في تسعينيات القرن الماضي، اتَّخذ الأهلي المصري برئاسة الراحل صالح سليم، قراراً مفاجئاً وصادماً، رآه البعض جريئاً، بمقاطعة البطولات الإفريقية لأجل غير مسمى.
وجاء قرار الأهلي وسليم حينها، على خلفية أحداث المباراة الشهيرة التي جمعت قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، في كأس السوبر الإفريقي عام 1994.
قصة مقاطعة الأهلي لبطولات إفريقيا
واجه الأهلي، بطل مسابقة كأس الكؤوس الإفريقية، غريمه ومواطنه الزمالك، بطل كأس أبطال الدوري، يوم 16 يناير/كانون الثاني 1994، في مباراة السوبر الإفريقي في جوهانسبرغ، عاصمة جنوب إفريقيا.
تُوج الزمالك باللقب عقب فوزه بهدف وحيد، أحرزه أيمن منصور قبل 3 دقائق من نهاية الوقت الأصلي، في مباراة شهدت مناوشات عديدة بين إداريي الأهلي والمراقب البوتسواني إسماعيل بانغي، واعتراضات بالجملة على قرارات الحكم الجنوب إفريقي باتروس ماتابيلا.
وعلى إثر هذه الأحداث قرَّر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، يوم 1 فبراير/شباط 1994، حرمان إبراهيم حسن، مدافع الأهلي حينها، لمدة عام من المشاركة في البطولات الإفريقية مع الأندية والمنتخب، لاعتدائه على الحكم.
كما أوقف "كاف" محمد يوسف، مدافع الأهلي أيضاً، لمباراتين، عقب طرده بالبطاقة الحمراء، على خلفية تدخله الخشن على النيجيري إيمانويل إيمونيكي، مهاجم الزمالك.
ووجَّه "كاف" إنذاراً لطارق سليم، مدير الكرة بالأهلي، وللإنجليزي آلان هاريس، مدرب الفريق، لما بدر من الأول تجاه مراقب المباراة وتهديده له، وألفاظ "غير مقبولة" صدرت عن الثاني تجاه القارة السمراء، مع التأكيد على أنه في حال تكرار مثل هذه التصرفات ستكون هناك عقوبات مشددة ضدهما.
لم ترُقْ هذه القرارات لإدارة "القلعة الحمراء"، وفي ردٍّ منها على ذلك قرَّر الرئيس صالح سليم، يوم 10 فبراير/شباط 1994، بعد اجتماع مع مجلس الإدارة، عدم المشاركة في البطولات الإفريقية لأجل غير مسمى.
الرئيس الشهير للنادي الأهلي أكد في تصريحات صحفية آنذاك، أن قرار المقاطعة ليس فقط لأحداث مباراة السوبر، ولكن بسبب الخسائر المادية التي يتكبدها النادي، من سفر وإقامة دون الحصول على عائد مادي من قبل "الكاف".
كاف يعاقب الأهلي
لم يقف "الكاف" مكتوف الأيدي تجاه ما بدر من قرارات للأهلي، فقرر حرمانه من المشاركات في بطولاته لمدة 3 سنوات، وأبلغ نظيره الدولي "فيفا" بها، والذي أعلن بدوره تنفيذ العقوبات محلياً وقارياً ودولياً.
وبالفعل غابت شمس الأهلي عن القارة السمراء منذ عام 1995 حتى عام 1998، قبل أن يظهر للمرة الأولى في مسابقة دوري أبطال إفريقيا، في المسمى الجديد للبطولة، في موسم 1998-1999.
واحتكر الأهلي بطولة الدوري المصري منذ موسم 1993-1994 حتى موسم 1999-2000، ما يعني أنه صاحب الحق في المشاركة في البطولة الإفريقية الأكبر للأندية، لولا العقوبة.
واستفاد الإسماعيلي والزمالك من العقوبات المفروضة على الأهلي، فشارك الأول في نسخة 1995، بينما كان الثاني هو الأكثر استفادة حين ظهر في نسخة 1996 وفاز بها، ليشارك النادي الأبيض في النسخة التالية بصفته بطلاً.
ويبدو أن "كاف" أدرك أن عليه إحداث تغييرات جوهرية في نظام البطولة بعد انسحاب الأهلي، فقرر في عام 1997 تغيير اسم البطولة إلى "دوري أبطال إفريقيا"، مع منح جوائز مالية للمرة الأولى، بقيمة 2 مليون دولار، منها 750 ألف دولار تُمنح للوصيف.
ومع مرور الوقت ارتفعت مكافأة الفوز بالبطولة، ليحصل البطل على مبلغ 2.5 مليون دولار، مقابل 1.25 مليون دولار لصاحب المركز الثاني.
سبب عودة الأهلي إلى البطولات الإفريقية
عودة الأهلي إلى المشاركة إفريقياً كانت في موسم 1998-1999، وحينها لم ينجح الفريق في تجاوز الدور الأول، لكن عودة "الشياطين الحمر" كانت لهدف آخر.
فقد كشف عدلي القيعي، مدير الأهلي السابق، في تصريحات تلفزيونية عام 2018، أن هدف العودة لإفريقيا كان من أجل التصنيف في المنافسة على لقب نادي القرن، وحرمان المنافس (الزمالك) من النقاط، وأن الأولوية لم تكن للمشاركة في البطولات.
وهو الأمر الذي نبّه إليه القيعي في اجتماع لمجلس الإدارة، وأكد عليه مصطفى مراد فهمي، عضو إدارة الأهلي وسكرتير عام الاتحاد الإفريقي الأسبق، ما أسهم في عودة النادي إلى البطولة الإفريقية الأهم في القارة السمراء.
وبالفعل، حصل الأهلي على لقب نادي القرن في الحفل الذي أقامه "كاف" في جوهانسبرغ عام 2001، بعدما جمع 40 نقطة، بفارق 3 نقاط عن غريمه الزمالك.
ويحمل الأهلي الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بالبطولة (10 مرات)، وذلك بعد ظهوره في النهائي 15 مرة، خسر منها 5 مرات، آخرها أمام الوداد المغربي، يوم 30 مايو/أيار 2022.
وكان من الممكن أن يرتفع رصيد الأهلي لو شارك في تلك الحقبة، كون الفريق كان يملك نجوماً من الصف الأول في مصر وإفريقيا، على رأسهم التوأم حسام وإبراهيم حسن وياسر ريان، والغاني أحمد فيليكس، وحارس المرمى الشهير أحمد شوبير.
وبطبيعة الحال كان تتويج الأهلي بلقب حينها سيمنحه أحقية المشاركة في بطولة كأس السوبر، وبالتالي زيادة غلته من الألقاب، وأيضاً رصيده من النقاط إفريقياً.
وعلى أقل تقدير كانت مشاركة الأهلي ستحرم غريمه الزمالك من اللقب الذي حققه في عام 1996، ومن بعده لقب كأس السوبر 1997، بالإضافة إلى عدم منحه أي نقاط من المشاركة في نسختي 1996 و1997.
انتقادات لقرار المقاطعة
وبالعودة إلى قرار الانسحاب الشهير، فقد رأى فيه بعض المصريين الخطأ الوحيد للراحل صالح سليم في فترة إدارته للأهلي، وهو المعروف بعقليته الإدارية الفذة.
وأكد عصام عبد المنعم، الرئيس الأسبق للاتحاد المصري لكرة القدم، والذي كان مراسلاً لصحيفة الأهرام الرياضي وقتها، أن قرار الأهلي كان خاطئاً تماماً، وأن "الكاف" كان محقاً في العقوبات التي فرضها على النادي.
وذهب عبد المنعم إلى أبعد من ذلك، حين قال إن "كاف" كان رحيماً بإبراهيم حسن، الذي اعتدى على الحكم، وبمدير الكرة طارق سليم، وبالمدرب ألان هاريس، اللذين اعتديا على مراقب المباراة، وإن العقوبات كان من المفترض أن تكون أغلظ من ذلك، وفق لاعب الأهلي السابق.