان، ويوفنتوس، وميلان ستحصل على حصة الأسد منها، وبطبيعة الحال لن يجلس مسؤولو (يويفا) و(فيفا) مكتوفي الأيدي وهم يرون أموالاً طائلة تمر عبر قنوات ليس لهم حق التحكم فيها".
واعتبر عبيس، الذي شغل منصب مدير فني للعديد من الأندية في المغرب وتونس والسعودية والإمارات، أن "إقامة دوري السوبر الإفريقي تحظى بدعم رئيسي الاتحادين الإفريقي والدولي، لأنه سيُجرى تحت إشرافهما، وستكون لجانهما الجهة المخولة بالمفاوضات مع الشركات والقنوات التلفزيونية، وستستفيد من مداخيل مهمة، بينما توزع مبالغ أقل أهمية على الأندية الإفريقية التي ستكون (أحصنة سباق) داخل هذا الدوري الجديد".
– أجزاء من هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.