شهدت بطولة كأس العالم 1982، التي أقيمت في إسبانيا، واحدة من أكبر فضائح كرة القدم في التاريخ، وكان ضحيتها منتخب الجزائر، وعُرفت بـ"فضيحة خيخون".
طوال تاريخهم، بلغ "محاربو الصحراء" العرس العالمي في أربع مناسبات، وذلك أعوام 1982 في إسبانيا، و1986 في المكسيك، و2010 في جنوب إفريقيا، و2014 في البرازيل.
فضيحة خيخون التي أبعدت الجزائر عن كأس العالم
كانت البداية الجزائرية في كأس العالم تاريخية بكل معنى الكلمة، عقب فوز رفاق النجم رابح ماجر على منتخب ألمانيا يوم 16 يونيو/حزيران 1982، بثنائية ماجر نفسه ولخضر بلومي، مقابل هدف وحيد "للمانشافت" أحرزه كارل هاينز رومينيغيه.
لكن المواجهة الثانية لمنتخب الجزائر لم تكن كسابقتها، خاصة أن "محاربي الصحراء" خسروا من النمسا بهدفين نظيفين، يوم 21 يونيو/حزيران 1982.
وانتفض الجزائريون في المباراة الثالثة، وخطفوا فوزاً مثيراً على حساب تشيلي، بثلاثة أهداف لاثنين، حيث تقدم المنتخب بثلاثية بيضاء سجلها صالح عصاد (هدفين) وتاج بن سحاولة، بينما اكتفى الفريق اللاتيني بتقليص الفارق عبر ميغيل تيرا وخوان ليتيلير.
في تلك النسخة كان الفائز يتحصل على نقطتين، ما يعني أن الجزائر حصدت 4 نقاط، وهو نفس رصيد النمسا، قبل خوضها مباراتها الأخيرة في دور المجموعات ضد ألمانيا، التي تملك نقطتين فقط.
لعبت الجزائر مباراتها الثالثة ضد تشيلي يوم 24 يونيو/حزيران 1982، أي قبل يوم كامل من موعد مباراة النمسا وألمانيا، ضمن الجولة الثانية من دور المجموعة.
وأتاح ذلك اليوم الفرصة لمنتخبي ألمانيا والنمسا من أجل حبك سيناريو، تم وصفه "بالمؤامرة"، من شأنه أن يحمل الفريقين مباشرة إلى الدور الثاني، والإطاحة بالفريق الجزائري.
سيناريو المؤامرة
واتفق المنتخبان الأوروبيان على تسهيل مهمة فوز الألمان بهدف وحيد، وهي النتيجة التي كانت تؤّمن تأهلهما سوياً إلى المرحلة القادمة.
وهذا ما حدث بالفعل في المباراة التي احتضنها ملعب "مولينيون" في مدينة خيخون يوم 25 يونيو/حزيران 1982، لتطلق وسائل الإعلام على ذلك اللقاء وصف "فضيحة المولينون" أو "فضيحة خيخون".
في تلك المباراة، وضع هورست هروبيش منتخب ألمانيا في المقدمة بإحراز الهدف الأول والأخير عند الدقيقة العاشرة، وبعدها لم يحاول أي من الفريقين تهديد مرمى الآخر، مكتفين بالتمرير العبثي من أجل استهلاك الوقت.
وفي ظل ما يجري على أرض الملعب، شعر جميع المشجعين وحتى وسائل الإعلام "بالاشمئزاز"، وفق وصف صحيفة theguardian البريطانية.
وطلب المعلق التلفزيوني النمساوي روبرت سيغر من مشاهدي المباراة عبر شاشات التلفزة إغلاق أجهزتهم، وصمت بعدها حتى نهاية اللقاء.
أما إبرهارد ستانغيك، معلق التلفزيون الألماني، فقال: "ما يحدث هنا مخزٍ ولا علاقة له بكرة القدم، يمكنكم أن تقولوا عني ما تريدون، ولكن ليس كل غاية تبرر كل وسيلة".
بدوره قال الإنجليزي هيو ريتشارد جونز، المعلق في قناة ITV البريطانية: "هذه واحدة من أكثر المباريات الدولية المخزية التي رأيتها على الإطلاق".
"رجال عصابات"
أما لاعب كرة القدم الألماني الأسبق ويلي شولز، فقد وصف جميع اللاعبين الذين شاركوا في تلك المباراة بأنهم "كرجال العصابات".
وتؤكد "ذا غارديان" أن جميع اللاعبين لم يعترفوا بتهمة التواطؤ، إلا أن المدرب النمساوي فاجأ الجميع بتصريحاته التي قال فيها: "لقد كان عرضاً مخجلاً".
وحاول نظيره يوب ديروال، مدرب المنتخب الألماني، الدفاع عن نفسه وعن لاعبيه، بالقول: "اتهامنا بالتواطؤ إهانة جسيمة وخطيرة، سنرد عليها بالتأكيد".
أما على المدرجات، فكانت ردة الفعل مشابهة لما كان عليه من المعلقين ووسائل الإعلام، حيث أخذ الجمهور بإطلاق صافرات الاستهجان، احتجاجاً على ما شاهدوه.
كما أخرجت الجماهير عُملات معدنية وأظهروها للكاميرات، ومنهم من رماها باتجاه اللاعبين في إشارة منهم "للمؤامرة وأنهم يباعون ويشترون بالمال".
وكان الموقف الأكثر غضباً من ناحية الجمهور الألماني، الذي حاصر مقر إقامة منتخبهم ومن ثم اقتحامه لولا تدخل قوات الأمن، التي منعتهم من الوصول إلى اللاعبين.
تقدمت الجزائر باحتجاج رسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".. تم رفضه بعد اجتماع استمر ثلاث ساعات ونصف الساعة، بحجة أن النتيجة "لا يمكن لأي هيئة خارجية تغييرها" كما قالت اللجنة التنفيذية لـ"فيفا".
لكن الاتحاد الدولي وبعد هذه الفضيحة، قرر إقامة جميع المباريات الأخيرة لنفس المجموعة في توقيت واحد، وهو الأمر الذي بدأ تنفيذه منذ مونديال المكسيك عام 1986.
وصرّح لخضر بلومي، لاعب منتخب الجزائر، في ذلك الوقت: "أجبرنا فيفا على إحداث هذا التغيير، كان ذلك أفضل من الفوز".
ووصفت "ذا غارديان" ذلك بأن الجزائر تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ كرة القدم.
اعتذار عن "مباراة العار"
بعد سنوات وتحديداً في عام 2007، اعترف مدافع منتخب ألمانيا السابق هانز بيتر بريغل بتواطؤ بلاده مع النمسا في مباراة لإبعاد الجزائر عن بلوغ الدور الثاني وقدم اعتذاره إلى الأخيرة.
اعتذار بريغل جاء في حديث لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية حينما كان مدرباً لمنتخب البحرين، وقال: "أقدم خالص الاعتذار إلى الجزائر على فضيحة خيخون، وأشعر بالندم، وأعترف أنه كان بإمكاننا أن نهزم النمسا بأكثر من هدف في مباراة العار".