في ظل موسم سيئ ثانٍ على التوالي يمر به نادي القرن الإفريقي، ركزت الجماهير على صفقات الأهلي التي أتمّها النادي في موسم الانتقالات الصيفية، في محاولة لتدعيم صفوفه للعودة من جديد إلى منصة البطولات.
لكن يبدو أن "قلة" عدد الصفقات التي قام بها الفريق أصابت قطاعاً من الجماهير بالإحباط، في وقت كانوا يتوقعون فيه أن يفتح النادي الأهلي الباب لكثير من الصفقات لإنقاذ الفريق من الحالة السيئة التي يعاني منها، لكن يبدو أن إدارة الفريق كانت لها حسابات مغايرة ونظرة مختلفة.
موسم سيئ للأهلي
وكان النادي الأهلي المصري مرّ بموسم سيئ لم ينجح خلاله في التتويج بلقب الدوري الممتاز وكأس مصر للموسم الثاني على التوالي وفقدانهما لصالح غريمه التقليدي الزمالك، فيما فقد لقب دوري أبطال إفريقيا بعدما خسر النهائي أمام الوداد المغربي.
ما زاد الأمور تعقيداً هو الإصابات وإرهاق لاعبيه، وما وصفه الجمهور بأنه ظلم تحكيمي تعرض له وقرارات حاسمة من إدارته بإكمال الموسم باللاعبين الشباب والبدلاء وإراحة العناصر الأساسية، ثم تلاه رحيل المدرب الجديد ريكاردو سواريش عقب شهرين فقط له مع المارد الأحمر.
كل ذلك دعا الإدارة للبدء من الصفر مع فريق الكرة بعد هجوم شرس تعرض له الجميع من الجماهير الحمراء الغفيرة، وكانت البداية بضم مدرب كبير؛ مثل السويسري مارسيل كولر ثم دعم الفريق بصفقات مميزة.
حسابات الإدارة والجهاز الفني
هنا بدأت الأزمة بين الجماهير والإدارة؛ إذ ترى الأخيرة أن الفريق في حالة جيدة ولديه عناصر مميزة خاصة بعد شفاء الكل من الإصابات والإرهاق.
ومن ثم يكون التدعيم بشكل محدود، خاصة مع تعنت الأندية المصرية في بيع نجومها ومغالاتهم في طلباتهم المادية لرغبتها في الاحتفاظ بلاعبيها، فقامت الإدارة بضم 3 صفقات فقط حتى الآن، منهم محترف برازيلي قادماً من نادي بوليفار البوليفي "برونو سافيو"، إضافة لثنائي نادي سيراميكا كليوباترا شادي حسين ومصطفى سعد "ميسي".
ورغم محاولات الإدارة الحثيثة لحسم صفقة جناح إنبي مصطفى شلبي، إلا أن إدارة النادي البترولي لا تبدي مرونة في المفاوضات وتتمسك بالمقابل التي تريده لتذهب الصفقة لمهب الريح.
هنا، تفاقمت الأزمة بين الجماهير الغاضبة لعدم التدعيم الكافي؛ إذ ترى أن الفريق يحتاج لصفقات كثيرة وعديدة بمراكز مختلفة، وبين حسابات الإدارة التي اتفقت مع الجهاز الفني الجديد بقيادة كولر، الذي تولى ملف الصفقات كاملاً، على وجهة النظر هذه، بعدم ضم المزيد خاصة أن اللاعبين الموجودين بالقائمة مستواهم قريب من الصفقات المرجوّة مثل شلبي أو غيره بالإضافة للمغالاة المادية من أنديتهم.
هنا قرر الأهلي إنهاء السوق مبكراً وعدم ضم المزيد إلا بشروطه التي يراها مناسبة تماماً لأوضاعه.
الجماهير تريد الكم
على الطرف الآخر، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي هجوماً من الجماهير بشكل مستمر على إدارة الأهلي واتهامها بالفشل والضعف، لعدم قدرتها على إنهاء صفقات أكثر لدعم الفريق.
هذه الجماهير لا تريد رؤية الزمالك بطلاً للدوري للمرة الثالثة على التوالي بالموسم الجديد وسيكون ذلك بمثابة الكارثة لهم؛ لذلك يريدون صرف الملايين للتدعيم بنجوم كثيرة، ظناً منهم أن هذا هو السبيل الوحيد للنجاح وتكوين فريق مدجج بالنجوم لحصد كافة البطولات، كما حدث من قبل عام 2005 مع الساحر البرتغالي مانويل جوزيه.
خبراء الكرة المصرية بين وبين!
لحسم الخلاف بين الطرفين ووجهتي النظر، لجأنا للتحدث خبراء اللعبة من نجوم ومدربي الأهلي ومنتخب مصر السابقين؛ منهم ضياء السيد، الذي تحدث لـ "عربي بوست" حول رؤيته في هذا الأمر.
أكد السيد أن حسابات الإدارة هذه المرة هي الأصوب وأن الفريق مع عودة الكل لحالته الفنية والبدنية الجيدة ومع شغل مميز من المدرب الكبير الجديد، سيكون الشكل والنتائج أفضل وسيغني الأهلي عن الصفقات الكثيرة المدوية.
ويرى السيد أن نجوم الأهلي واجهوا ظروفاً قاسية بسبب تلاحم المواسم وكثرة المباريات بالسنوات الأخيرة، وقد استنزفهم المدرب السابق موسيماني بالاعتماد على عدد معين طوال تلك المواسم والبطولات؛ ما جعلهم ينهارون بدنياً وفنياً وتضربهم الإصابات بكثرة، مما جعل شكل الفريق إجمالاً سيئاً وأثر ذلك على منتخب مصر مع كيروش ببطولة أمم إفريقيا والتصفيات النهائية لكأس العالم.
فيما تحدث محمد يوسف، مدرب الأهلي ونجمه السابق وبطل إفريقيا عام 2013 مع المارد الأحمر، عن هذا الأمر بوجهة نظر مختلفة.
إذ يرى يوسف في حديثه لـ "عربي بوست" أن الأهلي كان بحاجة لصفقات أكثر خاصة في الوسط والهجوم مع تراجع مستوى بعض النجوم الأساسية؛ مثل أفشة ومحمد شريف والشحات والسولية.
ويعتقد يوسف أنه كان لابد من ضم مهاجم صريح آخر قوي وجناح مميز أجنبي بدلاً من تاو المصاب دائماً، وكذلك صانع ألعاب ينافس أفشة ويقدم الحلول للفريق. فيما يرى أن خط الدفاع به عناصر مميزة ولا يحتاج للتدعيم باستثناء بديل لعلي معلول في مركز الظهير الأيسر.
ولكنه أكد على رجاحة نظر الإدارة في تعاملها مع الأندية المتعنتة في بيع نجومها وتبالغ كثيراً في قيمة انتقالهم، فمثلاً لاعب إنبي مصطفى شلبي تطلب الإدارة لبيعه 25 مليون جنيه وهو لا يستحق نصف هذا المبلغ، خاصة أنه لم يلعب دولياً مع المنتخب.
ومن هنا كان يجب عدم التعامل مع هذا الجنون في الأسعار والتوقف عن التعامل مع تلك الأندية لضبط الأسعار كذلك في السوق المصري الذي يصل لمرحلة الهاوية في هذا الأمر بشكل كبير.
ماذا لو..؟
ترى الإدارة والجهاز الفني أنه بعد فترة كافية من عمل المدرب الجديد مع كافة اللاعبين بقائمة الأهلي وتجهيزهم فنياً وبدنياً بالشكل الأمثل ثم لعب المباريات الرسمية وتحقيق نتائج جيدة وبأداء مميز، ستتغير الصورة تماماً وتثبت الإدارة حينها رجاحة وجهة نظرها في عدم الدعم بصفقات إضافية لعدم احتياج الأهلي الفني لهم بالوقت الحالي.
فيما ستكون الضريبة مضاعفة عليهم إذا ما ظهر الأهلي بصورة شاحبة وسط تراجع مستوى أغلب نجومه الأساسيين ووجود ثغرات، ونقص واضح ببعض المراكز التي اكتفت الإدارة بعدم الدعم بها.
إذ ستنقلب الجماهير بشدة على الإدارة أولاً ثم الجهاز الفني واللاعبين وستكون العواقب وخيمة حينها، لأنها لم تنصت لرغباتها منذ البداية وتمسكت برؤيتها وحسبتها التي ستفشل للموسم الثالث على التوالي حينها وهو ما لن تتحمله الجماهير بأي شكل من الأشكال.
كما أن الجماهير ترغب في الانتقام معنوياً من جماهير الزمالك بضم صفقات كثيرة وقوية لإخافتهم قبل انطلاق الموسم الجديد، وإحساسهم بأن تفوقهم بالفترة الأخيرة لن يدوم وأن الموسم المقبل ستكون هناك عودة قوية للأهلي، وذلك في سياق الحرب الكلامية بينهم على مواقع التواصل المختلفة بما يسمى بـ "قصف الجبهات".
لذلك جماهير الأهلي تريد الانتصار معنوياً على خصومها قبل الانتقام فنياً بأرضية الميدان وفي المسابقات الجديدة، وهو أمر فارق لديهم بشكل كبير ولكن الإدارة لا يشغلها مثل تلك الأمور من قريب أو بعيد.
نماذج سابقة تكشف الخفايا
الأهلي في فترات سابقة شهد خفوت مستواه وتراجع نتائجه، فقام بثورات في مواسم الانتقالات وأحدث صفقات عملاقة ليعيد الفريق سريعاً للألقاب، وهو ما صنع ذلك الأمر وأصبحت عادة لدى الجماهير، ويريد الآن إلغاء تلك الفكرة التي اعتاد صنعها في السابق ليغير الأوضاع 180 درجة؛ لذلك هو يعاني مما صنعه من قبل.
النماذج واضحة وتحديداً في موسم 2004-2005 عندما عاش موسماً صعباً مع توني أوليفيرا، وقامت الإدارة بقيادة حسن حمدي حينها ومحمود الخطيب نائبًا، بالتعاقد مع مانويل جوزيه وصرف ملايين الجنيهات للدعم بصفقات نارية؛ مثل محمد أبو تريكة من الترسانة، ومحمد بركات وفلافيو وإسلام الشاطر وحسن مصطفى وعماد النحاس ونادر السيد.
وفيما بعد جاء سيد معوض ونجوم كثيرة، صنعوا الجيل التاريخي الذي سيطر بعد ذلك على كافة البطولات المحلية والقارية، وفاز ببرونزية مونديال الأندية باليابان.
ومرة أخرى مع بداية رئاسة الخطيب الأولى للأهلي عام 2017 كرر الأهلي نفس الفعلة، عندما فشل الأهلي في الفوز بدوري أبطال إفريقيا والبطولة العربية، قام بالتعاقد مع مارتن لاسارتي وضم صفقات مدوية في يناير/كانون الثاني حينها، بضم حسين الشحات من العين الإماراتي مقابل 150 مليون جنيه "5 ملايين دولار"، وإعادة رمضان صبحي من هيدرسفيلد الإنجليزي على سبيل الإعارة مقابل 40 مليون جنيه وضم نجوم آخرين محليين لصناعة الفارق.
فاز الأهلي حينها بالدوري بشق الأنفس وبأداء غير جيد وخسر بالخماسية الشهيرة من صن داونز الجنوب إفريقي وودع بطولة إفريقيا، لذلك فإن هذا الأمر لا ينجح دائماً، بل يعتمد على ظروف كثيرة تكون في صالحه ليؤتي بثماره.
هذه الأدلة لا تعطينا نتيجة واضحة؛ أيهما أصح وأفيد للأهلي: كم الصفقات مثلما ترغب الجماهير، أم الكيف والنوعية كما رأت الإدارة وقامت بضم 3 نجوم فقط هذا الصيف؟.