راهن الكثيرون حول العالم أن دولة قطر لن تكون قادرة على استضافة كأس العالم، خاصة أنها لا تملك سوى ملعب واحد وهو لا يتوافق أصلاً مع معايير الفيفا. لكن وبمدة زمنية قصيرة، استطاعت قطر إبهار العالم بتطوير ملعب خليفة الدولي وزيادة قدرته الاستيعابية وتغييره بشكل جذري، فضلاً عن بناء سبعة ملاعب جديدة قدرت تكلفتها بنحو 10 مليارات دولار.
لكن هذه التكلفة الضخمة تضعنا أمام التساؤل التالي: هل ستصبح هذه الملاعب الباهظة مهجورة بعد انتهاء المونديال أم أن لقطر مخططات أخرى لاستثمارها؟
ما هو مصير ملاعب قطر بعد انتهاء المونديال؟
مع انتهاء مونديال عام 2022 ستحتاج قطر لإعادة ضبط استثماراتها. فمن غير المجدي اقتصادياً ترك الملاعب الثمانية على حالها بعد انتهاء المونديال لارتفاع تكلفة صيانتها من جهة وعدم القدرة على الاستفادة منها من جهة أخرى.
لذلك بعض هذه الملاعب ستختفي بشكل كامل؛ إذ سيتم تفكيكها وإعادة تدويرها لاستخدامها في منشآت أخرى أو التبرع بها لبعض الدول.
استاد 974
نبدأ مع استاد 974 الذي اشتق اسمه من رمز الاتصال الدولي القطري، وصنع بالكامل من حاويات الشحن المعاد تدويرها، مع العلم أن رقم 974 يرمز أيضاً إلى عدد حاويات الشحن البحري التي استُخدمت في بناء الاستاد الذي صمم ليستوعب 40 ألف متفرج.
افتتح استاد 974 عام 2018 ثم اكتمل بناؤه بعد ثلاث سنوات، ويعتبر أول ملعب مؤقت (أي قابل للفك بشكل كامل) في تاريخ كأس العالم، وبالتالي من الطبيعي أن يتم تفكيكه بشكل كامل بعد انتهاء المونديال.
وسيتم تفكيك الأسقف وبعض الحاملات المعدنية لاستخدامها في مشاريع أخرى داخل قطر، فيما سيتم التبرع بمحتويات الملعب الأساسية التي تشمل المقاعد والشاشات والأجهزة الصوتية وغرف اللاعبين وغيرها إلى إحدى الدول النامية، كذلك ستتم إعادة استخدام عدد من حاويات الشحن المفككة لأغراض تجارية وفي الملاحة البحرية.
أما مكان الملعب فسيتحول إلى موقع تجاري بعد تفكيك استاد 974 بالكامل، وفقاً لما ورد في موقع the national news.
ملعب لوسيل
تم افتتاح ملعب لوسيل عام 2022 ليستضيف مباراة جمعت بين الريان والعربي في الجولة الثانية من الدوري القطري، وقد استوحيَ تصميمه من "فانوس الفنار"، الذي يتميز بتفاعل الضوء والظل، وقد صُمم الملعب من قبل الشركة البريطانية "فوستر وشركائه" .
ويعتبر ملعب لوسيل الأكبر في بطولة هذا العام بسعة 86 ألف متفرج، وسيستضيف نهائي كأس العالم، لكنه لن يشهد مباراة كرة قدم أخرى.
حيث سيتم تفكيك معظم مقاعده وإعادة استخدامها للمحلات التجارية والمقاهي وربما المدارس والعيادات الصحية. بينما سيتم تحويل الطبقات العليا إلى مساكن وسيتم استخدام الملعب ليكون ساحة ألعاب. مع الاحتفاظ بالهيكل الخارجي الذهبي للملعب في موقعه ليكون تذكاراً تاريخياً لمونديال قطر 2022.
استاد البيت
يعتبر استاد البيت ، ثاني أكبر ملعب في قطر، بسعة 60 ألف متفرج، وقد تم تصميمه بشكل يشبه الخيمة كما استُوحيَ اسمه من بيت الشعر، وهي الخيمة التي سكنها أهل البادية في قطر ومنطقة الخليج.
وسيتغير استاد البيت بشكل جذري بعد انتهاء بطولة كأس العالم إذ ستتم إزالة الطبقات العلوية وتحويل المكان ليضم فندق خمس نجوم ومركز تسوق ومستشفى.
تخفيض سعة الملاعب الأخرى
في حين سيتم تفكيك استاد 974، ولوسيل والبيت، سيتم تخفيض سعة الملاعب الأخرى والاستفادة منها بطرق مختلفة.
إذ سيتم تخفيض سعة كل من استاد أحمد بن علي واستاد الثمامة، إلى حوالي 20 ألف متفرج بعد كأس العالم، مع العلم أن كل واحد منهما كان يستوعب 40 ألف متفرج.
وسيتحول هذان الملعبان إلى مقرات لاثنين من أكبر الأندية في قطر، إذ سينتقل نادي الريان القطري ليستقر في استاد أحمد بن علي، بينما سيستقر نادي الوكرة القطري في استاد الجنوب.
سيتم كذلك تخفيض سعة ملعب الجنوب وملعب المدينة التعليمية من 40.000 إلى 20.000 متفرج وسيتحول استاد المدينة التعليمية بعد انتهاء المونديال إلى ملعب رياضي لطلاب الجامعات.
ومن الجدير بالذكر أن قطر ستتبرع للدول النامية التي تتطلع إلى تحسين بنيتها التحتية الرياضية، بقرابة 170000 مقعد، بالإضافة إلى معدات أخرى من الملاعب التي سيتم تقليص حجمها.
استاد خليفة.. الاستثناء الوحيد
ويعتبر استاد خليفة الاستثناء الوحيد من حملة إعادة التدوير التي ستستهدف الملاعب القطرية بعد انتهاء كأس العالم، إذ ستبقى أبواب استاد خليفة مفتوحة لاستقبال المباريات والبطولات، كما سيكون بمثابة نصب تذكاري لكأس العالم 2022..
ويذكر أنه قد تم بناء استاد خليفة لاستقبال كأس الخليج عام 1976، وتم تجديده لدورة الألعاب الآسيوية 2006 ثم تمت ترقيته مرة أخرى ليتناسب مع معايير الفيفا في عام 2017، ويضم الآن 12000 مقعد مؤقت إضافي.
لن نترك أي "فيلة بيضاء"
وعن حملة إعادة تدوير الملاعب، قال الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث، حسن الذوادي في وقت سابق إن جميع الملاعب تتوافق مع معايير الاستدامة، أي أنها قابلة للفك والتبديل بعد انتهاء البطولة.
ووضح الذوادي في وثيقة عن الملاعب: "لقد قمنا بإعادة التدوير وإعادة الاستخدام حيثما أمكن وقمنا بتنفيذ مجموعة واسعة من حلول كفاءة الطاقة والمياه"، ثم تابع: "لقد استخدمنا مواد من مصادر مستدامة ونفذنا خططاً مبتكرة لضمان ألا تترك بطولتنا أي فيل أبيض".
و"الفيل الأبيض" هو مصطلح في علم الاقتصاد يشير إلى المشاريع الضخمة التي تكلف أصحابها الكثير من الأموال في الصيانة، ولا يمكن الاستفادة منها في المقابل من الناحية المادية.
الملاعب المهجورة عبء على البلدان المضيفة
خططت دولة قطر بشكل مسبق لتحديد مصير كل ملعب من الملاعب الثمانية بعد انتهاء بطولة كأس العالم، لأنها لم ترغب بملاقاة مصير الدول المضيفة السابقة والتي عانت من أزمة الملاعب المهجورة.
فعلى سبيل المثال، عانت العديد من المدن البرازيلية من تكاليف صيانة باهظة للملاعب التي هجرت بعد أن استضافت البرازيل كأس العالم عام 2014، خاصة أن هذه الملاعب الضخمة لا تستضيف اليوم أكثر من بضع مئات من المتفرجين في كل مباراة. فقد كلف أحد الملاعب في ماناوس في البرازيل حوالي 250 مليون دولار وبعد انتهاء المونديال ترك الملعب مهجوراً.
في حين أنفقت اليونان حوالي 11 مليار دولار عندما استضافت أثينا دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2004 لتكون أغلى دورة أولمبية في ذلك الوقت وبسبب عدم قدرة الحكومة على الاستفادة من هذه الملاعب بعد انتهاء الدورة الأولمبية تركت شبه مهجورة أيضاً وكانت المبالغ التي دفعت فيها أحد الأسباب التي ساهمت في حدوث الأزمة المالية في البلاد في 2007-2008.
كذلك عانت الصين من أزمة مماثلة بعد استضافتها لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008، فقد ترك ملعب تشاويانغ مهجوراً بعد البطولة مع العلم أنه ملعب ضخم بسعة 12000 شخص وقد بني خصيصاً لاستضافة البطولة.