"الريمونتادا"، هي كلمة إسبانية انتشرت في خمسينيات القرن الماضي، لكنها توسعت عالمياً بين عشاق كرة القدم على وجه الخصوص في السنوات القليلة الماضية، وتحديداً عندما نجح برشلونة في تحقيق عودة "إعجازية"، وقلب الطاولة على باريس سان جيرمان، في إياب الدور ثمن النهائي من موسم 2016-2017، لمسابقة دوري أبطال أوروبا.
أخذت هذه الكلمة مساحة أكثر انتشاراً بعد ذلك بعام واحد، بعدما ذاق برشلونة نفسه من الكأس ذاتها التي أسقاها لباريس، وغادر دوري الأبطال بسيناريو مجنون أمام روما، من ربع النهائي، فما معنى "ريمونتادا"؟
ماذا تعني كلمة "ريمونتادا"؟
"الريمونتادا"، كلمة إسبانية تعني تخطي المهام الصعبة والعودة، واستخدمت في الحروب وثورات الاستقلال بين القرن الـ16 إلى الـ19 الميلادي، عندما كان إقليما الباسك وكتالونيا يحاولان الانفصال عن النظام الملكي في إسبانيا.
ولكن عند استخدامها في كرة القدم، فهي تشير إلى فوز بنتيجة أو بسيناريو غير متوقع، أو قلب نتيجة المباراة في وقت قياسي.
أعادت صحيفة SPORT الكتالونية في عام 2013، إطلاق هذا المصطلح بعد اندثاره فترة طويلة، لكنه لم يأخذ صدى واسعاً إلا بعد مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان الشهيرة.
وفي يونيو/حزيران 2020، دخلت كلمة "ريمونتادا" معجم "لاروس"، وهو واحد من أشهر المعاجم في فرنسا والعالم.
أشهر مباريات الريمونتادا
وتحفل كرة القدم بالعديد من المباريات التي نُقشت في ذاكرة المشجعين والمتابعين، والتي نجحت فيها فرق معينة في العودة من بعيد، وتحقيق انتصار مجنون، نرصد بعضها في هذا التقرير.
برشلونة – باريس سان جيرمان 2017
يطلق كثيرون على هذه المباراة أنها "الريمونتادا" الأقوى في التاريخ، لأن برشلونة عاد خاسراً بأربعة أهداف نظيفة من باريس، في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، وكان مطالَباً بتسجيل خمسة أهداف دون أن تهتز شباكه من أجل رد اعتباره كاملاً.
وفي لقاء الإياب على كامب نو يوم 8 مارس/آذار 2017، أحيا لويس سواريز أمل الكتلان في العودة بإحرازه الهدف الأول في أول دقيقة، وتبعه أندريس إنييستا بالهدف الثاني قبل 3 دقائق من نهاية الفترة الأولى.
وشدد ليونيل ميسي الخناق على الباريسيين في الدقائق الأولى من الشوط الثاني، مسجلاً الهدف الثالث من علامة الجزاء، وعندها انقلب الملعب إلى جحيم وحماسة وهتافات وصراخات، أخرسها الأوروغوياني أدينسون كافاني بهدف باريسي قاتل في الدقيقة 57، ليصبح برشلونة مطالباً بتسجيل ثلاثة أهداف أخرى.
واقترب باريس من قطع تذكرة العبور للدور التالي، لكن 7 دقائق مجنونة وغير مسبوقة، بدأت من الدقيقة 88 وحتى 95، أبقت البطاقة في برشلونة.
ثلاثة أهداف سجل منها نيمار اثنين، وأهمها على الإطلاق هدف سيرجي روبيرتو الذي غير عداد النتيجة إلى 6-1، وسط حالة من الهستيريا والجنون على مدرجات كامب نو والعالم أجمع.
ميلان – ليفربول 2005
في الخامس والعشرين من مايو/أيار 2005، احتضن ملعب أتاتورك في مدينة إسطنبول نهائي دوري أبطال أوروبا بين ميلان وليفربول.
الفريق الإيطالي كان في طريق ممهد نحو لقب أوروبي جديد، بعدما أنهى الشوط الأول متقدماً بثلاثية نظيفة، وقَّع عليها باولو مالديني وهيرنان كريسبو بهدفين.
أغلق الجميع صفحة المباراة، لكن لاعب ليفربول فتحوها من جديد، ونجحوا بظرف 6 دقائق في تسجيل 3 أهداف، من الدقيقة 54 وحتى 60، عن طريق ستيفن جيرارد، وفلاديمير سميتشر، وتشافي ألونسو.
لجأ الفريقان إلى ركلات الترجيح بعد استقرار النتيجة عند 3 مقابل 3 فيما تبقى من وقت المباراة الأصلي والإضافي، ليخطف "الريدز" اللقب بثلاث ركلات مقابل اثنتين.
ليفربول – برشلونة 2019
رجح المحللون والنقاد والجمهور كفة برشلونة للوصول إلى نهائي دوري الأبطال، بعد فوزه الكبير على ليفربول بثلاثية نظيفة في كامب نو، وتأكد غياب النجم المصري محمد صلاح عن موقعة الإياب.
لكن الفريق الكتالوني الذي وقع في فخ "الريمونتادا" قبلها بعام أمام روما، لم يتعلم الدرس، وانهار بظرف دقائق معدودة في أنفيلد يوم 7 مايو/أيار 2019.
استثمر ليفربول عاملَي الأرض والجمهور كما يجب، وأنعش آماله بهدف مبكر عن طريق ديفوك أوريغي، لكن دقيقتين مجنونتين منحتا "الريدز" هدفين متتاليين عن طريق الهولندي فينالدوم، لتتعادل الكفتان.
وأعطى ترينت ألكسندر أرنولد الجماهير والمباراة جرعة إضافية من الإثارة، حين نفذ ركلة ركنية ماكرة، في غفلة من دفاع برشلونة، وضعها أوريغي في الشباك، مانحاً ليفربول هدف التأهل، وسط صخب استثنائي على المدرجات.
مانشستر يونايتد – بايرن ميونيخ 1999
في المباراة النهائية لدوري الأبطال يوم 26 مايو/أيار 1999، كان بايرن ميونيخ على بُعد لحظات قليلة من التتويج، عقب إحرازه هدفاً مبكراً عن طريق ماريو باسلر، حافظ عليه حتى الدقيقة 90.
وبعد التسعين بدقيقة واحدة، انطلقت ثورة "الشياطين الحمر"، وأحرزوا أولاً هدف التعادل عن طريق تيدي شيرنغهام، وانتظر الجميع الذهاب إلى الأشواط الإضافية.
لكن قبل ذلك، وصلت الكرة إلى ركنية نفذها ديفيد بيكهام، تهادت أمام النرويجي أولي غونار سولشاير، الذي اعترض طريقها بقدمه، وحوّلها إلى شباك الحارس الألماني أوليفر كان، في الدقيقة 93، ليحول دفة اللقب إلى مانشستر، وسط ذهول الألمان.
ديبورتيفو لاكرونيا – ميلان 2004
لم يجرؤ أحد في العالم على التحدث عن عودة مستحيلة للفريق الإسباني أمام ميلان الخبير، بعدما انتهى لقاء الذهاب بينهما في نصف نهائي دوري الأبطال بفوز "الروسونيري" 4-1.
غير أن خافيير إيروريتا، مدرب لاكرونيا، كان الوحيد الذي تمسك بخيط رفيع جداً من الأمل، وصرح: "المعجزات تحدث في كثير من الأحيان، أشياء قد لا تتوقعها لكنها تحدث بشكل منطقي".
جاءت ساعة الحقيقة، وبدأت مباراة الإياب على ملعب "ريازور" يوم 7 أبريل/نيسان 2004، ويومها أنهى ديبورتيفو الشوط الأول متقدماً بثلاثية نظيفة عن طريق والتر باندياني وخوان كارلوس فاليرون وألبرتو لوكي، قبل أن يختتم البديل فران غونزاليس رباعية أصحاب الأرض.
الأردن – العراق 1999
كان استاد عمان الدولي شاهداً على واحدة من أكثر المباريات العربية إثارة وجنوناً، حين تقابلت الأردن والعراق، يوم 31 أغسطس/آب 1999، في نهائي دورة الألعاب العربية، وبحضور الملك الأردني عبد الله الثاني، والآلاف من الجماهير في المدرجات.
طريق اللقب بدا مفروشاً بالورود للأردنيين، الذين رفعوا عداد النتيجة إلى 4-0 حتى الدقيقة السابعة والستين، على بعد 23 دقيقة فقط من النهاية.
قاد حسام فوزي صحوة العراقيين التي بدت متأخرة، وأحرز هدفين متتاليين في الدقيقتين 73 و75، قبل أن يصدم حيدر محمود النشامي بالهدف الثالث في الدقيقة 78، ليعم الصمت والذهول على المدرجات الأردنية، التي كانت تحتفل بذهبية العرب.
وحصل ما كان يخشاه جمهور الأردن في الدقيقة 87، حين أدرك رزاق فرحان الهدف الرابع والتعادل لأسود الرافدين، لكن "الريمونتادا" لم تكتمل هذه المرة، لأن ركلات الترجيح تعاطفت مع أصحاب الأرض، وعوّضتهم عن خوف وصدمة دقائق اللعب.
ريال مدريد وأكثر من ريمونتادا متتالية في 2022
خلال النسخة الحالية من دوري أبطال أوروبا حقق ريال مدريد أكثر من ريمونتادا، متجاوزاً فريقاً تلو الآخر وصولاً إلى المباراة النهائية.
بدأ النادي "الملكي" تلك السلسلة المذهلة من دور الـ16 حينما قلب تأخره في مباراة الذهاب بهدف دون رد، إلى فوز في مباراة الإياب بنتيجة 3-1، بفضل الفرنسي كريم بنزيمة الذي سجل الثلاثية في ظرف 17 دقيقة.
وفي دور الثمانية حقق ريال مدريد فوزاً عريضاً على تشيلسي في مباراة الذهاب على ملعب "ستامفورد بريدج" بنتيجة 3-1، لكن الفريق الإنجليزي انتفض في مباراة الإياب وتقدم بثلاثة أهداف دون رد، لتبدو طريقه مفروشة بالورود للتأهل إلى نصف النهائي.
لكن ريال مدريد ردّ بهدف متأخر عبر رودريغو، ليتم اللجوء إلى شوطين إضافيين، سجل فيهما بنزيمة الهدف الثاني، ليمنح فريقه بطاقة العبور إلى المباراة النهائية.
"الريمونتادا" الثالثة كانت أمام مانشستر سيتي في نصف النهائي، إذ انتصر الأخير في مباراة الذهاب على أرضه بنتيجة 4-3، وفي مباراة الإياب بدت معجزة أخرى للريال لن تتحقق هذه المرة، بعدما تقدم الضيوف بهدف رياض محرز في الدقيقة 73.
الهدف المتأخر وعدم رد ريال مدريد بهدف على الأقل حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة جعلا الجميع يدرك أن الأمور حُسمت هذه المرة للسيتي، لكن السيناريو المجنون حدث، وظهرت الريمونتادا مجدداً.
البديل الذهبي رودريغو نجح أولاً في تذليل الفارق بالدقيقة 90، وبعد لحظات عاد وسجل الهدف الثاني، لتتساوى الكفتان ويُفرض شوطان إضافيان مرة أخرى، وكالعادة سجل بنزيمة هدف الفوز من ركلة جزاء، ليعبر البطل التاريخي لدوري الأبطال إلى المباراة النهائية.