شهد هذا الموسم، من الدوري المصري الممتاز، تكسير بعض الثوابت المترسخة في عقول الجماهير وبعض إدارات الأندية، وكذلك المسؤولين ووكلاء اللاعبين وأغلب المنظومة الكروية بمصر، خصوصاً ما يتعلق بصفقات الانتقال الصيفية.
فقد اعتمد قطاع كبير من كل هؤلاء على قاعدة ضمنية تقول إن من يبرم صفقات أكبر وأقوى تكون له الغلبة فنياً في الموسم على غريمه التقليدي. هنا نتحدث بشكل خاص عن الأهلي والزمالك، قطبي الكرة المصرية وأكبر ناديين بالشرق الأوسط وإفريقيا.
على صعيد الكم، فاز الزمالك بجولة الصفقات الصيفية، واستطاع ضم 10 صفقات جديدة ومدوية، مقابل 3 صفقات فقط لغريمه الأهلي.
لكن النادي الأحمر فاز بالجولة الفنية، وكانت له الضربة القاضية في الموسم، رغم قلة تدعيماته، واستطاع الفوز في 6 مباريات متتالية لعبها خارج وداخل الأرض في 3 مسابقات مختلفة، وكذلك فاز بكأس السوبر على الزمالك نفسه في الإمارات عن كل جدارة واستحقاق بفضل صفقاته الجديدة.
إذاً، ماذا حدث للفكرة الأصيلة عند جماهير ومسؤولي الكرة المصرية، أن كثرة الصفقات هي الأهم لنجاح الموسم؟ يبدو أن ما فعله الأهلي هذا العام يُعد درساً جديداً للجميع، يثبت لهم أن القصة ليست بالكثرة أو بالكمّ، ولكن بالكيف والتدعيم الصحيح في مراكز النقص فقط، مع إصلاح إداري وفني شامل، هذا ما يؤدي للنجاح الفني بكل تأكيد، وهو ما عملته إدارة الشياطين الحمر برئاسة محمود الخطيب.
أسباب فشل أغلب صفقات الزمالك
لجأ نادي الزمالك لحيلة الصفقات من أجل إسعاد جماهيره واسكاتهم عن أي تجاوزات وفشل إداري لمجلس إدارته برئاسة مرتضى منصور ونجليه أحمد وأمير، المسؤولين عن كل شيء بالنادي. الأول لكل الألعاب عدا كرة القدم، والثاني مشرف عام على كرة القدم.
فقد اعتاد مرتضى منصور، في كل مراحله السابقة برئاسة الزمالك، ضم قائمة ضخمة ولامعة من الصفقات كل صيف لنيل رضا الجماهير وكسب حبهم ودعمهم له. لكن هذا العام "لم تسلم الجرة"، كما يُقال، وانقلب السحر على الساحر، إذ فشلت أغلب الصفقات الجديدة ولأسباب عديدة ومختلفة، نعرض أبرزها في الآتي.
السبب الأول والأبرز والواضح للجميع، هو عشوائية اختيارات اللاعبين الجدد، وعدم التنسيق الواضح في عملية الانتقالات بين أمير مرتضى، المشرف على الكرة، البرتغالي جيسوالدو فيريرا المدير الفني، إذ طلب المدرب الخبير لاعبين، ولم يتم التعاقد معهم فيما تعاقد أمير مع لاعبين وفرضهم على الجهاز الفني.
وهناك أحاديث عن وجود شركة برتغالية تعمل لصالحه مع بعض الوكلاء تتعاقد مع الصفقات مقابل نسبة عمولة يحصل عليها، وهي التي ضمّت من قبل مايوكا وعديد اللاعبين، وهذا الصيف السنغالي إبراهيما نداي من لوزيرن السويسري، والبنيني سامسون أكينولا القادم من الدوري الفنزويلي "نادي كاراكاس".
حدث هذا دون سابق معرفة أو معلومات عنه واضحة، أو دراسة جيدة له، ودون طلب فيريرا نفسه، وهي معلومة مؤكدة من مصدر داخل الزمالك لـ"عربي بوست".
السبب الثاني هو ضم الزمالك للاعبين في مراكز لا يحتاج فيها إلى الدعم، مثل ضم عمر جابر، صاحب المستوى المتواضع، والذي لم يكن يلعب باستمرار مع فريقه السابق بيراميدز، في حين أن الزمالك يمتلك سيد عبدالله نيمار المتوهج في مركزه، وكذلك حازم إمام الذي تمت التضحية به لصالح جابر الضعيف للغاية فنياً، وتهاجمه جماهير الزمالك بشدة.
هذا السبب أوضحه رضا عبد العال نجم الزمالك والأهلي السابق في تصريحات لـ"عربي بوست"، مشيراً إلى أن الصفقات الجديدة أغلبها لم يقدم أي إضافة للفريق، وقد جاءت بشكل غريب وغير مدروس، وأن فيريرا وأمير مرتضى يتحملان ذلك الأمر، خاصة مع عناد المدرب البرتغالي وتصميمه على ضم لاعبين بعينهم وترك آخرين مميزين.
وأضاف عبد العال أنه باستثناء مصطفى شلبي وعمرو السيسي، اللذين جاءا على غير رغبة فيريرا، لم تقدم أي صفقة من الزمالك أوراق اعتماد لدى الجماهير. كما أن زكريا الوردي ضحية للمدرب البرتغالي الذي أقحمه وورطه في بداية الموسم ومباريات ثقيلة مثل الأهلي و"حرقه" أمام الجماهير، وأيضاً عمر جابر، حرم الزمالك من موهبة نيمار لصالح لاعب منتهي ضعيف لا يجيد لعب كرة القدم.
تواصل "عربي بوست" مع الناقد الرياضي شريف عبد القادر، مدير تحرير جريدة الجمهورية، لمعرفة رأيه كذلك في صفقات الزمالك، ليحمل الرجل الإدارة المسؤولية الأكبر عن فشل الصفقات، كونها تعاملت بعشوائية كبيرة في ضم لاعبين لا يحتاجهم الفريق، واهتمت بـ"الشو الإعلامي" فقط وعدد الصفقات دون اعتماد المعيار الأهم، وهو حاجة الفريق الفنية لها من عدمه، على حدّ قوله.
وأكد أن فيريرا كذلك له دور في عدم ظهور النجوم الجدد بشكل جيد، إذ اعتمد على بعضهم مباشرة في حين ترك الباقي يأخذ وقتاً للتأقلم، ولم يحدث انسجام بينهم وبين عناصر الفريق القدامى، ما أحدث هذه الهزة الفنية للفارس الأبيض، ولم يظهرهم بالشكل الجيد، ما أحبط الجماهير بشكل كبير.
صفقات الزمالك كاملة
أبرمت إدارة القلعة البيضاء 10 صفقات قوية خلال فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة، بإجمالي 117.3 مليون جنيه، وهم: عمر جابر مقابل 30 مليون جنيه، ونبيل عماد دونجا بنفس القيمة من بيراميدز، وعمرو السيسي بـ15 مليون جنيه ومصطفى الزناري بنفس القيمة من طلائع الجيش.
إضافة إلى مصطفى شلبي مقابل 20 مليون جنيه من إنبي، ويوسف حسن من وادي دجلة مقابل 4 ملايين جنيه، بالإضافة لعودة الحارس محمد صبحي من فاركو بالبند الذي في عقده دون دفع أموال.
وعلى مستوى الأجناب، ضم الزمالك إبراهيما نداي مقابل 15 مليوناً و700 ألف جنيه، وسامسون أكينيولا مقابل 17 مليوناً و600 ألف جنيه، وكذلك زكريا الوردي بقرابة الـ20 مليون جنيه.
في المقابل رحل 10 لاعبين أيضاً من صفوف الأبيض، بإجمالي قيمة بيع 55 مليون جنيه، ما بين الإعارة والبيع النهائي، وهم: "حمدي علاء، محمود علاء، محمود شبانة، أسامة فيصل على سبيل الإعارة"، وبالبيع النهائي: "مروان حمدي، إسلام جابر، رزاق سيسيه، ياسين مرعي، محمود جنش" وحازم إمام بفسخ العقد بالتراضي.
الأهلي ينجح بالقليل ويعطي درساً للجميع في الإدارة
على الجانب الآخر، نجح النادي الأهلي في إصلاح كل مشاكل الفترة الماضية التي أدت لخسارته لقبين بالدوري الممتاز، وكذلك كأس مصر، إذ أعاد الأمور لنصابها الصحيح إدارياً وكان لها مفعول السحر على المستوى الفني، فكانت الصفقات قليلة هذا الصيف، ولكنها فعالة.
ولعل أبرز صفقات العملاق الأحمر كانت التعاقد مع المدرب السويسري الرائع مارسيل كولر، لتولي مسؤولية الفريق الفنية وإعادة ترتيب البيت من الداخل، وحل أغلب مشاكله طوال الفترة الماضية.
كذلك قرار الإدارة في إكمال الدوري بالبدلاء والشباب، وإراحة العناصر الأساسية التي أُنهكت بدنياً وذهنياً على مدار 3 سنوات متلاحمة، كان له مفعول السحر في ظهور الأحمر فنياً بشكل رائع.
فاستعاد النجوم الكبار عافيتهم بعد إجازة طويلة حصلوا عليها، ثم فترة إعداد نموذجية من قبل كولر وأحمال بدنية جيدة للاعبين، وكذلك عمل ملف طبي وصحي بكل التفاصيل الخاصة بكل لاعب على أحدث الطرق العالمية مثل أكبر أندية العالم، وتعامل معهم المدرب على هذا النحو كان مثالياً، وكانت الصفقات فقط في بعض المراكز التي عانت من نقص شديد بالموسم الماضي وأغلبها بالهجوم.
فضم الأهلي 3 صفقات فقط، عرّضت الإدارة لموجة عنيفة من الهجوم، لكنها تماسكت وثبتت رجاحة وجهة نظرها بذلك، فضم النادي شادي حسين ومصطفى سعد من سيراميكا والبرازيلي برونو سافيو من بوليفار البوليفي، وقدم الثنائي حسين وسافيو مستويات مميزة، ولعبا بشكل أساسي.
ولعل مباراة السوبر أمام الزمالك كانت خير دليل على تألقهم وتقديم أوراق اعتمادهم كاملة للجماهير الحمراء، فيما لم يدخل مصطفى سعد أجواء الفريق الرسمية لانشغاله مع المنتخب الأوليمبي طوال الفترة الماضية، وسيكون له دور بالفترة القادمة.
الناقد الرياضي خالد الإتربي، رئيس القسم الرياضي بالشروق، أكد لـ"عربي بوست" أن التعاقد مع كولر هو الصفقة الأهم للأهلي بالفترة الأخيرة، إذ إن المدرب السويسري أعاد للأحمر شكله وهيبته في فترة وجيزة، وأعاد اكتشاف لاعبين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الرحيل مثل محمود متولي وكريم فؤاد، وتألقا بشدة معه، ويعتبرهم صفقات جديدة لظهورهم كمفاجأة سارة لكل الجماهير الحمراء.
وأضاف الإتربي أن إدارة الأهلي كانت على صواب في قرارها بعدم ضم صفقات كثيرة، خاصة مع عدم وجود سيولة مالية كافية قبل العقود الجديدة في الرعاية وأيضاً لمغالاة الأندية المصرية مع الأهلي فقط في بيع لاعبيها، وهو كان قرار رائع بعدم التعامل معهم والانسحاب من صفقات مثل مصطفى شلبي مع إدارة إنبي ونجوم فيوتشر وبيراميدز.
في حين أضاف رضا عبد العال أن الأهلي استفاد من رجوع عناصر مميزة في صفوفه لتألقها وإعادة اكتشاف كولر لبعض اللاعبين، مثل متولي وفؤاد، وتثبيت التشكيل وصنع فريق جيد وواضح وبأسلوب هجومي عكس كل المدربين الذين سبقوه.
وهو ما أتى بثماره وفاز الأهلي على الزمالك بالسوبر، وقدم موسماً جيداً حتى هذه اللحظة، رغم قلة صفقاته عكس القلعة البيضاء التي غرقت مع فيريرا وصفقاته الجديدة بميركاتو الصيف.