أطلقت السلطات الأمنية المكلفة بمكافحة الشغب في الملاعب في المغرب، خطة أمنية جديدة طبقتها في الجولات الخمس الماضية من الدوري المغربي للمحترفين.
وأثبتت هذه الخطة نجاعتها في الحد من أحداث العنف والشغب الرياضي في المغرب، لاسيما أنه خلّف جرحى ومعتقلين وخسائر مادية، وأيضاً قتلى في الكثير من المناسبات.
وساهمت فترة "الركود" التي خلفها "وباء كوفيد 19" في الموسمين الرياضيين الأخيرين، في بلورة خطة أمنية جديدة، بعدما غابت الجماهير عن ملاعب الكرة لفترة كافية، لوضع ترتيبات أمنية مبتكرة.
وأطلقت السلطات الأمنية مع بداية الموسم الرياضي الجاري في الملاعب المغربية الخطة التي نجحت إلى حد بعيد في الحد من أعمال الشغب إلى حدود الأسبوع الخامس من الدوري المغربي للمحترفين.
ويسعى المغرب إلى القضاء، أو على الأقل الحد من انتشار الظاهرة إلى أبعد نقطة ممكنة، خاصة أنه مقبل على تنظيم منافسات رياضية، في مقدمتها نهائيات كأس إفريقيا لأقل من 23 سنة، المؤهِّلة إلى أولمبياد باريس.
كما تعتزم المملكة تقديم ملف الترشيح لاحتضان "كان" 2025، ومونديال 2030، ولا يرغب في خدش قدراته التنظيمية بوقوع أحداث شغب دامية كالتي عاشتها الملاعب المغربية في السنوات الماضية.
عمليات استباقية لمحاربة شغب الملاعب في المغرب
لم تشهد الملاعب المغربية، منذ انطلاق الدوري أحداث شغب داخلها كما في المواسم الماضية، غير أن السلطات الأمنية، في الجولتين الأوليين، اعتقلت العشرات من المشجعين ساعات قبل بداية المباريات في عدة مدن مغربية.
وتم توقيف 38 شخصاً راشداً، تورطوا في رشق الشرطة بالحجارة، ومحاولة إثارة الشغب والسكر وحيازة المخدرات والشهب الاصطناعية، قبل المباراة التي جمعت بين فريقي الجيش الملكي ونهضة بركان، في العاصمة الرباط.
كما أوقفت الشرطة بمدينة وجدة، 12 شخصاً، بينهم 4 قاصرين، وذلك للاشتباه في تورطهم في ارتكاب أعمال الشغب المرتبط بالرياضة وحيازة المخدرات والمؤثرات العقلية والهجوم على مسكن الغير.
وفي فاس أيضاً، اعتقل 32 فرداً بينهم 11 قاصراً، بسبب تورطهم في أعمال شغب وحيازة أسلحة بيضاء والسكر العلني والتراشق بالحجارة، وإحداث أضرار مادية بممتلكات الغير.
وكشف مصدر أمني لـ"عربي بوست" أن هؤلاء المشجعين الذين أوقفوا قبل المباريات، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هم العناصر التي تتسبب في اندلاع أحداث العنف داخل الملاعب، وإيقافهم قبل المباريات جنّب اندلاعها.
وأضاف المصدر نفسه أن "تدخل الأمن المتخصص في مكافحة الشغب الرياضي، في سياق مقاربة جديدة، للحد من خطورة العنف المرتبط بالملاعب الذي بات يؤرق المسؤولين المغاربة في السنوات الماضية، إذ شهدت معظم مباريات الدوري المغربي للموسم الجاري، عمليات استباقية أسفرت عن اعتقال عشرات الراشدين والقاصرين".
وأوضح المصدر نفسه أن سلطات الأمن المغربية المكلفة بمكافحة أعمال الشغب في الملاعب الرياضية، شرعت، الموسم الجاري، في إجراء عمليات استباقية، عبر مراقبة الجماهير الوافدة على الملاعب بشكل مبكر.
ويتم إخضاع المشتبه فيهم، حسب المصدر نفسه، لتفتيش دقيق، ساعات قبل بداية المباراة، بهدف "وأد الأعمال الإجرامية في المهد"، والعمل على تقليص احتمال اندلاع أعمال شغب عبر اعتقال المتورطين في حمل الممنوعات.
واعتبر المصدر نفسه أن هذه الاستراتيجية أثبتت فاعليتها في المباريات السابقة، إذ لم تسجل أحداث شغب أثناء المباريات داخل الملاعب، بعدما تمكن الأمن من اكتشاف المرشحين لإشعال فتيل الشغب مبكراً قبل بدايتها.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الأمن شرع، الموسم الجاري، في وضع عدة حواجز أمنية على بعد كيلومترين أو أكثر عن الملاعب، حسب أهمية المباراة وحجم الجمهور المتوقع حضوره.
وقال إن "الحواجز الأمنية تلعب دور المصفاة، إذ يتم إخضاع المركبات القادمة نحو الملاعب، لتفتيش دقيق والتحقق من هوية المشجعين والاطلاع على تذاكرهم، ومن لا يملك تذكرة يتم اعتقاله، ولا يطلق سراحه حتى تنتهي المباراة مع توقيعه تعهداً بعدم حضور أي مباراة جديدة دون تذكرة، وفي حال العودة، يتم توقيفه احتياطياً لفترة قد تبلغ 48 ساعة".
واستطرد في هذا الصدد: "أما في حال عثرت المصالح الأمنية خلال عمليات التفتيش في الحواجز على أسلحة بيضاء، ومواد مخدرة، أو غيرها من المحظورات، يتم تحويل الموقوفين إلى المصالح المختصة للتحقيق معهم ومتابعتهم حسب المحجوزات التي رصدت لديهم".
دعم الجمعيات والألتراس
استعان الأمن، خلال الموسم الجاري، بجمعيات وروابط أنصار الأندية من أجل مساعدته على تنظيم المباريات، إذ يشكل أعضاؤها "قوات احتياطية" يُستعان بها في محيط الملاعب، لتنظيم الولوجيات، والحفاظ على سلامة المشجعين ومنع أي شكل من أشكال الازدحام داخل الملاعب.
كما تحرص المصالح الأمنية في كل مدينة على عقد اجتماعات تنسيقية مع ممثلي الجمهور أياماً قبل المباريات لوضع مخطط تنظيمي، وأيضاً للاستماع إلى شكاوى المشجعين ورغباتهم واقتراحاتهم، حتى تمر المباريات في أجواء جيدة بعيداً عن أحداث الشغب.
واضطر أمن مدينة الرباط التواصل مع جمعية "جمهور العاصمة" المساندة لنادي الجيش الملكي، التي أعلنت تجميد أنشطتها الصيف الماضي، لحثها على العودة لممارسة نشاطها بسبب غياب مخاطب داخل جماهير الجيش، التي تعد من أكثر الجماهير المغربية التي سُجّل في حقها أحداث شغب على مدار السنوات الماضية.
وحسب مصادر "عربي بوست" فإن الجمعية استجابت لطلب سلطات الرباط، وباتت تعقد معها اجتماعات تنسيقية قبل كل مباراة، والنتيجة كانت جيدة جداً، حيث أصبحت جماهير الفريق العسكري من أكثر المشجعين انضباطاً خلال الموسم الجاري.
ولم تجد المصالح الأمنية مشكلة في التواصل مع ممثلي الجماهير وحتى روابط "الألتراس" التي قبلت التنسيق مع الأمن، باستثناء "ألتراس" الجيش الملكي، الذي ظل وفياً لما يعتبره "مبادئ فصائل الألتراس في العالم"، التي تُحرم التواصل مع رجال الأمن ومع الصحافة.
وأوضحت المصادر ذاتها أن الأمن يمنح امتيازات كلما أبانت الجماهير عن حسن سلوكها، من خلال فتح جميع بوابات الملاعب بدل بوابة واحدة، والتعامل برفق مع الجماهير خلال الدخول والخروج من الملعب.
كما تتم الاستجابة لمطالبها بعدم التدخل لدى الاتحاد المغربي لمنعه من برمجة مباريات أنديتها في وسط الأسبوع أو خلال الفترة الزوالية، وفي حال عدم التزام الجماهير بـ"الاتفاق" أو تسجيل حالات انفلات لديها، يتم التراجع عن تلك المكاسب ويعود الحزم والتعامل القاسي معها.
يد الأمن تمتد لبرنامج الدوري
يعد التدخل في برمجة مباريات الدوري المغربي، من ضمن الترتيبات الأمنية الاستباقية المهمة، التي يلجأ لها الأمن لتجنب نشوب أعمال شغب في الملاعب.
واضطرت رابطة الدوري المغربي للمحترفين لكرة القدم، لتعديل برنامج المباريات، بعد تدخل الأمن الذي اعترض على مواعيد بعض المباريات لـ"دواعٍ أمنية"، درءاً لنشوب مواجهات وأحداث شغب بين جماهير بعض الأندية المغربية.
وتدخلت المصالح الأمنية في برمجة مباراة الوداد والنهضة البركانية يوم الأحد بالدار البيضاء عوض يوم الجمعة، بسبب تزامنها مع مباراة جمعت بين شباب المحمدية والرجاء الرياضي، بمدينة المحمدية القريبة من الدار البيضاء (27 كيلومتراً).
وتخوفت السلطات الأمنية، من حدوث مواجهات بين جمهوري الوداد والرجاء في حال التقيا في شوارع العاصمة الاقتصادية للمغرب، وهي متوجهة إلى الملعب.
كما رفض الأمن المغربي، إجراء مباراة كانت مقررة الأحد نفسه، بين اتحاد الفتح الرياضي والمغرب الفاسي بالرباط، حيث يوجد ملعب الفتح، وفرضت نقل المواجهة إلى مدينة مراكش، لاسيما أن جمهور المغرب الفاسي تتميز علاقته بجمهور الجيش الملكي الذي توجد معاقله في العاصمة الرباط، بكثير من النفور.
أعراض جانبية
في الوقت الذي أثبتت الخطة الأمنية الجديدة فاعليتها في الملاعب المغربية، انتقلت أحداث العنف إلى الأحياء السكنية، بعدما يئس "المشاغبون" والحاملون لأسلحة بيضاء ومخدرات ومواد مسكرة أو واقعين تحت تأثيرها من دخول الملاعب بسلام.
وفي هذا الصدد صرح مصدر أمني لـ"عربي بوست" بقوله: "إن الأحداث التي تقع بعيداً عن الملاعب، لا تدخل ضمن اختصاصات مصالح مكافحة الشغب المرتبط بالرياضة، بل صارت أعمالاً إجرامية يحاكم المتورطون فيها بعد اعتقالهم حسب فصول القانون الجنائي وليس قانون الشغب. وقد تصل العقوبات إلى السجن لسنوات طويلة، مع تعويض المتضررين حسب حجم الجريمة المرتكبة". مضيفاً أن الخلايا الأمنية المكلفة بتأمين الأحياء تستنفر مصالحها تزامناً مع مباريات كرة القدم في الأحياء المهددة بنشوب أعمال عنف.
وأشار إلى أن "نسبة اندلاع مثل هذه الأحداث آخذة في الانخفاض من أسبوع إلى آخر، وأعتقد أننا بنهاية الموسم الجاري سنكون وصلنا لوضع حد لها، عبر الضرب بيد من حديد على كل المتورطين، سيما أنهم لن يتابعوا بقانون الشغب، بل وفق نصوص القانون الجنائي".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”