إن كنت أحد محبي كرة القدم فأنا أتحدث عما يشبه ميسي ورونالدو، وإذا كنت من محبي التنس فالأمر يشبه رافاييل نادال وروجر فيدرر، وإن كنت تقضي وقتاً في مشاهدة كرة اليد فأستطيع تشبيه الأمر بتقريبه للازروف أو ميكيل هانسن.
في حال طلبنا من الذكاء الاصطناعي أن يدمج لنا كل تلك الأسماء ويصنع لنا لاعباً متكاملاً لكرة السلة، فمهما حدث لن يصبح هذا اللاعب أفضل من "ليبرون جيمس"، ملك كرة السلة.
قد يختلف عشاق لعبة كرة السلة في مقارنةٍ مشهورة؛ من الأفضل هل ليبرون جيمس أم مايكل جوردن؟ فنحن نتحدث عن حقبتين مختلفتين في تاريخ اللعبة، ولكن يظل الرقم القياسي كأفضل مسجلٍ في تاريخ الدوري الأمريكي للمحترفين هو "ليبرون جيمس"، الذي استطاع كسر الرقم القياسي لـ "كريم عبد الجبار" أمام عينه بتحقيق رقم الـ 38 ألفاً و387 نقطة، الذي ظل صامداً منذ عام 1984 قبل ولادة "ليبرون" بـ 6 أشهر وحتى فبراير عام 2023 عندما استطاع "ليبرون جيمس" كسر الرقم أثناء مشاهدة "كريم عبد الجبار" له في المدرجات.
في ذلك اليوم وصل سعر التذكرة الواحدة لمشاهدة تلك اللحظة الأسطورية 75 ألف دولار أمريكي في رقم قياسي وسابقة لم يسبق لها، تحدث من قبل.
ما يقدمه "ليبرون" لا يقتصرُ أبداً على تسجيل الكرة في السلة، وإنما ما يجعله أحد أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة هو قدرته الخارقة على قراءة الملعب والخطط الهجومية للخصوم، فمعدل ذكاء "ليبرون" يفوق أي لاعب كرة سلة في العصر الحالي فصاحب الثمانية والثلاثين عاماً يفوق الجميع بقدرته وفهمه الشامل لكرة السلة، وما يقدمه داخل الصالة المغلقة يصبح أكثر رعباً يوماً بعد يوم.
خصوصاً إذا حاول أحدٌ استفزاز الوحش والتشكيك بقدراته، فهو يعد إحدى النوادر في كرة السلة إن لم يكن الوحيد الذي يستشهد به في قدرته على اللعب في خمسة مراكز مختلفة، وقدم ذلك في لحظاتٍ مختلفةٍ في مسيرته التي استمرت أكثر من 18 عاماً.
نشأت ليبرون جيمس
في أكرون بولاية أوهايو عاش ليبرون مع والدته صاحبة الـ16 عاماً في تربية قامت بها الأم منفردة دون وجود أب، عاش في وسط المخدرات والقتل والجرائم والأسلحة، ولكنه فضل أن تكون حربه بكرة السلة.
اكتشفه مدرب كرة قدم للشباب يدعى فرانك ووكر وأعجب ببنيته وبقدرته البدنية والجسدية، وقام بإقناع والدته غلوريا بأن ليبرون يجب عليه أن يتجه لكرة السلة، وأقنعها أيضاً بالسماح له بالعيش معه في بيته وسط عائلته.
مع بلوغ ليبرون جيمس سن الثانية عشرة بدا مبهراً لجميع من يراه وخاطفاً للأنظار بمدى فهمه للعبة كرة السلة وارتفاع معدل ذكائه عن باقي أقرانه، ومن ثم بدأ التحدي باختيارٍ صعب حينما اختار مدرسة "فانسنت سانت ماري" الثانوية، فلم يكن الأمر سهلاً لأحد أصحاب البشرة السمراء في وسط مدرسةٍ عرفت بالبيض في ذلك الوقت، ولكن كان ذلك الاختيار سبب تعرفه على شريكة حياته ووالدة أطفاله "سافانا برينسون".
حينما وصل لثمانية عشر عاماً تأهل ليبرون إلى الدرافت كأصغر لاعبٍ استطاع ذلك في التاريخ، واختار فريق ولايته "كليفلاند"، وبسبب أدائه في "الدرافت" وقبل أول مباراة رسمية جذب أنظار شركات الدعاية وبدأت معه "نايكي" رحلتها بعقد وصل إلى 90 مليون دولار أمريكي.
في بداية مسيرته كان سوء الحظ يرافقه فخسر نهائيين؛ أحدهما مع "كليفلاند"، والآخر مع "ميامي هيت" فريقه الثاني، حتى استطاع الفوز به مرتين موسم 2011-2012 ثم 2012-2013 مع ميامي، فما كان "ليبرون جيمس" إلا أن يعود ليرفع اللقب مع فريقه الأصلي "كليفلاند" موسم (2015-2016) في أفضل تتويجٍ لمسيرته، بعدها كان "الليكرز" هم وجهته الجديدة والتحدي الجديد الذي استطاع معهم الفوز باللقب مرة واحدة في موسم (2019 – 2020)، وما زال الملك في انتظارٍ لقبٍ قد يكون الأخير له قبل الاعتزال.
"إن كنت ذاهباً للحرب اصطحب ليبرون جيمس معك"
إن أخبرت أي أحدٍ منذ أسابيع أنك تتوقع وصول الليكرز إلى نهائي المنطقة الغربية حتماً سيصفك بأنك لا تفقه شيئاً في كرة السلة.
ليبرون هو اللاعب الوحيد الذي يمكنه الوصول بفريقٍ تأهل لمرحلة "البلاي أوفس" في المركز السابع وبصعوبةٍ شديدة إلى فريقٍ مرعبٍ يتغلب على "الواريورز" حامل اللقب ويتحول لوحشٍ كاسر يتأهل لنهائي المنطقة الغربية الأمريكية، ففي المباراة الحاسمة أمام "الواريوز" استطاع "الكهل" كما يصفه كارهوه تسجيل 30 نقطة والقيام بـ 9 ريباوند والصناعة 9 مرات ليكون نجم اللقاء دون منازع.
نفس تلك النسخة من ليبرون جيمس كانت توصف بأنها الأضعف في مسيرته بعد عودته من إصابة أبعدته عن مستواه المعتاد، ومع عدم حصوله على أي صوتٍ في ترشيحات أفضل لاعب للموسم الحالي، لم يتوقع أحد أن تلك النسخة قد تصل بـ "الليكرز" بعيداً، ولكن مع ليبرون كل شيء ممكن فهو الفائز بالدوري لأربع مرات وأحسن لاعب في الموسم لأربع مرات فمن أفضل منه ليعرف من أين تؤكل الكتف؟!
ليبرون جيمس والاستمرارية المرعبة
الذي يجعل ليبرون في القمة بعيداً عن أي أحدٍ آخر هو في المقام الأول الاستمرارية طوال تاريخه عاماً بعد عام، وحصوله على جوائز فردية وجماعية وتحطيمه للأرقام التاريخية بشكلٍ متواصل دون انقطاع كل موسم تقريباً.
"ليبرون" يعد مثالاً حياً على نموذج وحش التدريبات الذي لا يهدأ ولا يتوقف عن التطور ومحاولة تقديم كل ما يمكنه تقديمه؛ ليترك تاريخاً يستحيل نسيانه إذا حانت لحظة الاعتزال في أي وقت، وقدرته على الحفاظ على جسده ولياقته في حالة بدنية ممتازة بإصاباتٍ معدودة؛ مما مكَّنه من الاستمرار داخل الملعب لأكبر وقت ممكن، وهذا ما أعطاه أفضلية تحقيق رقمٍ ضخم كأفضل مسجلٍ في تاريخ كرة السلة الأمريكية، واختياره ضمن فريق النجوم العالميين لـ19 مرة عبر التاريخ وضمن الفريق الدفاعي الأفضل لـ6 مرات كل ذلك كان السر فيه الاستمرارية المرعبة لملك كرة السلة الأمريكية "ليبرون جيمس".
إن المنافسة في أصعب دوري كرة سلة في العالم ليست بالأمر السهل، فملايين لاعبي كرة السلة حول العالم قد يعد أكبر أحلامهم إحراز نقطتين فقط داخل صالات الولايات المتحدة.
لكن "ليبرون جيمس" لم يكتفِ بهذا فحسب، وإنما استطاع الوصول لمرحلة النهائيات 10 مرات، وفي كل مرة كان يفوز بجائزة أفضل لاعبٍ في النهائيات حتى في المرات التي لم يستطع فيها الفوز باللقب، حيث فاز باللقب أربع مرات مع ثلاثة أنديةٍ مختلفة.
تلك الصلابة النفسية والتركيز الذهني على مدار كل تلك الأعوام ليس بالأمر السهل، فداخل جينات "ليبرون" هنالك بطلٌ لا يقبل إلا الفوز ولا يقبل إلا المنافسة بشراسة دون تهاون.
لن تكون مثل تلك النتائج إلا إن كانت مبنية على عمل جادٍ وتضحياتٍ نادراً ما تقدم من لاعبي كرة السلة، خصوصاً الأمريكيين.
ليبرون جيمس أكثر من مجرد لاعب سلة
قيمة "ليبرون جيمس" أصبحت أكبر بكثير من مجرد كونه لاعب كرة سلة، بل إنه أصبح أحد أهم المؤثرين داخل أمريكا، ودائماً ما يستخدم شهرته وحساباته على منصات التواصل لدعم القضايا الاجتماعية والوقوف ضد العنصرية، وكان من أحد المروجين لأهمية استخدام حق التصويت في الانتخابات الأمريكية.
بل تعد مؤسسة "ليبرون جيمس الخيرية" من أهم المؤسسات الخيرية داخل أمريكا؛ حيث ساهمت بالعديد من المشاريع الخيرية العملاقة، فافتتح عدة مدارس ومجمعات سكنية ومستشفيات في مسقط رأسه "أوهايو"، وكان من أهم أهدافه رفع المستوى المعيشي للأطفال والشباب بتقديمه أيضاً العديد من المنح الدراسية لرفع الجودة المجتمعية.
ليبرون اللاعب وليبرون صاحب الأعمال الخيرية ويوجد ليبرون رجل الأعمال الضخم الذي يعد أحد ملاك نادي ليفربول الإنجليزي، وأحد أهم المستثمرين فيه، كما أنه من أكثر الرياضيين دخلاً في العالم؛ بسبب ما يقدمه من دعاياتٍ لأهم الشركات العالمية وكونه من أهم الوجوه الرياضية في التاريخ.
ليبرون جيمس لديه في مسيرته الرياضية أكثر مما يمكن للاعب كرة سلة أن يحلم به، استطاع أن يكتب اسمه في سجلات اللعبة للأبد، وأن يسجل كقدوة لكل اللاعبين بتحقيقه لكل شيء داخل أمريكا وبكونه بطلاً أولمبياً مع المنتخب الأمريكي في أولمبياد 2008 و2012، أصبح بطلاً قومياً ورمزاً للولايات المتحدة الأمريكية.
على الرغم من ذلك فهو يقدم إعجازاً في قدرته على المواصلة والطمع في المزيد والمزيد من الإنجازات دون شبعٍ أو مللٍ أو إحساسٍ بأنه أنهى كل شيء، فإن ملك كرة السلة ما زال لديه الكثير، ولا بد أنه يستحق منك السهر حتى ساعات الفجر المتأخرة لتشاهده قبل أن يفوت الأوان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.