يعتبر النقاد والجماهير الإنجليزية بول غاسكوين، أو كما يطلق عليه محبوه "غازا"، أحد أمهر اللاعبين في تاريخ الكرة الإنجليزية. بقوة بدنية هائلة يمتلكها وقدرات ومهارة فطرية على مداعبة الكرة، وروح مرحة يزينها ثغر باسم ترسم الشكل الكلاسيكي للاعب كرة القدم الذي تميل له جماهير الكرة.
كان ذلك هو الحال حينما بدأ ابن مدينة نيوكاسل ركل الكرة رفقة الفريق الأول للمدينة في ملعب سان جيمس بارك عام 1985 تحت قيادة المدرب جاك تشارلتون الذي لم يرَ فيه مستقبل نادي نيوكاسل فحسب، بل مستقبل الكرة الإنجليزية أيضاً.
بدايات بول غاسكوين
لعب تشارلتون دوراً كبيراً في بدايات غاسكوين بعد أن تابعه مع فريق الشباب في النادي فحوَّله من لاعب لا يشارك بصفة مستمرة مع الفريق إلى أهم لاعبيه بعد أن أمره بالتوقف عن تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية لإنقاص وزنه.
النصيحة التي جلبت الخير لغاسكوين الذي منحه تشارلتون فرصة اللعب مع الفريق الأول قبل أن يقود فريق الشباب إلى التتويج ببطولة الاتحاد الإنجليزي للشباب للمرة الثانية في تاريخ النادي بعد أن أحرز هدفين في المباراة النهائية ضد واتفورد.
لم يكن تشارلتون ليفوِّت تلك المباراة تحت أي ظرف من الظروف، وذهب رفقة مساعده لمشاهدة شباب النادي في النهائي. عن هدف غازا الثاني قال تشارلتون: "إن عشت 100 عام لن أشاهد هدفاً مثل هذا الهدف مرة أخرى".
مع بداية موسم 1985-1986 أصبح غازا الحلقة الأقوى في وسط ملعب نيوكاسل وبدأ الجميع في إنجلترا يتحدث عن اللاعب القادم من فريق الشباب ليعوض غياب نجم الفريق كريس وادل الذي رحل إلى توتنهام في سوق الانتقالات الصيفية.
استمتع بول غاسكوين باللعب أمام جمهور فريق طفولته واستمتعت جماهير الفريق بموهبتهم الصاعدة رغم العروض المخيبة والنتائج السيئة التي كان يقدمها الفريق الذي استطاع النجاة من الهبوط بمعجزة، بفارق 3 نقاط فقط.
لكن الفريق شهد تحسناً واضحاً في الموسم التالي بفضل الأداء الذي كان يقدمه غاسكوين والذي توجه في نهاية الموسم بلقب أفضل لاعب صاعد في الدوري الإنجليزي.
الأداء الذي قدمه غاسكوين مع نيوكاسل جعله على رأس قائمة اللاعبين المطلوبين في الفرق الكبرى، خاصة مع ظهور بعض التقارير برغبة اللاعب في الرحيل عن نيوكاسل لغياب الطموح لدى الإدارة للمنافسة على بطولة الدوري.
صيف 1988 كان مشتعلاً في أروقة نادي نيوكاسل مع وصول العروض المغرية من الفرق الكبرى لضم غازا وعلى رأسهم توتنهام هوتسبر تحت قيادة تيري فينابلز الراغب بشدة في التعاقد مع نجم غاسكوين والذي وعده بأن يكون توتنهام طريقه لتحقيق حلم طفولته.. اللعب لمنتخب إنجلترا.
خان السير أليكس فيرغسون
بدأ "الحريف" مع أسرته دراسة العرض المقدم له من توتنهام، حتى جاءته مكالمة من مدينة مانشستر بعثرت أفكاره. في الجزء الأحمر من المدينة، يسعى السير أليكس فيرغسون لبناء فريق يعيد أمجاد الشياطين الحمر ووجد في غاسكوين ضالته.
اتصل فيرغسون بغاسكوين وأبلغه رغبته في ضمه إلى كتيبته. لم يفكر غاسكوين مرتين ورد بحسم:
"سيد فيرغسون.. سألعب تحت قيادتك الموسم القادم".
رد عليه فيرغسون: "بإمكاني الآن الذهاب إلى إجازتي السنوية وأنا واثق من أني قد وقعت مع اللاعب الذي أريده". رد عليه بول: " نعم.. استمتع بإجازتك".
في تلك اللحظة كان غاسكوين صادقاً مع نفسه، يريد الفتى اللعب تحت قيادة أليكس فيرغسون في مانشستر يونايتد. لكن جاءته مكالمة من شمال لندن، حيث يتابع فينابلز مفاوضات ضم غاسكوين عن قرب وحين علم باقتراب مانشستر يونايتد من إتمام التعاقد مع الفتى الذهبي طلب من النادي أن يفعل المستحيل لمنع مانشستر يونايتد من إتمام التعاقد.
"غاسكوين.. وقّع معنا وسنشتري لأسرتك منزلاً"
كان ذلك إحدى أوراق توتنهام السحرية لتغيير وجهة غاسكوين الذي اتصل بوالده لإبلاغه بعرض توتنهام شراء منزل للأسرة. وكان رد فعل الوالد واضحاً "اطلب منهم سيارة للأسرة .. ثم وقع لهم".
لم ترفض إدارة توتنهام طلب غاسكوين بشراء السيارة لأسرته بالإضافة إلي المنزل وسرير تشمس لأخته التي أرادت هي الأخرى أن تنال قطعة من الكعكة.
دفع توتنهام 2.2 مليون جنيه إسترليني إلى نيوكاسل ليتعاقدوا مع الموهبة الصاعدة في إنجلترا في صفقة جعلت من غاسكوين أغلى لاعب في الدوري الإنجليزي حينها.
بدأت رحلة غاسكوين مع توتنهام وشكل ثنائياً خطيراً مع كريس وادل الذي سار غاسكوين علي دربه بالرحيل من نيوكاسل إلى توتنهام وقدموا عروضاً رائعة أبهرت جماهير ملعب الوايت هارت لين. على الجانب الآخر، كان الحزن والحسرة لا يغيبان عن جماهير نيوكاسل وهم يتابعون أبناء النادي يتألقون بعيداً عن سان جيمس بارك.
استقرت حياة غاسكوين في لندن وأصبح من مشاهير مدينة الضباب واستقر في منزله وبدأ يتلقى الرسائل من المعجبين على البريد الخاص بمنزله.
في أحد الأيام عاد غاسكوين إلى المنزل وتفقد صندوق بريده، ليجد رسالة قادمة من مانشستر وتوقّع غاسكوين هوية المرسل قبل أن يبدأ قراءتها..
"يا لَلعار .. حتى الآن لا أصدق ما فعلته أيها الغبي، لقد رفضت عرضاً من أكبر أندية العالم. لقد جاءتني عروض من ريال مدريد وبرشلونة وميلان للانضمام إليهم ولكني رفضتها جميعاً من أجل مانشستر يونايتد. لقد قلت لي أن أطمئن وأذهب إلى إجازتي وفي النهاية وقعت لتوتنهام". أليكس فيرغسون
كان هذا نص الرسالة التي أرسلها فيرغسون إلى غاسكوين مع وابل من السباب والشتائم له ولفريقه الجديد.
لم يحصل غاسكوين على ما حلم به مع توتنهام؛ حيث أسفرت سنواته الأربع مع الفريق بالتتويج بلقب وحيد وهو كأس الاتحاد الإنجليزي. لكنه حصل على ما وعده به فينابلز فنال الاستدعاء الأول له للمنتخب الإنجليزي تحت قيادة بوبي روبسون في موسمه الأول مع الفريق وشارك معهم في أفضل إنجازات الفريق منذ التتويج بكأس العالم عام 1966 حين وصلوا إلى نصف نهائي كأس العالم عام 1990 ولم يمنعهم عن النهائي إلا الركلات الترجيحية التي ابتسمت للألمان.
حظي غاسكوين بمسيرة لامعة في توتنهام، لكن تظل تلك اللحظة التي رفض فيها عرض السير فيرغسون هي الأكثر محورية في حياته. فمن يدري إن وقَّع لمانشستر يونايتد كيف كانت ستصبح مسيرته مع كرة القدم.
"لم يتحدث معي السير أليكس فيرجسون إلا بعد تلك الواقعة بـ 6 أعوام.. لو وقَّعت له لكنت توِّجت بالعديد من البطولات بينما كانت أختي ستضطر لشراء مسحوق تجميل لتسمير بشرتها"
- بول غاسكوين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.