نهاية رجل شجاع أو تكاد أن تكون كذلك، هكذا وُصفت من البعض، واستلذ بها البعض الآخر في منافسة المقارنات، وأحجية الأفضل في العالم، هي خطوة رأى فيها الكثير أنها عودة إلى الوراء، ولرُبما تجاوز وصف بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك، نهاية لا تليق بحجم نجم أضاء في سماء الكرة العالمية، ونقش على جنباتها رموزاً ستظل خالدة في دفاتر كرة القدم قاطبة، وليس في القارة العجوز وأعتى دورياتها.
كريستيانو رونالدو الهدّاف التاريخي لدوري أبطال أوروبا وهدّاف ملوك مدريد الأسطوري، وسمِّ ما شئت من أجود الألقاب وأحسنها، ينتقل إلى نادي النصر السعودي، صدمة هي أو تكاد أن تكون كذلك لثُلّة اعتادوا رؤية فتى البرتغال وفارس شبه الجزيرة الإيبيرية، في مصاف أقوى أندية العالم، وفي نُخبة البطولات وأكبرها قيمة وقدراً.
ولكن بالعودة إلى ما قبل هذه الخطوة، وما دفع نجم بحجم رونالدو أن يسير في درب يعلم ما فيه من قبل أن يُقدم عليه، الانتقادات والهجوم اللاذع والمقارنات الظالمة أو هكذا رآها هو ومن خلفه من قد شغفهُم حُباً.
سيناريو خيطت تفاصيله بأدق المعاني المؤلمة لنجم سطع به ومعه اسم البرتغال على الساحة العالمية وكان من يعتمد عليه في الحسم والظفر والتتويج بألقاب البطولات داخل الأندية التي مثلها لاعباً في صفوفها وقائداً في الأوقات العصيبة.
المرحلة الأسوأ في مسيرة رونالدو كما وصفها هو ذاته، كانت العودة إلى النادي الذي يدين له كريستيانو بالفضل في بزوغ نجمه ورفعة قدره، مانشستر يونايتد المنزل الذي ترعرع فيه وتعلم فنون الكرة وخباياها، ولكن رغم أن النادي هو ذاته لكن كل شيء قد تغير، فيرغسون الأمس هو تين هاغ اليوم، الرفاق روني وسكولز وغيغز وروي كين وغاري نيفيل ومن خلفهم جدار هولندا فان دير سار، هو ليسوا ذاتهم اليوم، مع مرور الوقت والسنوات، عاد رونالدو بثوب فارس الأمس ولكنه لم يجد ذاته وأضاع المسير، رغم تألقه في بعض المباريات ونجاحه في حسم أخرى، إلا أنه لم يتأقلم مع البيئة الجديدة، ولم يجد فيها ما يسره، بداية من الانتقادات الحادة لبعض الجماهير والتي امتد أثرها إلى داخل أروقة النادي، فبات الجهاز الفني والإداري يمتعض تارة ويرمي بثقل مساوئه على رونالدو وما يفعل.
الحرب التي شُنت ضد كريستيانو امتدت إلى المنتخب البرتغالي، وما جعل نيران مانشستر تتفاقم هو خروج رونالدو في تصريح صبّ فيه جام غضبه على إدارة مانشستر يونايتد والتي اتهمها بسوء التدبير داخل النادي، وفشلها في تحسين هيئة الشياطين محلياً وقارياً، ليكون رد الفعل قاسياً فيما بعد، مع بداية المونديال العالمي في قطر، بدأت الصحف تكتب والأقلام يسيل حبرها ضد كريستيانو رونالدو، فكل صغيرة تصبح كبيرة، وكل ذي ناب ومخلب أوغل في الانتقاد وأنزل بنجم البرتغال منازل لا تليق بحجمه، ضغط من الصحافة ونتائج لم تكن على المستوى، أمور أثقلت كاهل مدرب المنتخب البرتغالي سانتوس، والذي لم يستطع حمل وزرها، فذهب إلى الحل الأسهل له، وهو التضحية برونالدو مقابل إعفائه من تحمّل مثل هذا الهجوم، موقف غابت فيه شخصية المدرب وقوتها، وموقعة أدار فيها سانتوس ظهره لصانع مجده وتألقه، فإذا كان بيب غوارديولا يدين لميسي بالفضل في لمعان بريقه كمدرب، فهُنا سانتوس لم يكن ليُعزف على الساحة العالمية لولا توهج رونالدو مع سيليساو أوروبا.
انطوت صفحة المونديال ومغادرة ديار مانشستر يونايتد، الكُل كان ينتظر الوجهة القادمة لكريستيانو، ورغم التسريبات من هنا وهناك ولكن لم يكن أحد يصدق، فالجمع انقسم إلى شطرين أحدهما مُحب يرتجي عودة تاريخية لريال مدريد، وآخر غاص في التحليل والتفسير في رفض رونالدو الذهاب إلى النصر استناداً إلى دراسة شخصية اللاعب أو هكذا رأى.
ومع بروز أولى الصور بات مستحيل الأمس واقع اليوم، رونالدو في تحدّ جديد على من اعتاد خوض التحديات، البرتغالي يرتدي ألوان النصر السعودي، خطوة لها ما لها وعليها ما عليها، الإيجابيات كثيرة والسلبيات كثيرة، وما بينها داعم لهذه الخطوة وآخر معارض لها وفق هواه.
رونالدو مع النصر وجد الدعم الذي يحتاجه وهو في تلك المرحلة، أمر ساهم في سرعة تأقلم الدون مع الأجواء المختلفة كلياً عما اعتاده، ولكن ما تحصل عليه هو ما كان المبتغى، التعويض عن هُجران الرفاق وإنكار الفضل، على حد وصفه، والقيمة الخيالية التي لا يُمكن أن تُرفض وهو بسن 37 ربيعاً، فالمبلغ 200 مليون دولار أميركي.
الانسجام هو ما يبدو على ملامح رونالدو في الوقت الحالي، وعودة الروح إليه أعادت المستوى التهديفي العالي ليس مع النصر فقط، بل مع المنتخب البرتغالي كذلك، حيث أصبح عميد اللاعبين عالمياً كأكثر من خاض عدداً من المباريات مع منتخبه 197 مباراة متفوقاً مع النجم الكويتي بدر المطوع، أرقام تُكسر وأخرى تُصنع، أمر ليس بمستغرب من رونالدو، فهذا ما اعتاد عليه متابعو كرة القدم سواء المحبون أو الكارهون.
فصل داخل قصة لاعب أو تكاد أن تكون واحدة من أعظم ما سردت أروقة كرة القدم في التاريخ، وتفاصيل لنجم يواصل التوهج في وقت اعتقد فيه الكثير أُفُول وميضه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.