اعتاد محبو كرة القدم العرب خلال كؤوس العالم الماضية على مشاركة حكام عرب بالبطولة الأكبر على كوكب الأرض، وكان لمصر إسهامات كبيرة في هذا المجال طوال العقود الماضية.
لكن في البطولات الأخيرة قلت وربما ندرت مشاركة الحكام المصريين بالمونديال واكتفت الرياضة المصرية بحكم واحد في كل نسخة وربما لا يوجد، مثل الحال لمونديال قطر 2022 الحالي، حيث لا يوجد أي حكم ساحة مصري به على الإطلاق في واقعة يراها البعض "مخجلة" للكرة والرياضة المصرية ككل.
باستثناء حكم مساعد فقط وهو محمود أبو الرجال ذهب لتمثيل مصر بالمونديال ولم يشارك طوال الجولة الأولى من المجموعات بكل المباريات، وربما يلعب مباراة واحدة على الأكثر أو لا يلعب، حيث إنه سيكون ضمن الطاقم الإفريقي بقيادة الغامبي باكاري جاساما ولم تسند إليه أي مباراة حتى الآن.
فكيف وصل الحال بالكرة والرياضة المصرية إلى هذا الحد؟ لا سيما مع تاريخها الكبير مع التحكيم وإخراج العديد من الحكام المميزين الذين شرفوا الفراعنة ببطولات عالم كثيرة سابقة وأشهرهم الحكم المونديالي جمال الغندور.
قائمة الحكام العرب بمونديال قطر
لم يتواجد في قائمة الحكام أي حكم رئيسي من مصر، حيث يشارك 3 حكام عرب فقط في منافسات البطولة، هم: الجزائري مصطفى غربال، والقطري عبد الرحمن الجاسم، والإماراتي محمد عبد الله، ويأتي التمثيل الوحيد لمصر في التحكيم من خلال محمود أبو الرجال الحكم المساعد.
وضمت القائمة 7 حكام مساعدين عرب بخلاف أبو الرجال، فهناك القطريان طالب المري وسعود أحمد، والإماراتيان محمد الحمادي وحسن المهري، والجزائريان عبد الحق إتش علي وقوراري مقران.
بينما سيكون في غرفة الفيديو 3 أسماء عربية: المغربيان رضوان جيد وعادل زوراق، والقطري عبد الله المري.
ما أسباب غياب الحكام المصريين عن المونديال؟
تواصل "عربي بوست" بشكل حصري مع آخر حكم ساحة مصري لعب في كؤوس العالم، وهو الحكم الدولي السابق جهاد جريشة الذي شارك في مونديال 2018 ولعب مباراة إنجلترا وبنما آنذاك وقدم مردوداً جيداً، للإجابة عن هذا السؤال المحير، لماذا غاب الحكم المصري عن مونديال قطر؟
أكد جريشة في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن أهم أسباب ذلك تتمثل في المسؤول عن التحكيم الذي ليس لديه خطة واضحة ويتسم بالعشوائية الشديدة، ولا يوجد أي شيء مدروس يؤهل مصر لإنتاج حكم دولي كبير يستطيع اللعب في المونديال.
وأضاف أن السبب الثاني يتمثل في غياب الإعداد الجيد للحكام وسوء أحوالهم المادية والفنية، وعدم حصولهم على تدريبات جيدة ودورات ترفع من مستواهم بشكل واضح ومثمر، دون ما يحدث من عبث لا يجدي نفعاً فقط للشو الإعلامي.
واختتم حديثه بضرب مثل على الكابتن ناجي جويني في التحكيم القطري، الذي وضع خطة منذ فترة طويلة بهدف وجود طاقم قطري كامل في المونديال، وعمل على ذلك بشكل مضنٍ وحدث له ما أراد، بعد تخطيط ناجح وهدف واضح وعمل بجدية والتزام وسعي، وهو ما تفتقده منظومة التحكيم المصري، ويعتقد أن قطر لن تغيب عن كؤوس العالم القادمة بفضل هذا العمل الكبير والإدارة والتخطيط الناجح.
التحكيم المصري.. مشكلة مستمرة
الحكم المونديالي السابق عصام عبد الفتاح، رئيس لجنة الحكام المصرية السابق والذي شارك في كأس عالم 2006 بألمانيا، انتقد في حديثه لـ"عربي بوست" من يهاجم التحكيم ويقول لماذا لم يصل حكام مصريون إلى كأس العالم، بالقول: "ماذا عن المنتخب المصري، كم مرة وصل لكأس العالم؟ التحكيم المصري وصل للمونديال أكثر من منتخب مصر".
وأضاف أن البعض يُدخل التحكيم في صراعاتهم، و5% من الإعلام يهاجمون التحكيم دائماً، ولا يوجد من يدعم المنظومة لكي تنجح، هناك أخطاء بالتأكيد، ولكننا نبذل مجهوداً ولم يتناقش معي أحد في التطور الذي نفعله عندما كنت مسؤولاً.
وقال: "مثلا عند مجيئي كان الحكام بلا محاضرات فنية لهم منذ 3 سنوات ماضية، وبدأنا نستقدم محاضرين ومعدي لياقة بدنية ونفعل الكثير للتطوير".
واختتم حديثه بأن مشكلة التحكيم ستظل مستمرة إلى ما لا نهاية، بسبب وجود بعض الأشخاص الذين لا يريدون تطوير التحكيم بسبب الصراعات، نحن نعاني من أزمة ممنهجة ضد التحكيم ولن تقوم له قومة إلا بإنهاء كل هذه الأزمات والعمل بجد لصالح المنظومة والكرة المصرية دون نوايا سيئة وتدخلات لإفشال الأمر.
من جانبه، وصف سمير عثمان الخبير التحكيمي والحكم الدولي السابق، غياب التحكيم المصري بمونديال قطر الحالي، بالشيء المحزن له كمصري، موضحاً أنه في تاريخ كأس العالم كان يوجد به 5 حكام مصريين وأربعة مساعدين، وبالنسبة لعدم وجود حكم مصري فهذا يعد كارثة.
وأضاف أنه من الغريب وجود الحكم سيكازوي مثلاً الذي أدار مباراة مباراة تونس ومالي وشهدت فضيحة تحكيمية حين أنهى المباراة مرتين قبل وقتها وتحجج بتعرضه لضربة شمس، "هذا تواجد بالمونديال بينما لم يذهب أي حكم مصري، وهذه كارثة في وجهة نظري"، على حد قوله.
واختتم حديثه بأن الحكام المصريين في إداراتهم لمباريات إفريقيا أداؤهم ممتاز، ورغم ذلك لم يتم اختيار أي من الحكام المصريين لإدارة مباريات كأس العالم، وأكد أن الحكم المصري يختلف مستواه الفني في إفريقيا عن البطولات المحلية لأسباب كثيرة أهمها ضغط الجمهور والخوف من النقاد والإعلام الرياضي.
ما هي معايير اختيار حكام كأس العالم؟
ماذا عن المعايير التي يعتمدها فيفا لاختيار الحكام المشاركين بكأس العالم من الأساس؟ ربما يوضح لنا هذا الصورة كاملة فيما يخص مضمون هذا الموضوع.
اختيار الحكام من أجل إدارة مباريات كأس العالم وهي أقوى وأشهر بطولة في كرة القدم، يخضع للكثير من الاعتبارات والمعايير، أشد وأقسى من تلك الموجودة في البطولات الأخرى.
وتقع مسؤولية اختيار حكام بطولات كأس العالم، على عاتق لجنة الحكام التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وهي لجنة مستقلة بذاتها عن باقي لجان الاتحاد، وتتمتع بصلاحيات واسعة للغاية، ويترأس هذه اللجنة حالياً الحكم الإيطالي الشهير بييرلويغي كولينا، وذلك منذ يوم 17 يناير/كانون الثاني 2017، في حين يتولى القطري هاني طالب منصب نائب الرئيس.
ويقول كولينا لموقع فيفا عن معايير اختيار الحكام نصاً: "كما اعتدنا دائماً، فإن الجودة هي أول المعايير التي نأخذها بعين الاعتبار، فقد اخترنا حكاماً من أعلى المستويات في التحكيم الدولي، حيث نجح كأس العالم 2018 بسبب المستوى العالي للتحكيم، لهذا نبذل قصارى جهدنا لنتمكن من تقديم مستوى مماثل أو أفضل في مونديال قطر الحالي".
ومن أجل ترشيح حكم ما لإدارة مباريات كأس العالم، يجب أن يكون حاصلاً على الشارة الدولية من فيفا، وهو لقب تمنحه المؤسسة الدولية سنوياً، للحكام الذين تم ترشيحهم من قبل اتحاداتهم الوطنية، في حال تحققت فيهم عدة شروط.
ومن الشروط المطلوب توافرها، ألا يقل عمر الحكم المرشح عن 25 عاماً، وأن يكون من حكام الصفوة في بلاده في آخر عامين من ترشيحه، مع إدارته 10 مباريات على الأقل في المستوى الأعلى بموسم ترشيحه، ثم الخضوع لاختبارات بدنية وعليه اجتيازها ومنها اختبارات السرعة.
وتختار لجنة القائمة قائمة مبدئية من حكام الساحة تتجاوز 100 حكم، يخضعون لفترة إعداد قبل أشهر من إقامة كأس العالم، وبعدها يتم اختيار الأفضل بناء على العدد المطلوب.
ومنذ كأس العالم 2006 في ألمانيا يتم اختيار حكمين مساعدين من بلد واحد مع كل حكم ساحة ليكونوا طقم تحكيم متجانساً، وذلك يحدث في أوروبا، أما في باقي القارات فتكون بعض الأطقم من دول مختلفة.
وقبل انطلاق المونديال بأشهر، يوفر فيفا برامج فردية مصممة خصوصاً للحكام المختارين، لمتابعة أحوالهم الصحية ولياقتهم البدنية، ويتم تقديم تقييم كامل حول الجوانب الفنية والبدنية والطبية، من أجل تجهيزهم بأفضل صورة ممكنة لإدارة المباريات.
وأثناء المونديال، من البديهي أن تقوم لجنة حكام فيفا باختيار حكم يحمل جنسية مختلفة عن طرفي المباراة، ومغايرة أيضاً عن جنسيات الفرق التي تنافس في المجموعة ذاتها، كما تقوم اللجنة بتعيين حكم احتياطي، تحسباً لأي أمر طارئ قد يمنع الحكم الرئيسي من إكمال المباراة.
وفي أثناء المباريات، يخضع الحكام لتقييم خاص من اللجنة من خلال مقيم في الملعب، بالإضافة إلى لجنة تقوم باختيار بعض الحالات التعليمية للحكم وزملائه من المباراة، لاستبعاد أصحاب التقييم الأدنى، وإبقاء الآخرين حتى الوصول إلى المباراة النهائية.
وتقيم لجنة الحكام اجتماعاً تحليلياً في اليوم التالي للمباريات، يتم خلاله عرض أهم الأخطاء والحالات التحكيمية الجدلية، ومناقشتها مع الحكام الذين اتخذوا هذه القرارات ومبرراتهم.
وأخيراً من الممكن ألا تختار اللجنة الحكم الأفضل لإدارة اللقاء النهائي للبطولة، بسبب وجود منتخب بلاده طرفاً فيه، لكنها غالباً ما تختار أحد أفضل الأطقم لإدارة المباراة الافتتاحية، ومن الممكن أن يدير نفس الطاقم المباراة النهائية أيضاً كما حدث في مونديالي 2006 بألمانيا و2018 في روسيا.