تعيش كرة القدم المصرية مشاكل عديدة، كلما تخرج من واحدة تدخل في الأخرى. بخلاف أزمات اللاعبين والحكام والأندية والخلافات العامة والشخصية، ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة سلبية جديدة بطلها هذه المرة المدربون والسماسرة مع أعضاء إدارات الأندية والمحيطين بهم.
تتعلق هذه الظاهرة بعملية تدوير مدربين بعينهم على كافة أندية الدوري المصري بشكل بات يثير الدهشة من كل متابعي البطولة المصرية الأعرق بالشرق الأوسط وإفريقيا.
فقد شهد الدوري المصري حركة تنقلات كبيرة للمدربين منذ الموسم الماضي والحالي، وأصبح مدربو البطولة "كعب داير" بين الأندية عبر الإقالة أو الرحيل لتدريب فريق آخر وهكذا، مثل لعبة الكراسي الموسيقية الشهيرة.
وأصبح الدوري المصري يدور في فلك عدة أسماء تدريبية خلال الفترة الأخيرة، ما زاد المشهد عشوائية أكثر، خاصة بعد تحول بعض المدربين من أندية لفرق منافسة لها بالدوري.
أرقام مذهلة من واقع الظاهرة
على سبيل المثال، شهد الدور الأول للموسم الماضي من الدوري المصري تغييرات في 13 فريقاً، بينما كانت هناك 5 أندية فقط لم تجرِ أية تغييرات على المدربين.
ويعتبر عبد الحميد بسيوني أكثر المدربين وجوداً مع الأندية، بعد أن بدأ الموسم مع طلائع الجيش ثم انتقل لتدريب غزل المحلة قبل توليه تدريب سموحة، ثم الرحيل دون نادٍ في نهاية الموسم.
ويعد الإسماعيلي أكثر الأندية تغييراً للمدربين بالموسم الماضي بعد تعيين حمزة الجمل، ليكون المدرب الرابع في الفريق هذا الموسم، بعد طلعت يوسف والأرجنتيني خوان براون وحمد إبراهيم.
واستمر الإسماعيلي على المنوال نفسه بالموسم الجديد، حين عين خوان جاريدو ثم أقاله وأتى بأيمن الجمل وأخيراً أحمد حسام ميدو.
خلال المواسم الثلاثة الأخيرة، شهدت البطولة المصرية تغيير 47 مدرباً من الأندية وذهابهم للتدريب في أندية أخرى.
اتحاد الكرة يحاول تحجيم الظاهرة
تسببت لائحة اتحاد الكرة المصري في جزء كبير من تلك الأزمة، إذ كانت لائحته تعامل المدربين معاملة اللاعبين في الانتقالات دون حد أقصى لعدد التنقلات المسموح به، ما أدى لتفشي تلك الظاهرة واستفحالها الكبير.
حاول اتحاد الكرة مؤخراً تحجيم الظاهرة بوضع بند في اللائحة في بداية الموسم الحالي، ينص على أنه لا يسمح للمدير الفني المتعاقد مع نادٍ أن يتولى مسؤولية نادٍ آخر حال فسخ التعاقد من جانبه.
وينص البند الجديد على أنه يُسمح له بالتعاقد مع نادٍ آخر إذا تم الاستغناء عنه، وذلك بحد أقصى ناديان فقط في القسم نفسه والموسم نفسه، حتى لا تعود ظاهرة "الكعب الدائر" للمدربين مرة أخرى.
لكن الناقد الرياضي شريف عبد القادر مدير التحرير في جريدة الجمهورية، قال لـ"عربي بوست" إن هذا البند به عيوب كثيرة ويمكن التحايل عليه، ولن ينجح في تحجيم تلك الظاهرة مطلقاً.
وأوضح أنه من الممكن أن يتحايل المدربون على البند عبر تولي تدريب الأندية، ولكن من منصب مختلف كالمدرب المساعد بشكل صوري، على أن يكون من الداخل هو المدير الفني، وبالتالي لن تكون عليه مخالفة أو لوم.
وأضاف: "بالتالي هذا التحرك من اتحاد الكرة لن يمنع تلك الظاهرة، ولن يحجمها وستستمر الأزمة قائمة".
فساد السماسرة وإدارات الأندية يتحمل الجزء الأكبر
تعاني الكرة المصرية من مافيا وكلاء اللاعبين أو السماسرة كما يلقبون، الذين يسببون مشاكل في كافة الجوانب، فبعد أن كانوا سبباً في تدمير سوق اللاعبين والانتقالات، جاء الدور على سوق المدربين.
يتولى أغلب وكلاء اللاعبين أيضاً إدارة أغلب المدربين كذلك، وهو ما يجعلهم يحاولون تسويق المدرب نفسه لأكثر من نادٍ في الموسم الواحد، كي يربحوا أكثر ويفوزوا بعمولات أكبر.
يتعاون هؤلاء مع أناس في إدارات الأندية وخاصة الشعبية منها، باحثين عن العمولات لتسهيل تعيين مدرب معين يتبع لهذا الوكيل. لذلك نجد أغلب تلك الأندية الشعبية تعاني كثيراً، وفي كل موسم تهرب من الهبوط للردجة الثانية بأعجوبة، كحال نادييْ الإسماعيلي وغزل المحلة وغيرهما.
"عربي بوست" تحدث مع محمد مصيلحي، رئيس نادي الاتحاد السكندري، الذي أكد أن السماسرة لهم الدور الأكبر في ذلك الأمر، مشيداً بقرار اتحاد الكرة الأخير بتعديل اللائحة حتى يحد من هذه الظاهرة، وحتى يبقى في السوق المدربون الجيدون فقط لصالح الأندية والكرة المصرية عامة.
شريف عبد القادر، مدير التحرير في جريدة الجمهورية، أوضح أن الأزمة تكمن في عشوائية الإدارة للكرة المصرية واتحاد الكرة المنظم للبطولة، الذي عليه وضع ضوابط أكثر قوة وقسوة للمخالفين لها دون تهاون ومجاملات.
الضوابط في أوروبا والثقافة تمنع تلك الظاهرة
على العكس تماماً من الكرة المصرية، توجد في أوروبا وأغلب الدوريات الكبرى ضوابط شديدة لمنع حدوث هذه الظاهرة.
مثلاً بالدوري الإنجليزي يمنع منعاً باتاً تولي مدرب لأكثر من فريقين في موسم واحد بأي شكل من الأشكال وبأي مسمى وظيفي، سواء أكان مدرباً رئيسياً أم مساعداً، وبذلك لا ترى مدرباً واحداً يدرب أكثر من فريقين فقط بالموسم.
هناك مثال واضح، عندما تولى جراهام بوتر مدرب برايتون مسؤولية تدريب تشيلسي، خلفاً للمُقال توماس توخيل. لن يستطع بوتر إذا تمت إقالته من تشيلسي فيما تبقى من الموسم أن يتولى تدريب فريق ثالث نهائياً، ولكن يمكن أن يدرب نادياً في قسم آخر مثلاً كالدرجة الأولى "تشامبيونشيب".
يوضح عبد القادر هنا أن الثقافة الاحترافية والعامة لدى هؤلاء مختلفة كلياً عن الوضع بمصر، فلا يقبل أي مدرب هناك أن يكون مادة للسماسرة من أجل جني الأرباح والعمولات والشروط الجزائية، وهو الأمر الذي يحتاج لانضباط كبير لإصلاحه بالدوري المصري.
سوق المدربين في مصر مصاب بالعلة!
سوق المدربين في مصر تظهر فيه عدة تناقضات، فدائماً يحاسب المدير الفني على الفاتورة كاملة، وليس اللاعبين أو إدارات تلك الأندية التي تغير المدربين فى كل وقت وحين وحسب الأهواء، وهو ما لا يوجد مثله في العالم أجمع.
وهناك فارق بين فريق يبحث عن التغيير لتعديل موقفه من أجل الابتعاد عن شبح الهبوط، أو مثلاً يعاني من نتائج سلبية متواصلة تستدعي التغيير فعلاً، وآخر يقوم بالتغيير لمجرد التغيير أو لكسب بعض الأموال من السماسرة، أو لجلب مدرب لديه معه مصالح شخصية أو علاقة صداقة وخلافه.
وإجمالاً -بحسب الخبراء- بات السوق المصري فقيراً للغاية في الكوادر الفنية الجيدة المطلعة على أحدث الأساليب التدريبية في العالم أجمع، وأساليب التعامل النفسي الجيد مع اللاعبين، وبات أغلبهم يعمل بالمدرسة الكلاسيكية التي انقضى عهدها بكل مكان، فلا يوجد من يتلقى دورات تدريبية أو يحصل على رخص تابعة للاتحاد القاري الإفريقي أو الدولي، أو يخوض معايشات في أندية أوروبية أو حتى خليجية.
يقول المحلل الرياضي الشهير خالد بيومي لـ"عربي بوست" إن الكل متسمّر ومتوقف عند ما يعلمه فقط، وهو ما عفى عليه الزمن في عالم التدريب الحديث الآن.
وأوضح: "لذلك تجد أن هامش التطوير صفر في اللاعبين والفرق لأنه كذلك في المدربين، وتنعكس الحالة تلك بطبيعة الحال على المنتخبات المصرية المختلفة، والتي فشلت جميعها في الفوز بالألقاب خلال السنوات الأخيرة بشكل ذريع".
أمثلة لمدربين بالدوري "كعب دائر" بين الأندية
آخر هؤلاء المدربين الذين أصبحوا "كعباً دائراً" كان طلعت يوسف الذي تولى قيادة إنبي مؤخراً خلفاً لأحمد كشري، وسبقه إيهاب جلال وعبد الحميد بسيوني ومحمد عودة وعماد النحاس وطارق العشري وحسام حسن وتامر مصطفى.
وبالنظر إلى مشوار مدربي أندية الدوري المصري الممتاز بالموسم الماضي، نجد أنه الموسم الأكثر تغييراً للمدربين، حيث تولى 38 مدرباً، بمن فيهم المؤقتون، قيادة الفرق الـ18 التي شاركت في البطولة، ومنهم مدربون تولوا تدريب أكثر من فريق.
أما الموسم الحالي فقد رحل سبعة مدربين ما بين إقالة واستقالة، بعد مرور ثماني جولات فقط من عمر الدوري الممتاز، بسبب سوء النتائج في مباريات البطولة، في ظاهرة لم تعد غريبة على المسابقة، ولكن حالة مزمنة تعاني منها الكرة المصرية.
كان آخر المدربين الراحلين هو أحمد كشري المدير الفني لنادي إنبي، وسبقه نونو الميدا المدير الفني لفاركو، وجاريدو مدرب الإسماعيلي، وسبقه إيهاب جلال من المصري، وقبله خالد جلال من البنك الأهلي، وسبقه علاء عبد العال من طلائع الجيش، وأول الضحايا كان ربيع ياسين من أسوان بالدوري الممتاز.
ويعتبر إيهاب جلال من أكثر المدربين الذين يلقبون بمدربين "كعب دائر"، فقد تولى تدريب فريقين بالموسم الماضي، وفريقين بالموسم الحالي.
كانت البداية مع نادي بيراميدز الموسم الماضي، ورحل عنه يوم 24 أبريل/نيسان بعد فسخ التعاقد بين الطرفين، وكان الفريق بالمركز الثالث، وتولى بدلاً منه اليوناني تاكيس جونياس، وجاء ذلك لتولي القيادة الفنية لمنتخب مصر الذي استمر بقيادته ثلاثة أشهر فقط ليرحل بعدها عن الفراعنة.
وعاد إيهاب جلال ببداية الموسم الحالي لتولي القيادة الفنية للمصري، والذي رحل عنه بداية الشهر الجاري، حيث أعلن مجلس إدارة النادي المصري إقالته وجميع أفراد جهازه المعاون، وذلك عقب التعادل أمام الزمالك ٢/٢ بالدوري الممتاز، ليتولى بعدها تدريب فريق فاركو.
أما حسام حسن فيدور في فلك نادييْ المصري والاتحاد، حيث قادهما بالموسم الماضي، ثم أقيل من الفريقين وبقي بلا نادٍ مع انطلاقة الموسم الجديد، حتى عاد الأسبوع الماضي لتولي مهمة المصري ثانية خلفاً لإيهاب جلال.
كذلك هناك طلعت يوسف الذي درب فريقين بالموسم الماضي، كانت البداية مع الإسماعيلي، وقدم استقالته ورحل في أسرع استقالة بالمسابقة، ثم تولي تدريب الجونة خلفاً لتامر مصطفى، ثم عاد قبل أيام لتدريب نادي إنبي بالموسم الحالي خلفاً لأحمد كشري.
وهناك عماد النحاس الذي درب فريقين الموسم الماضي، وهما المقاولون العرب والاتحاد السكندري، وكذلك محمد عودة الذي درب ناديين أيضاً، البداية كانت مع غزل المحلة ثم تركه لتدريب "المقاولون العرب"، وأقيل بعدها وجاء مكانه شوقي غريب ليبقى دون نادٍ مثل النحاس حالياً.