في كل نهائي لمسابقة إنجليزية محلية، والذي يُقام في العادة على ملعب ويمبلي الشهير في لندن، يتم عزف النشيد الوطني لبريطانيا.
وعندما يكون أحد طرفي نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي أو نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، أو حتى مباراة كأس الدرع الخيرية، فريق ليفربول، فإن جماهيره تصدر من حناجرها صيحات وصافرات الاستهجان ضد النشيد والملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
لماذا يكره جمهور ليفربول الملكة إليزابيث؟
أثناء عزف النشيد البريطاني يستبدل مشجعو ليفربول جملة "حفظ الله الملكة" (God Save the Queen)، بـ"حفظ الله فريقنا"، الأمر الذي يثير موجة من الغضب في البلاد.
عندما سُئل الألماني يورغن كلوب، مدرب ليفربول، عن سبب تصرف أنصار "الريدز"، أجاب: "أعرف أن جماهير ليفربول محترمون، لكن السبب مرتبط بالماضي".
ولا يأتي موقف مشجعي ليفربول من فراغ، بل إن هناك العديد من الأسباب التي تدفعهم إلى هذا التصرف، وفق تقارير بريطانية مختلفة.
وذكر موقع liverpoolecho أن كثيراً من سكان مدينة ليفربول، يرفضون ربط أنفسهم بالنشيد الوطني الإنجليزي، لكونهم يشعرون بالتهميش من قبل الحكومة البريطانية.
وذهب الموقع الإنجليزي إلى أبعد من ذلك، حين أشار إلى أن العديد من أنصار ليفربول لا يشجعون أو يدعمون المنتخب الإنجليزي خلال البطولات الكبرى، مثل كأس الأمم الأوروبية وكأس العالم.
وينبع هذا الشعور من معاملة الحكومات التي يشكّلها المحافظون على مدار عدة عقود، والتي لا تقدم الدعم الكافي لهم، لدرجة أنهم يعتبرون أنفسهم بأنهم أقل إنجليزية من باقي المدن.
مارغريت تاتشر وخططها ضد سكان ليفربول
ورسخ هذا الشعور أكثر في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد حين أدار حزب المحافظين ورئيسة الوزراء مارغريت تاتشر ظهورهم، للمدينة أثناء فترة الكساد الاقتصادي والتراجع الصناعي، الذي ضربها بعد سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ونجم عن ذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر في ليفربول، في وقت لم تحرك الحكومة ساكناً، بل أوغلت في تعميق الأزمة، بقطع خدماتها العامة عن المدينة.
وفي عام 2011، كشفت صحيفة Independent عن كواليس خطة "سرية" اقترحها أحد المستشارين على تاتشر، لإجبار سكان ليفربول على الهجرة من المدينة.
وتم حث تاتشر على ترك ليفربول لمصير "الانحدار الممنهج"، أي تجويع السكان عن عمد، وحرمانهم من الموارد والخدمات العامة.
وإضافة إلى جميع ما ذُكر، فإن مدينة ليفربول اشتهرت باستقبال المهاجرين، كما تدفقت أعداد كبيرة جداً من الأيرلنديين إليها؛ هرباً من مجاعة ضربت بلادهم، لذا تتمتع المدينة بهوية أيرلندية قوية.
كارثة هيلزبره زادت الطين بلة
وما زاد الطين بلة بالنسبة لسكان مدينة ليفربول، هو تعامل الحكومة البريطانية مع كارثة "هيلزبره"، التي أودت بحياة 97 مشجعاً من أنصار "الريدز"، وذلك يوم 15 أبريل/نيسان 1989.
يومها أصر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على إقامة نصف نهائي كأس إنجلترا بين نوتنغهام فورست وليفربول، وهما الفريقان الأكثر شعبية في بريطانيا في ذلك الوقت، على ملعب "هيلزبره" الذي يتسع لـ35 ألف متفرج فقط، رغم حدة التصريحات من الجانبين، والتي زادت من حرارة الموقعة.
ووسط غياب التنظيم، لم تتحمل المدرجات الأعداد الهائلة التي فاقت سعتها، وبدأت الجماهير بالتدافع عقب انطلاق المباراة بثلاث دقائق، بعد شعورها بالاختناق، في وقت رفضت فيه الشرطة فتح المدرجات التي كانت مسيّجة، وهو الأمر الذي تسبب في تفاقم الكارثة.
ولعب النائب المحافظ السابق إيرفين باتنيك دوراً فعالاً في نشر الأكاذيب والإشاعات حول أسباب حدوث الكارثة، كما هاجم مشجعي ليفربول.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أن صحيفة "ذا صن" البريطانية أوغلت في توجيه التهم لجماهير ليفربول، بعدما قامت بانتقاد سلوكهم، بل زعمت أنهم قاموا بالتبول على ضباط الشرطة، ليقوم المشجعون بتنظيم حملة مطالبة بمقاطعتها.
وبعد أيام من الكارثة، بدأت التسريبات حول نتائج التحقيق، والتي أصرت الشرطة من خلالها على أن جمهور ليفربول هو المسؤول عما جرى؛ لكونهم كانوا سكارى، إضافة إلى عدم التزامهم بالهدوء وإثارة الشغب.
وكلفت الحكومة البريطانية اللورد بيتر موراى تايلور بالتحقيق في الحادث، والذي أصدر تقريرين بعد 30 يوماً من عمله، أكد فيهما أن تصرفات المشجعين واتهامهم بالسكر كانت من العوامل الثانوية للكارثة، وأن الشرطة بالغت في تقدير هذه المسألة ووصف ممارساتها بالسيئة، وأن الملعب لم يكن مناسباً من الأساس لاحتضان المباراة.
وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، رئيساً لتحرير مجلة ذا سبيكتيتور، في عام 2004، نشر مقالاً كتبه سايمون هيفر، تطرق فيه إلى عقلية "الضحية" لشعب ليفربول.
وفي أبرز ما كتب هيفر حينها: "إنهم (سكان ليفربول) يرون أنفسهم ضحايا كلما كان ذلك ممكناً، ويشعرون بالاستياء من وضعهم كضحية؛ لكنهم في الوقت نفسه يعيشون فيه".
ورفض جونسون الاعتذار عن نشر المقال، حين طلب منه ذلك عضو البرلمان عن مدينة ليفربول ماريا إيغل، بل إنه تجاهل طلبها دون أن يرد عليه.
اعتذار ديفيد كاميرون لا يكفي
في يوم 12 سبتمبر/أيلول 2012، أصدر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، بياناً رسمياً اعترف فيه بأن جماهير ليفربول وقعت ضحية الافتراء عليها، خاصةً أن الشرطة أخفت الحقائق والأدلة التي تدينها، إلى جانب افتقادها معايير اختيار الملعب الذي يفتقر إلى السلامة والأمان.
وصرح كاميرون في ذلك الوقت: "بالنيابة عن هذا البلد، أقدم اعتذاري الشديد والعميق عن الظلم الذي تعرضت له أسر الضحايا، كان ظلماً مزدوجاً، جماهير ليفربول لم تكن السبب في الكارثة".
وبعد كل ما ذُكر، يرى موقع Goal العالمي، أنه ليس من الغريب أن تعبر جماهير ليفربول عن رفضهم واستهجانهم للنشيد الوطني.
ويضيف: "في حال غنوا (جماهير ليفربول) النشيد، فإنهم سيظهرون دعمهم لنظام ملكي، لم يُقدم لهم أي دعم في البداية".
وترفع جماهير ليفربول على الدوام في ملعب أنفيلد، لافتة مكتوباً عليها "Scouse not English"، وتعني "سكواس وليس إنجليز"، إذ تشير كلمة "سكواس" إلى أكلة شعبية أيرلندية، باتت تعبّر عن سكان المدينة بأسرها، وهو ما يكشف مدى شعور سكان تلك المدينة بأنهم لا يمتّون بأي صلة لإنجلترا.