نعرف جميعاً من هو "رودري"، لاعب وسط مانشستر سيتي الإنجليزي، نعرفه من خلال ما يقدمه من أداء لافت في أرض الملعب، وتأثيره الكبير على فريقه.
لكن ربما لا نعرف كيف وصل إلى ما وصل إليه من شهرة وألقاب؛ والحقيقة أن "رودريغو هيرنانديز كاسكانتي" المُلقب بـ"رودري"، له قصة غريبة كإنسان وكلاعب.
نشأة رودري
وُلد رودري في العاصمة الإسبانية مدريد، وكانت فرصة انضمامه لأي قطب من قطبي العاصمة كبيرة، خاصة في صغره حينما بدأ ممارسة كرة القدم، وقد تراه محظوظاً لأنه لم يُعانِ كثيراً حتى وصل فعلاً، ربما هي سنة واحدة التي فصلت بينه وبين أن ينضم لفريق الشباب في صفوف "أتلتيكو مدريد".
في تلك السنة، لعب رودري في صفوف رايو ماخاداوندا، ثم أصبح لاعباً في صفوف شباب أتلتيكو مدريد لمدة تصل إلى 6 سنوات، لكن قبل أن يحصل على فرصة للوصول إلى الفريق الأول، كان جسده هو العائق الوحيد.
رفضوه في أتلتيكو مدريد؛ لأنهم ظنوا أن بنيته الجسدية لن تكون كافية لتحمل القوة البدنية المفرطة التي يتمتع بها لاعبو الفريق الأول، وخرج من "أتلتيكو مدريد" ليجد مكاناً يناسبه في صفوف شباب "فياريال".
في عمره، كان رودري سلاحاً يستفيد منه فريق الشباب لـ"فياريال"، وأيضاً الفريق الأول، وفي "فياريال" لم يهتموا كثيراً بجسده، بل اهتموا أكثر بما يقدمه وإمكاناته.
على مدار 3 سنوات، قدّم خلالها رودري كل الضمانات الممكنة لضمه للمنتخب الإسباني للشباب والمنتخب الأول أيضاً، كان في إسبانيا يُلقب بأنه خليفة "سيرجيو بوسكيتس" لاعب وسط برشلونة؛ من شدة التشابه بينهما في الأسلوب، وأيضاً في البنية الجسدية، التي توحي بعض الشيء بالضعف!
ولسبب لم يفهمه أحد، ولا حتى "رودري" نفسه، يُقدم أتلتيكو مدريد عرضاً لضمه لصفوف الفريق الأول من جديد في عام 2018، وهو الذي رفضه لضعف بنيته الجسدية، ورغم اختلاف أسلوبه عن أسلوب لعب "أتلتيكو مدريد"، إلا أن رودري أضاف شيئاً فريداً لأسلوب فريقه، ومن بعيد كان "بيب غوارديولا" مدرب كرة القدم في مانشستر سيتي يراقبه ويتودد إليه.
وبالفعل، في عام 2019، وجد الإسباني ضالته في إنجلترا، ويُغادر إسبانيا كلها ليلعب في فريق يضم كوكبة كبيرة من النجوم، ومنذ ذلك الحين فعل رودري كل ما كان في وسعه لكي يحجز مقعداً أساسياً في صفوف مانشستر سيتي.
وأصبح مانشستر سيتي معه يمتلك سلاحاً رائعاً يُنفذ بالحرف ما يحتاجه العقل المدبر في الخارج؛ "بيب غوارديولا" المدير الفني لنادي مانشستر سيتي.
رودري لاعباً نحب أن نراه وننتظره
"أنا إنسان عادي للغاية، لا شيء أكثر، كبشر من الضروري أن تظل أقدامنا على الأرض!" تصريحات سابقة لـ"رودري".
لقد كان "رودري" لاعباً نحب أن نراه وننتظره، لكن هل لاحظنا من قبل أنه لا يضع صوراً له في أي مكان؟
هل لاحظنا أن رودري لا يتكلم كثيراً؟ هل لاحظنا أن رودري لا تتوفر عنه أية معلومات يمكننا التوغل من خلالها في حياته الشخصية؟
الإجابة القاطعة: لا.
ربما لأن "رودري" نفسه تصرف بصورة عادية للغاية، ولأنه أراد لحياته أن تكون هكذا؛ لا يحب أن يتحدث عن نفسه، ولا حتى أن يكون بؤرة اهتمام.
منذ الصغر، تعلم رودري شيئاً ثميناً من والديه؛ أن يتعلم، وأن يصبح لاعباً رائعاً، وأن يجمع بين كونه إنساناً يحبه الناس، ولاعباً يستمتعون بمشاهدته!
"رودري"، ما زال يتعلم ويركز على الحياة المهنية، التي هي بعيدة تماماً عن أرض الملعب، وفي فترة من الفترات، كان يبيت في المدينة الجامعية، ولم يستأجر سكناً ليكون قريباً من محاضراته ولا يُفوتها!
رودري لا يهتم كثيراً بالأموال الطائلة التي يمكن جنيها من وراء لعبة كرة القدم؛ فتجده في مرحلة من حياته، كان يركب سيارة من الطراز القديم، والسيارة كانت مستعملة، اشتراها من امرأة مسنة أرادت بيعها.
على عكس معظم النجوم، لا يعتقد رودري بأن عليه التباهي والتفاخر بما يمتلك، وظل لفترة طويلة على رأيه، بأنه لا يريد أن يركب سيارة فارهة، رغم نصيحة بعض المقربين منه بأن يُنفق بقدر ما يأخذ.
ثم إن رودري لم يتغير، سواء كان مشهوراً أم لا، تعلم من أسرته أن يخدم نفسه بنفسه، ففي فترة دراسته يطبخ لنفسه، ويسكن في غرف متواضعة، ويحضر محاضراته بصورة منتظمة، حاله حال معظم أقرانه.
لكنه اعترف أنه لم يتمكن أبداً من مجاراتهم من ناحية الدرجات؛ لأنهم يتفرغون بالكامل للدراسة، على عكسه، يهتم أيضاً بممارسة مهنته ويُقدم فيها أفضل نسخة منه.
ليس الصعب في كرة القدم أن تُقدم ما يُعجب الناس فحسب، بل أيضاً فترات التدريب وما يتبعها من فترات الراحة والتغذية الصحيحة، كل هذه الأمور يضعها رودري في حسبانه، ويهتم بها ولا يغفلها.
في مرة من المرات، ظهرت بعض الصور له يحمل تحت ذراعيه كرات أثناء التدريبات، وفي الناحية الأخرى كان يحمل كتباً للدراسة.
كونه لاعباً في صفوف مانشستر سيتي، لم يمنعه من أن يحصل على درجة "البكالوريوس" في إدارة الأعمال والاقتصاد، وما زال شغفه قائماً ولم ينسحب من أحلامه، أن يصبح إنساناً جيداً بقدر ما يكون لاعباً جيداً.
ربما لهذه الدرجة من الانضباط، لم نفكر أبداً أين هي حسابات رودري على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أين يضع رودري صوره، وأين يُشارك جمهوره حياته اليومية؟
في الحقيقة "رودري" لا يمتلك حساباً على أية منصة، ولا يضع الوشوم، ولا توجد معلومات عن صديقة أو زوجة في حياته، معظم تفاصيل حياته الشخصية لا أحد يعرفها من شدة انضباطه وحرصه على التفاني في العمل.
وما زالت رغبة أسرته تلاحقه؛ بأن يتعلم أكثر وأكثر، وأن يُنمي مهاراته الحياتية بقدر ما يفعل داخل الملعب.
في هذا الصدد، رودري هو أحد أولئك الذين لم تشغلهم كرة القدم عن الحياة الطبيعية لأي أحد منا، وكأنه يخلف "جورجيو كيلليني"، المدافع الإيطالي التاريخي، في حب الكرة، وأيضاً التخصص في مجال يُمكنه الاستفادة منه بعد أن يعتزل كرة القدم.
هذه في الأساس هي فكرة "رودري"، أنه سيتفرغ بعد الاعتزال إلى الحياة العادية، ولا بد من أن يتعلم مهارات حياتية تساعده في التعامل مع ما بعد الاعتزال.
يمتلك "بيب غوارديولا" المدير الفني لنادي مانشستر سيتي لاعباً بعقلية رائعة في فريقه، فهو لاعب يصلح لأن يلعب في خط الوسط، وسيُقدم ما يتوقعه منه، ويمكنه أن يلعب دوراً إدارياً في المستقبل يُساعد فريقه في الظفر بالصفقات أو حتى إدارة ممتلكاته!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.