كانت إحدى النكات الشهيرة بإيطاليا في عام 1980 هي أن "ريجينا كويلي" هو المكان المفضل للاعبي الدوري الإيطالي، لا تقلق إذا لم تسمع به من قبل، فهو اسم أشهر سجن في روما.
ففي ذلك العام، تم اعتقال 11 لاعب كرة قدم؛ لدورهم المزعوم في فضيحة توتونيرو (اليانصيب الأسود) للتلاعب بالمباريات بالدوري الإيطالي في الدرجتين الأولى والثانية، ومن بينهم كان باولو روسي.
كان روسي مهاجماً موهوباً يلعب في نادي فيتشينزا ويبلغ من العمر 23 عاماً، وقد مثل منتخب بلاده بالفعل في كأس العالم 1978، وكان أحد اللاعبين الإيطاليين الأعلى أجراً، فقد سجل 45 هدفاً في موسمين لصالح فيتشنزا، مما ساعدهم على الصعود إلى دوري الدرجة الأولى الإيطالي.
من هو باولو روسي؟
لم يكن باولو روسي المهاجم النموذجي، لم يكن مثالاً للبطل رقم 9 في العصر الحديث، ولكنه كان موهوباً رغم أنه كان لا يمتلك التقنية التي كان يمتلكها بعض الأبطال الإيطاليين الآخرين.
بدأ روسي حياته الكروية مع يوفنتوس، لكنه لم يلعب معهم إلا بعد 8 سنوات من توقيعه لأول مرة.
بعد خضوعه لثلاث عمليات جراحية مختلفة بالركبة في المراحل الأولى من حياته الرياضية، تمت إعارة المهاجم المولود في براتو إلى فريق كومو بدوري الدرجة الثانية.
بعد عام واحد فقط، سجل 21 هدفاً وساعد ناديه الجديد فيتشنزا على الصعود إلى دوري الدرجة الأولى الإيطالي.
في الموسم التالي، سجل 24 هدفاً مع فيتشنزا، مما أظهر إمكاناته كلاعب يمكنه إحداث الفارق في الدوري الممتاز.
قاد هذا المستوى المحلي الرائع مدرب المنتخب، لاستدعائه إلى المنتخب الإيطالي خلال كأس العالم 1978، حيث سجل ثلاثة أهداف في المونديال.
أحداث كأس العالم 1978 ليست النقطة الرئيسية في قصة باولو روسي، ففي العام 1980 وجد روسي نفسه غارقاً في الفضيحة الشائنة المعروفة باسم "توتونيرو" في أثناء لعبه مع بيروجيا.
كيف دخل باولو روسي إلى السجن؟
كان هناك اثنان من رجال الأعمال الصغار من روما، صاحب المطعم يدعى ألفارو ترينكا وصاحب متجر يدعى ماسيمو كروشياني، كانا دائماً ما يراهنان على نتائج مباريات الدوري الإيطالي حتى وصل بهما الأمر للمراهنة بشكل غير قانوني.
ومن أجل أن يضمنا مكاسبهما، كانا يراهنان بمبالغ طائلة، إضافة إلى دفع الأموال للاعبين من أجل ضمان النتائج التي يريدانها.
ولكن بعض اللاعبين قرروا الانسحاب من الصفقة، مما جعل الشريكين يخسران مبالغ طائلة وصلت إلى ملايين الدولارات، فقررا تسليم نفسيهما للسلطات وذكر أسماء جميع اللاعبين المتورطين معهم ومن بينهم باولو روسي.
اتُّهم روسي بتلقي رشوة قدرها مليونا ليرة إيطالية (نحو 1000 جنيه إسترليني حينها) من كروشيانو وترينكا لضمان التعادل 2-2 في مباراة بين بيروجيا (حيث كان على سبيل الإعارة) وأفيلينو.
في حين نفى روسي التهم الموجهة إليه لكنه أدين في النهاية، على الرغم من ضعف الأدلة وحكم عليه بالسجن، ربما لأنه رفض الإدلاء بأدلة ضد زملائه في الفريق، وفقاً لما ذكره موقع Bleacher Report الأمريكي الرياضي.
باولو روسي ومونديال إسبانيا 1982
وأعلن الاتحاد الإيطالي وقتها إيقاف روسّي 3 أعوام عن ممارسة كرة القدم، على الرغم من مناداته بالبراءة من تلك الفضيحة، التي ظل متمسكاً بها حتى وفاته، وذلك بداية من العام 1980، مما يعني أنه لن يخرج من سجن ريجينا كويلي في روما إلي ما بعد نهاية مونديال إسبانيا 1982.
أصيب إنزو بيرزوت، مدرب المنتخب الإيطالي، بالفزع، إذ كانت البلاد على وشك استضافة بطولة أوروبا 1980، وكان عليه أن يتأقلم بدون نجمه باولو روسي.
بعد البطولة، التي احتلت فيها إيطاليا المركز الرابع، تم تخفيض عقوبة إيقاف روسي بهدوء من ثلاث سنوات إلى سنتين، ليعود في الوقت المناسب لكأس العالم 1982.
بعد فترة وجيزة، وقع روسي مع يوفنتوس وسيتم استدعاؤه إلى كأس العالم 1982، وهو الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تنتقد قرار المدرب بحجة أن روسي فاقد للياقته البدنية، وأنه بكل بساطةٍ غير لائق ليكون جزءاً من المنتخب في المونديال.
لم يسجل أي هدف في الدور الأول للمجموعات!
خلال أول ثلاث مباريات لإيطاليا في المسابقة، كان وجود باولو روسي في الملعب دون أي تأثير، ولم يسجل أي هدف في مباريات بولندا والكاميرون وبيرو، ولكن الطليان تأهلوا للدور القادم رغم أنهم تعادلوا في مبارياتهم الثلاث.
في دور المجموعات الثاني كان الطليان ينافسون للحصول على بطاقة التأهل للدور الثاني، في مجموعة نارية تضمهم إلى جانب قطبي أمريكا اللاتينية: الأرجنتين والبرازيل.
الأهداف التي أبكت البرازيل
في المباراة الأولى فاز الآزوري على منتخب التانغو الأرجنتيني بهدفين لهدف لم يسجل روسي أياً منهما، ولكن في المباراة الثانية أطلق روسي العنان لنفسه وسجل اللاعب الخارج من السجن حديثاً أشهر هاتريك في التاريخ وكان على البرازيل المدجج بنجوم على عيار ثقيل أمثال سقراط وزيكو وفالكاو.
انتصرت إيطاليا 3-2 في تلك المباراة التي صُنفت على أنها واحدة من الأكثر المباريات إثارة في التاريخ.
وصلت إيطاليا إلى الدور قبل النهائي لكأس العالم ضد بولندا، في هذه المباراة سجل المهاجم روسي هدفين كانا كافيين لإيصال الآزوري إلى النهائيات حيث سيواجهون ألمانيا.
واصل روسي الذي دخل إلى السجن والذي اتهمه الإعلام بأنه لاعب فاقد للياقته، كتابة التاريخ وأوصل بلاده للمجد العالمي عندما سجل الهدف الأول في المباراة النهائية التي انتهت بفوز إيطاليا على ألمانيا 3-1، وليحصل روسي على جائزة الحذاء الذهبي برصيد 6 أهداف.
طوال مسيرته، سجل روسي 20 هدفاً في 48 مباراة إجمالية مع المنتخب الإيطالي الأول، إنه أحد هؤلاء اللاعبين القلائل الذين سيُذكرون بشكل حصري تقريباً؛ لمساهماته في كأس العالم بدلاً من الدوري المحلي حيث يصنع الآخرون شهرتهم.
توفي باولو روسي الذي يسميه الإيطاليون "بابليتو"، ويعرفونه في البرازيل بأنه الجلاد، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن عمر يناهز 64 عاماً بسبب سرطان الرئة، بعد أن أصبح بطلاً قومياً في إيطاليا وأصدر كتاباً يسرد قصة حياته سماه "لقد جعلت البرازيل تبكي".
قد يهمك أيضاً: عندما هدد موسوليني لاعبي منتخبه بالموت إذا لم يفوزوا بكأس العالم! أبرز أحداث ثالث مونديال بالعالم