"من شدة الفقر، لم يكن لدينا طعام يكفي لأسرتنا بالكامل، أتذكر أنني كنت آكل الباستا مع المايونيز لسد شهيتي، كانت الظروف صعبة لدرجة أن أمي دفعت ثمن حذائي على أقساط تصل إلى 8 أشهر؛ والآن أنا أمتلك عقداً مع شركة NIKE".
اسمه بالكامل هو: رونالد فيدريكو أراوخو دا سيلفا
القصة تعود إلى ريفييرا، وهي منطقة على حدود السواحل البرازيلية، ربما الآن فهمنا لماذا ينتهي اسم عائلته بـ"دا سيلفا"، حينما وُلد؛ فإنه وُلد لعائلة أوروغويانية فقيرة، حالها حال معظم سكان الأوروغواي وأمريكا اللاتينية بالكامل.
لم تبحث الأسرة عن الصورة الراقية، بل بحثت عن أبسط الحلول الممكنة لتربية الأبناء، فأدرجوه في المدارس الحكومية ليتعلم مجاناً، ثم فكروا له في طريقة يتحول من خلالها إلى ما يحلمون به.
بسبب الحالة المادية الصعبة؛ خرجت الأم للعمل لتساعد زوجها، وعملت في أكاديمية هوراكان للفئات السنية، كانت تبيع المخبوزات هناك، التي بالكاد تُساعد في عائد مادي جيد.
وفي يوم من الأيام، وبعد أن تضخمت الفكرة لديها، قررت أن تطرحها على زوجها: لماذا لا نضع رونالد في أكاديمية هوراكان؟ ويصبح واحداً من هؤلاء الفتيان الذين يتعلمون أساسيات كرة القدم هناك.
لم يرفضها الوالد، بل رحّب بها فعلاً، وبدأت الرحلة الطويلة من محطة هوراكان، وسرعان ما وصله عرض لا يُقاوم من بينارول، أحد أكبر أندية الأوروغواي على الإطلاق، وكان العرض عبارة عن فترة معايشة يُقاس من خلالها مستوى رونالد أراوخو.
لكن، وكعادة هذه القصص، لم تفلح مساعيه في بينارول، وبعد أن تقدم خطوة كبيرة في مسيرته عادها أميالاً إلى الخلف، عاد إلى الأكاديميات والفقر والأحلام البسيطة في ريفييرا.
وبعد 3 سنوات تقريباً في ريفييرا، كانت الرحلة القادمة تتجه إلى أتلتيكو رينتستاس، هناك حدث أغرب شيء في القصة كلها؛ لقد تحوّل مركزه جذرياً!
نعم، لم يكن رونالد أراوخو كما نراه حالياً، ربما لأنه شغل مركز المهاجم حينها، وفي إحدى المباريات سجل هاتريك في شباك فيلا إسبانيول، قبل أن يختار له سيرجي كابريرا مركزه الجديد: مدافع.
رأى سيرجي كابريرا –الأب الروحي له- وهو مدربه أيضاً الذي يحبه رونالد كثيراً، أن طول قامته وضخامة جسده وسرعته، بالإضافة إلى مشاركاته المستمرة في سباقات الجري والماراثون، كلها عوامل ستسعفه للتعامل مع مركزه الجديد كمدافع، بعد أن استفاد منها في مركزه القديم كمهاجم.
رأى سيرجي كابريرا –الأب الروحي له- وهو مدربه أيضاً الذي يحبه رونالد كثيراً، أن طول قامته وضخامة جسده وسرعته، بالإضافة إلى مشاركاته المستمرة في سباقات الجري والماراثون، كلها عوامل ستسعفه للتعامل مع مركزه الجديد كمدافع، بعد أن استفاد منها في مركزه القديم كمهاجم.
كشافو برشلونة سمعوا به، وسافروا صوب الأوروغواي لمتابعة هذا الشاب الذي قيل في حقه ما قيل، ومع عودتهم إلى المدينة اصطحبوه من بلده إلى رديف برشلونة مرة واحدة، وتحول من شخص مرفوض في أكبر أندية الأوروغواي إلى لاعب أساسي في شباب برشلونة!
في برشلونة، لم تسر الأمور بأفضل حال في البداية، ولا حتى مع الفريق الأول حين تم تصعيده إليه؛ لأن الكرة في الأوروغواي ليست كتلك التي تُلعب في أوروبا، والكرة في برشلونة ليست كتلك التي تُلعب في أوروبا.
وأصبح رونالد أراوخو كالطفل الصغير، الذي بات بحاجة إلى تعلم كل شيء من نقطة الصفر، في برشلونة كان عليه أن يتأقلم على أسلوب لعب وفلسفة ثابتة لا تتغير، وطريقة الخروج بالكرة والتحرك في مساحات معينة.
حينما وصل تشافي إلى برشلونة، أشاد بشدة بدور أراوخو كلاعب استطاع دائماً أن يُشكل فارقاً كبيراً لصالح برشلونة، لكنه في المقابل لم ينكر أنه بحاجة إلى التحسن والتطور في بعض النقاط مثل: الخروج بالكرة والتحكم بها أيضاً.
من ينظر إلى رونالد أراوخو سيعتقد في بادئ الأمر أنه مُعار من فريق آخر؛ لأنه يلعب بأسلوب لعب مختلف كثيراً عن أسلوب برشلونة العادي، لكن الحقيقة أن أراوخو قد أضاف أسلوبه إلى أسلوب برشلونة فعلاً.
ورونالد هو مُتعلم جيد، يتفق مع تشافي في رأيه بأن عليه أن يتحسن في الكثير من النقاط الخاصة بتحكمه، وفكرة الخروج بالكرة، وهو ما لم يتعلمه في الأوروغواي؛ أي إنه تعود على أسلوب لعب تقليدي للغاية هناك: يستلم الكرة من الحارس وفوراً يُرسلها عالية للأمام، أما في برشلونة، فالأمر أكبر من هذه الفكرة.
ورغم أنه أتم عامه الرابع بعد العشرين، فإنه قائد برشلونة الفعلي في أرض الملعب، ويتضح ذلك من صرخاته وتوجيهاته وتعامله مع زملائه الذين يعتبرونه قائدهم رغم صغر سنه.
واعتمد عليه رونالد كومان في وقت حرج، بعد ثمانية البايرن التاريخية في سنة 2020، ودفع به أساسياً في أهم مباريات الموسم وأثبت أراوخو نفسه، ثم أتى دور تشافي ليعتبره ركيزة لا يمكن الاستغناء عنها في قوامه الجديد، المُتمثل في إعادة برشلونة التي يعرفها تشافي نفسه إلى الواجهة.
وغير مركزه تشافي من جديد، تماماً كما فعل سيرجي كابريرا سابقاً، وأصبح رونالد أراوخو هو المدافع والظهير، وفي بعض الأحيان المهاجم كسيرته الأولى بمركزه، فتراه موجوداً في كل شبر من الملعب؛ يُسجل بالرأس لصالح برشلونة، ويمنع هدفاً عن برشلونة، ويتواجد على الطرف وفي العُمق.
ببساطة، امتلاكه يعني أنك تمتلك لاعباً وقائداً في آن واحد.
مواقف لا تُنسى
لرونالد أراوخو مواقف كثيرة لا تُنسى، لكن أبرزها تمثل في رغبته الدائمة في الدفاع عن ألوان برشلونة، مهما كلفه الأمر من عناء.
– في الموسم الماضي قدّم دروساً في التفاني، حينما لعب مباراة السوبر الإسباني التي أُقيمت في العاصمة السعودية الرياض، والتي جمعت برشلونة بغريمه التقليدي ريال مدريد.
قبل تلك المباراة، غاب أراوخو عن الفريق بسبب عملية جراحية أجراها، قيل إنها ستتسبب في غيابه عن الفريق لأسابيع، لكن على عكس المتداول تفاجأت جماهير برشلونة به في قائمة الفريق، بل لعب أساسياً بجروح في يده لمدة 120 دقيقة كاملة، وكان أحد أبرز لاعبي برشلونة يومها.
– بعد 3 أشهر تقريباً، كان برشلونة يُنافس للحفاظ على المقعد الثاني خلف ريال مدريد في ختام الليجا الإسبانية، واستضاف ليلتها فريق سيلتا فيجو، خلال المباراة تعرض رونالد أراوخو لاصطدام شديد بلاعب من فريق سيلتا فيجو، لكنه نهض وحاول أن يتماسك ثم سقط أرضاً مغشياً عليه، واستدعى الأمر أن يتدخل الإسعاف لاصطحابه إلى المستشفى.
– يوم الثمانية في لشبونة أمام بايرن ميونخ، كان على مقاعد البدلاء أحد يافعي برشلونة، الذي تبدو على ملامحه كل أمارات الغضب، وهو الفتى الذي نهض من مقعده وظل يركله بعد كل هدف.
لم أكن أعرفه، ومع الوقت فرضت الظروف نفسها لظهوره، وبمرور الوقت أصبح ركيزة أساسية في الفريق وأفضل لاعبيه وأكثرهم حفاظاً على نفس النسق.
– في الكلاسيكو مؤخراً، حوله تشافي إلى ظهير لإيقاف خطورة فينيسيوس جونيور جناح ريال مدريد، وبالفعل لم يخذله الأوروغوياني أبداً في أية مرة، بل ولأربع مباريات كاملة لم يُسجل فينيسيوس ولم يصنع في رقابة أراوخو له، بل انتهت المباريات بنتائج كبيرة لصالح برشلونة: فوز في إطار الليغا 4-0، فوز ودي 1-0، وفوز في السوبر الإسباني 3-1، ومؤخراً فوز في ذهاب كأس الملك على أرض البرنابيو 1-0.
لقد فاز به برشلونة حقاً، وتحول معه إلى فريق يمتلك خط دفاع صلب يصعب اختراقه بسهولة، لا لشيء أكثر من أننا ننجذب للاعب الذي يشاركنا شعور حب الفريق، يلعب كل مباراة كأنها الأخيرة له، وكل مباراة كأنها نهائي المسابقة، لا يريد أن يخسر، في عقله..لا بديل عن الانتصار، مهما كانت السُبل إلى ذلك، هؤلاء، ينتمي إليهم رونالد أراوخو، قلب برشلونة النابض، وليس قلب دفاعها فحسب!
كان رونالد أراوخو، الفتى الذي أصبح من الصعب تخيل الفريق بدونه، لا لدوره فقط ولا لأسلوبه فحسب؛ بل لأنه أفضل رجل يمكن الوثوق به في اللحظات الحرجة وغيابه يعني خسارة فارس لا يُعوض.
هو ليس القائد، لا يرتدي الشارة التعريفية لذلك؛ لكنه يتقمص هذا الدور، يجيده لدرجة الإبداع.
رونالد أراوخو، الشاب البطل، واللاتيني الذي يُدافع عن برشلونة كأنها منزله، القائد بلا شارة؛ ببساطة هو رجل تصعب هزيمته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.