ووري اللاعب الدولي الجزائري السابق فوزي منصوري الثرى يوم الثلاثاء 24 مايو/أيار 2022 بمدينة نيم الفرنسية، بعد وفاته يوم الأربعاء 18 من نفس الشهر، عن عمر 66 سنة، إثر معاناته من مرض عضال.
وقد أقيمت جنازة فقيد الكرة الجزائرية بحضور أفراد عائلته وبعض أصدقائه ومقربيه، مثلما أرادت عائلته، في حين تم، قبل الجنازة، إلقاء نظرة الوداع على المرحوم بقاعة فندق "سي سويت" بمدينة نيم، حضره حوالي 200 شخص.
وكان من بين الحاضرين الذين ألقوا نظرة الوداع على فوزي منصوري، بعض الرسميين على غرار القنصل العام للجزائر بمدينة مرسيليا الفرنسية خالد مواقي بناني، والعمدة السابق لمدينة نيم ألان كلاري، ونائب عمدة مدينة نيم المكلف بالرياضة نيكولاس راينفيل، والمسؤولين السابقين في نادي نيم، جان بيار فايون و ألان غازو، إضافة لأوليفييه نيكولان، ابن الرئيس السابق لنادي مونبلييه الفرنسي، لويس نيكولان، وشقيق الرئيس الحالي لنفس الفريق، لوران نيكولان.
وبحسب ما ذكرته صحيفة" أوبجيكتيف غارد" الفرنسية الإلكترونية، يوم 24 مايو/أيار 2022، فقد حضر أيضاً المدربان السابقان لفريق نيم، جوزيه باسكيلاتي وجيروم أربينون، وبعض الزملاء السابقين لمنصوري في ناديي نيم ومونبيليه، يتقدمهم اللاعب الدولي الجزائري السابق رابح قموح.
ومن أبرز الشهادات التي نقلتها نفس الصحيفة المحلية عن مآثر الفقيد، ما قاله أوليفييه نيكولان: "لقد كان فوزي رجلاً مستقيماً ورجلاً شريفاً".
ونفس الشهادات تقريباً أدلى بها زملاء فوزي منصوري في منتخب الجزائر، على غرار فضيل مغارية الذي بدا متأثراً جداً لما اتصلت به قناة "الهداف" الجزائرية، وقال عنه: "لقد كان متواضعاً وخلوقاً.. وكان فور ما يتلقى استدعاء من المنتخب الوطني يشتري تذكرة الطائرة من جيبه الخاص وأول من يأتي إلى الجزائر ويدخل إلى معسكر المنتخب".
وأعاد مغارية التذكير بأن منصوري ضحى وفسخ عقده مع نادي مونبيليه الفرنسي من أجل المنتخب الوطني، هو وزميله كريم ماروك.
ضحى بمشواره الاحترافي من أجل الجزائر
ولمن لا يعرف هذه القصة، فإن في وقت احتراف فوزي منصوري في سنوات السبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لم تكن هنالك قوانين للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تحمي اللاعبين الدوليين المحترفين، والتي تُجبر الأندية المحترفة على السماح للاعبين بخوض المعسكرات والمباريات الدولية لمنتخبات بلدانهم المختلفة.
وكان بعض اللاعبين يضعون في عقودهم مع الأندية بنداً يسمح لهم بالمشاركة في مباريات منتخباتهم الوطنية، فيما كان الكثير من اللاعبين لا يملكون ذلك البند "الثمين"، ولذلك فقد كان البعض من المحترفين الجزائريين بأوروبا يغامرون بتلبية دعوة المنتخب رغم تهديدات إدارة فرقهم الأجنبية، مثلما كان الشأن بالنسبة لفوزي منصوري وكريم ماروك اللذين لبَّيا "نداء الوطن"، للمشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم التي جرت في شهر مارس/آذار 1986 بمصر، وذلك بدون موافقة ناديهما مونبيليه، ما جعل الأخير يفسخ عقديهما بشكل قانوني دون منحهما تعويضات.
وشارك اللاعبان في بطولة أمم إفريقيا "1986" التي أقيمت بمصر، كما شاركا أيضاً في نهائيات مونديال المكسيك في صيف نفس العام، ولكن إذا كان ماروك قد وجد فريقاً محترفاً ينشط به في موسم 1986- 1987، وهو نادي ديبورتيفو لوغرونيس الإسباني، ثم مولودية وهران الجزائري من 1987 إلى 1992، فإنّ فوزي منصوري قرر الاعتزال مبكراً في سن الـ30 عاماً من عمره.
وصلتُ بك عزيزي القارئ إلى فترة اعتزال المرحوم، فاسمح لي أن أعود إلى بداية مشواره الرياضي.
فقد ولد فوزي منصوري يوم 17 يناير/كانون الثاني 1956، ببلدة "منزل بورقيبة" بولاية بنزرت التونسية، وبدأ مشواره الكروي ضمن فريق الشباب لفريق نيم الفرنسي، قبل أن يوقع معه على أول عقد احترافي في عام 1975، حيث نشط ضمنه حتى سنة 1980، حيث لعب بعدها موسماً واحداً مع نادي بيزييه الفرنسي ثم موسمين مع مونبيليه (من 1981 إلى 1983)، فميلوز الفرنسي من 1983 إلى 1985، قبل أن يعود إلى مونبيليه في موسم 1985 – 1986، ويعتزل بعدها بسبب القصة التي سبق لي ذكرها.
دخل قلوب الجزائريين في مباراته الدولية الأولى
وخاض فوزي منصوري أول مباراة له مع منتخب الجزائر يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 1981 بمدينة لاغوس النيجيرية، لحساب مواجهة الذهاب للدور الأخير لتصفيات مونديال إسبانيا 1982، التي انتهت بفوز "محاربي الصحراء" بنتيجة هدفين لصفر.
وقبل أن يشارك منصوري في ذلك اللقاء التاريخي، كان منتخب الجزائر يضم في صفوفه لاعباً ينشط في مركز الظهير الأيسر، محبوب من طرف الجماهير لمهاراته الفنية العالية وصلابته الدفاعية على الرغم من قصر قامته، ولذك فلما استمع الجمهور لتشكيلة الفريق التي واجهت "النسور الخضر" تفاجأ بالاسم الجديد الذي استولى على مركز كويسي، ولكن سرعان ما أعجب به ودخل قلبه لما شاهد المباراة مُسجلة (وليس على المباشر) على شاشة التلفزيون بالنظر للحرارة الكبيرة التي لعب بها وقدرته على أخذ الكرة من المنافس دون ارتكاب الأخطاء.
ثم شارك فوزي في مباراة الإياب بمدينة قسنطينة يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1981 والتي فاز بها منتخب الجزائر بنتيجة هدفين لواحد، وكسب على إثرها بطاقة التأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 1982 لأول مرة في تاريخ البلد.
وكان منصوري، إذن، ضمن كتيبة المنتخب الجزائري التي خاضت مونديال إسبانيا 1982، وساهم في الفوز التاريخي على منتخب ألمانيا الغربية (2-1) في المباراة الأولى للدور الأول للمسابقة، يوم 12 يونيو/حزيران بمدينة خيخون، كما شارك في اللقاءين الأخيرين، أمام النمسا (0-2) وتشيلي (3-2).
أحد أفراد الجيل الذهبي لثمانينيات القرن الماضي
ويعتبر فوزي منصوري، إذن، أحد أفراد الجيل الذهبي لمنتخب الجزائر الذي تأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم في مناسبتين متتاليتين (1982 و1986)، رفقة لخضر بلومي وصالح عصاد ورابح ماجر وتوفيق قريشي، لكن ذلك المنتخب لم يكن محظوظاً في البطولات الإفريقية، بحيث اكتفى باحتلال المركز الرابع في دورة ليبيا 1982 والثالثة في دورة كوت ديفوار 1984 وخرج من الدور الأول في دورة مصر 1986.
ولم ينسَ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" الإشادة بخصال الراحل، حيث وفي رسالة تعزية موجهة إلى رئيس اتحاد الكرة الجزائري عمارة شرف الدين، أعرب رئيس "الفيفا"، جياني إنفانتينو، عن "حزنه العميق" لفقدان اللاعب فوزي منصوري.
وبعد إيجاز لمشواره الرياضي، أثنى انفانتينو على الصفات المهنية والإنسانية لمنصوري واصفاً إياه بـ"أسطورة كرة القدم الجزائرية"، الذي "لن يُنسى إرثه وإنجازاته داخل وخارج الميدان".
وقبل أن أختم مقالي، تجدر الإشارة إلى أنه وبعد سنوات عدة من اعتزال فوزي منصوري اللعب، وكأنّ الرئيس الأسطوري لنادي مونبيليه، لويس نيكولان، قد أحسّ بالذنب تجاه النجم الجزائري، فقام بضمّه لشركته الضخمة "نيكولان" المختصة في معالجة وتطهير النفايات الصناعية، حيث أصبح فوزي أحد أفضل مقربيه وصديقاً وفياً لعائلة نيكولان، مالكة النادي، حتى وفاته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.