تستضيف السويد النسخة الـ29 من بطولة العالم لرياضة كرة اليد، وهي البطولة التي دخلت ابتداءً من 25 يناير/كانون الثاني 2023، مراحلها النهائية، إذ تخوض المنتخبات الثمانية المتأهلة من دوري المجموعات الدور الربع النهائي.
ويلاقي منتخب مصر، الممثل العربي الوحيد في هذا الدور، البلد المستضيف، ووصيف بطل النسخة الماضية منتخب السويد، في حين تواجه فرنسا منتخب ألمانيا، والنرويج تقابل إسبانيا، وتختم الدنمارك، حاملة اللقب، الدور بمواجهة منتخب المجر.
ويتساءل الكثير من عشاق اللعبة عن سرّ تفوق الدول الاسكندنافية في رياضة كرة اليد، وعن إنجازات العرب خلال البطولة الأهم في رياضة كرة اليد بعد منافسات الألعاب الأولمبية، وهذا ما يجعلنا نعود إلى تاريخ ظهور هذه اللعبة.
كيف ظهرت رياضة كرة اليد؟
رغم أنّ الشكل الحالي للعبة كرة اليد قد ظهر في العصر الحديث، لكنّ أصول هذه اللعبة ضاربة في عمق التاريخ، ويعتقد أنّ كرة اليد قد تطورت لتصل إلى الطريقة التي يلعب بها اليوم، وفقاً لـsportsmatik.
إذ تحتوي السجلات التاريخية على بعض الألعاب الشبيهة بكرة اليد في العصور القديمة، فمثلاً كان اليونانيون القدماء يلعبون لعبة "أورانيا"، التي وصفها هوميروس في الأوديسا، بينما كان يلعب الرومان لعبة "هاربا ستون"، والتي وصفها الطبيب الروماني كلوديوس جالينوس، ولعبة التقاط الكرة أو "catch ball game"، التي ظهرت في أغاني الشاعر الغنائي الألماني والتر فون دير فوجلويد (1170-1230)، والتي احتوت جميعها على ميزات معينة، يمكن وصفها بأشكال قديمة من كرة اليد.
أمّا النسخة الحديثة من كرة اليد فلم تظهر سوى مع نهاية القرن الـ19، وكان الفضل في ظهورها يعود إلى منطقة أوروبا الشمالية، وبالضبط الدنمارك والسويد وألمانيا.
في الواقع، كانت ثلاث ألعابٍ منتشرة في القرن الـ19، شبيهة بكرة اليد، هي هاندبولد، وهازينا، تروبال، وجميع هذه الألعاب كانت القاعدة الأساسية لظهور لعبة كرة اليد، وكانت بديلة لكرة القدم، التي كانت تكسّر زجاج نوافذ المدارس.
فبعد أن انتشرت هذه الألعاب في كل أنحاء أوروبا في وقت قصير، بدأ التفكير في تنظيم مباريات دولية، ولكن بسبب اختلاف قواعد كل لعبة، كان من الصعب تنظيم مباريات دولية، لذلك أصبح من الضروري توحيد القوانين والقواعد في اللعب.
يعود الفضل لوضع القوانين الأولى لرياضة كرة اليد إلى الدنماركي هولغر نيلسن عام 1898.
وقام الثلاثي كارل شيلينز، وماكس هيزر، وإيريك كوناي، في برلين سنة 1917 بتعديل هذه القوانين، وبعد سنة 1919 قام كارل شيلينز بتعديل القوانين وتحسينها مرة أخرى، واستعملت هذه القواعد التي قام بتحسينها لأول مرة في مباراة دولية للرجال سنة 1925 بين ألمانيا وبلجيكا، في حين لُعبت أول مباراة كرة يد دولية للنساء في عام 1930، بحسب handballaustralia.
تمت الاستعانة بملاعب كرة القدم لممارسة رياضة كرة اليد، مع وجود 11 لاعباً في كل فريق على أرضية الميدان، قبل أن يقلّص لاحقاً عدد اللاعبين إلى 6 لاعبين، إضافةً إلى حارس المرمى.
ودخلت كرة اليد إلى الألعاب الأولمبية في نسختها الـ13، التي أقيمت في برلين عام 1936، بصفتها رياضة استعراضية، قبل أن يتمّ إلغاؤها في النسخة المقبلة.
رغم ذلك تمّ تعويض إقصاء اللعبة من الألعاب الأولمبية بتنظيم بطولة عالمية كلّ أربع سنوات، بدءاً من عام 1938، في برلين، التي استضافت النسخة الأولى من المنافسات وفازت بها ألمانيا.
وبعد عام واحد على انتهاء الحرب العالمية الثانية، اجتمع ممثلون من ثماني دول في كوبنهاغن، عاصمة الدنمارك، وأُطلق الاتحاد الدولي لكرة اليد في 11 يوليو/تموز 1946.
ثم عادت للظهور مرة أخرى في ألعاب ميونيخ عام 1972، والتي عقدت أيضاً في ألمانيا، بينما شهدت نسخة مونتريال عام 1976 من الألعاب الأولمبية إضافة نسخة نسائية من اللعبة.
ومنذ انطلاق بطولة العالم لكرة اليد سنة 1938، تم تنظيم المنافسات كل أربع سنوات، باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية، ومنذ نسخة أيسلندا سنة 1995، تم تقليص المدة إلى سنتين.
كما ينظم الاتحاد الدولي لكرة اليد بطولات الناشئين، والتي تساعد اللاعبين الأصغر سناً على المشاركة، كان هذا مهماً للترويج لهذه الرياضة في العالم، فاعتباراً من عام 2022، أصبح يتبع للاتحاد الدولي لكرة اليد 209 اتحادات وطنية، والتي تتكون من حوالي 28 ألف ناد، و128 ألف فريق، وما يصل إلى 30 مليون لاعب.
لماذا تسيطر دول أوروبا الشرقية على بطولة العالم لكرة اليد؟
لعلّ السبب الأبرز الذي يفسّر سيطرة دول أوروبا الشرقية على رياضة كرة اليد، يعود إلى نشأة وأصل هذه اللعبة، التي ظهرت في الدول الاسكندنافية، وأسهمت هذه الدول في وضع قوانين اللعبة، وتحديد نطاق انتشارها، خصوصاً أن هذه الدول استحوذت على تنظيم تظاهرات اللعبة في سنواتها الأولى.
كما ساعدت إضافة كرة اليد إلى الألعاب الأولمبية في الترويج لهذه الرياضة، وجعلها أكثر شعبية، ففي عام 1972، عندما أصبحت كرة اليد جزءاً من الألعاب الأولمبية الصيفية، أصبحت كرة اليد شائعة في أوروبا الشرقية.
ورغم ذلك، نجحت فرنسا في وضع حدٍّ لسيطرة الدول الاسكندنافية على لعبة كرة اليد، خصوصاً في الـ20 سنة الأخيرة، إذا حصلت فرنسا على أكثر عددٍ من ألقاب بطولة العالم برصيد 6 ألقاب، 4 حققتها في آخر 7 بطولات.
وتمتلك دول أوروبا الشرقية 17 لقباً من أصل 28 بطولة، كما أنّ ألقاب بطولة العالم لم تخرج مطلقاً من القارة الأوروبية.
ووصلت شعبية كرة اليد في القارة الأوروبية إلى درجة قيام الاتحاد الأوروبي في عام 2003، بسك عملة تذكارية بقيمة 10 من اليورو لكرة اليد، للاحتفال بأولمبياد أثينا 2004.
ماذا عن إنجازات الدول العربية في بطولة العالم لكرة اليد؟
بعيداً عن السيطرة العربية على البطولات القارية، سواء في القارة الآسيوية بفضل المنتخب القطري والبحريني، أو في القارة الإفريقية بفضل الثلاثي المصري والتونسي والجزائري، فإنّ المشاركات العربية في بطولة العالم شهدت بعض النتائج التاريخية.
فقد نظمت الدول العربية بطولة العالم لكرة اليد في ثلاث مناسبات، وحققت في هذه المناسبات أفضل المشاركات، بدءاً من وصول منتخب العنابي للمباراة النهائية وحصوله على لقب الوصيف سنة 2015، وتحقيق منتخب تونس المركز الـ4 سنة 2005، في حين حققت مصر المركز الـ7 سنة 2021.
وتعوّل الجماهير المصرية والعربية على مشاركة مصر في مونديال اليد لسنة 2023، إذ نجح الفراعنة في بلوغ الدور الربع النهائي، وأمامهم مباراة صعبة أمام منتخب السويد، من أجل تحقيق الحلم المصري بالوصول إلى المربع الذهبي لأوّل مرة.