عادت الجماهير بأعداد غفيرة، إلى ملاعب كرة القدم في المغرب، بعد القرار الذي اعتُبر "مفاجئاً" لحكومة البلاد، إثر اجتماع عقده رئيس الوزراء عزيز أخنوش مع رئيس الاتحاد الوطني للعبة فوزي لقجع، في 24 فبراير/شباط 2022.
وتزامن هذا القرار مع موجة من الاحتجاجات عمَّت الشوارع المغربية، في كل المدن جرّاء ارتفاع مهول في الأسعار، أثقل كاهل الأسر المغربية، وزادته موجة الجفاف التي ميزت مناخ المغرب في السنة الجارية، الأمر الذي أشعل أسعار المواد الغذائية والمحروقات والخدمات.
الحراك الاجتماعي انتقل من الشارع إلى الملاعب المغربية، التي حرص خلالها الجمهور على رفع لافتات وشعارات تحتج على الوضع الاجتماعي التي بات المغاربة يعيشونه.
وتُتهم الحكومة الجديدة بأنها "أخلفت وعودها خلال فترة الانتخابات، وزادت معاناة المغاربة، لاسيما الطبقتان المتوسطة والفقيرة".
وربط كثير من المراقبين، قرار فتح الملاعب أمام الجماهير بالموجة الاحتجاجية ضد الغلاء التي شهدتها المدن المغربية في الأيام الماضية.
قرار لامتصاص الغضب الشعبي
رفضت فصائل "الألتراس" المساندة لنادي الرجاء الرياضي، العودة لمدرجات الملاعب، وأعلنت مقاطعة مباريات فريقها، سواء في الدوري المحلي أو في دوري أبطال إفريقيا، معللة ذلك باستغلال الملاعب سياسياً لإطفاء موجة الغضب الشعبي جراء الغلاء.
وقال بلاغ مشترك لمجموعتي ألتراس "غرين بويز" و"إيغلز"، إنه "بعد سنتين وفي أقل من 24 ساعة تم الإعلان عن العودة، إيهامكم لنا باستجابتكم لمطلبنا، غطاء مفضوح لمآرب جيوسياسية محضة".
واحتج الجمهور الرجائي على انخراط إدارة ناديه في سياق رفع الأسعار، بعد زيادته ثمن تذاكر الولوج للملاعب، إذ جاء في البلاغ: "إدارة الفريق خُيِّل لها أن التذكرة خاضعة أيضاً لمنطق الزيادات العالمية، عودتنا للملعب ستتأجل لموعد لاحق، تاركين الحرية لمن لا تهمه حريته، لكن بعيداً عن المدرجات الجنوبية الخاصة بالألتراس، لذا تعلن مجموعات كورفا سود عن إخلائه".
الطرح ذاته يتبناه مصطفى برجال، الفاعل الرياضي والسياسي، الذي اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "القرار الحكومي القاضي بعودة الجماهير للمدرجات بعد سنتين من المنع بدعوى وباء كورونا، جاء مباشرة بعد نزول المواطنين للشارع؛ احتجاجاً على غلاء الأسعار وتدهور الوضعية الاجتماعية للأسر بالمغرب".
وأضاف المتحدث أنَّ "فتح الملاعب في وجه الجماهير جاء فقط لامتصاص الغضب الشعبي جرّاء تدهور القدرة المعيشية للمغاربة بعد الزيادة الصاروخية التي شهدتها المواد الغذائية في الأسواق المغربية، هذا القرار جاء بشكل مفاجئ، دون تمهيد له أو وضع مخطط قبْلي، من أجل ضمان عودة سلسة للجمهور باحترام الإجراءات التي ظلت الحكومة تشدد عليها لمواجهة وباء كورونا".
ملاعب كرة القدم في المغرب
لاحظ برجال أن السلطات الأمنية تعاملت بمرونة غير مسبوقة مع الجماهير بعد عودتها للملاعب، عكس الفترة الماضية التي كانت تفرض إجراءات مشددة خلال عملية دخول المناصرين وخروجهم من الملاعب، بالنظر إلى الاحتقان الكبير الذي بات الشارع المغربي يعيشه في الفترة الأخيرة، بعد تراكم القيود المفروضة من الحكومة بداعي مواجهة كورونا، والتي تسببت في فقدان أعداد كبيرة من المغاربة عملهم ومصادر رزقهم، فضلاً عن قيود التنقل وفرض جواز التلقيح للاستفادة من الخدمات والمؤسسات العمومية والخاصة.
وأضاف المتحدث أنه "في الوقت الذي كانت السلطات تتشدد فيه مع المواطنين وتفرض عليهم إشهار جواز التلقيح وارتداء الكمامة الطبية، والتباعد وغيرها من الإجراءات، في الفضاءات العامة والخاصة، والإدارات والمحلات التجارية الكبرى والصغرى، فتحت الملاعب على مصراعيها لعشرات الآلاف من الجماهير لدخول الملاعب دون قيد أو شرط، دون تباعد ولا كمامة ولا جواز تلقيح، في الوقت الذي ماتزال هذه القيود تُفرض في أماكن أقل ازدحاماً كالمساجد والإدارات".
ويعتقد مصطفى برجال، أحد قياديي شباب "حركة 20 فبراير" بمدينة بركان، أن الحكومة كانت ذكية باتخاذها هذا القرار في هذا الوقت بالذات.
واعتبر المتحدث أن "الاحتجاجات في الشارع فاجأت السلطات، فقررت فتح الملاعب؛ من أجل نقلها إلى داخل المدرجات، في فضاء مُحكم الإغلاق، على مرأى ومسمع من رجال الأمن وتحت سيطرتهم".
وأشار إلى أن "عودة الجمهور ستفتح نقاشات أخرى داخل منصات التواصل الاجتماعي، وفعلاً بدأ روادها يتحدثون عن الأهداف وعن التحكيم وعن الأحداث التي تشهدها المباريات، بينما تراجعت التدوينات والتغريدات التي تحتج على الأوضاع الاجتماعية، لاسيما أن معظم رواد مواقع التواصل على الإنترنت من الشباب المهتمين بكرة القدم وينتمون لروابط المشجعين والأنصار للأندية المغربية".
الجماهير تدشن العودة بالحراك
الحراك الاجتماعي في الملاعب المغربية ليس وليد الظرف الحالي، بل انطلق منذ سنوات عديدة، وجاء "كورونا" ليوقفه مؤقتاً في العامين الماضيين، ولعل أغنية "فبلادي ظلموني" التي تغنَّى بها جمهور الرجاء احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للشباب المغربي، هي الأكثر شهرة في العالم العربي.
أيضاً فإن الجماهير المغربية المساندة لأندية أخرى غنت أيضاً عن الفقر والظلم، كأغنية "هاد بلاد الحكرة" الخاصة بجمهور اتحاد طنجة، وأغنية "القهرة والظلام" لجمهور الجيش الملكي، وأغنية "صوت الشعب المقموع" لجماهير الوداد الرياضي، التي افتتحت عودتها لمعقلها بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، بعد قرار الحكومة، بأغنية "عييت مانصبر" (تعبت من الصبر)، خلال مباراة فريقها أمام شباب المحمدية السبت 5 مارس/آذار الجاري.
وحرصت الجماهير المغربية بعد العودة إلى معاقلها، على رفع لافتات تهاجم الحكومة وتحتج على الأسعار والأوضاع الاجتماعية إلى جانب الهتافات، التي نال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، النصيب الأوفر منها.
ففي المباراة التي جمعت الجيش الملكي والدفاع الحسَني الجديدي لحساب الجولة الـ19 من الدوري المحلي، رفعت جماهير الرباط لافتة عليها العبارة التالية: "قرار فنهار ما غينسيناش الزيادة فالأسعار" (قرار العودة للملاعب المفاجئ لن يُنسينا في الزيادة في الأسعار).
ورفع جمهور نهضة بركان، في المباراة التي جمعته مع الرجاء الرياضي، لحساب الجولة الـ20 من الدوري المغربي، لافتة عليها: "البطالة طغات، المعيشة غلات، والفرقة تزيد تطيح المورال" (البطالة طغت والمعيشة أصبحت غالية، والفريق يزيد في خفض المعنويات).
وعبَّرت الجماهير المغربية عن تشبُّثها بموقفها من الأوضاع الاجتماعية رغم فتح الملاعب، إذ أجمعوا من خلال تصريحات إعلامية، على أنهم يطالبون بخفض الأسعار، وإيجاد مَخرج للأزمة الاجتماعية التي تهدد أوضاع الأسر المغربية رغم فتح الملاعب.
وقال أحد الشباب وهو من مشجعي الرجاء الرياضي: "على أخنوش أن يجد حلاً لنا، أو يفتح لنا باب الهجرة لنغادر البلاد، صحيحٌ أننا نشعر بالسعادة في الملاعب، لكن لا يمكننا الفرح وأُسرنا مقهورة بسبب ارتفاع الأسعار".
وقال عماد مكافح، الباحث في ظاهرة الألتراس، إنه يجب استحضار الأبعاد والاعتبارات في قرار فتح الملاعب تزامناً مع الحراك الشعبي على خلفية غلاء الأسعار بالمغرب.
وزاد المتحدث أن "السلطات والحكومة باتت تعرف جيداً فكر المدرجات، وتخوفت من نقله إلى الشارع، فالسبب الذي كان يجعلها تتردد في فتح الملاعب هو نفسه الذي دفعها اليوم لفتحها أمام الجماهير".
وأوضح أن "اللحظة الاجتماعية والاقتصادية التي اتُّخذ فيها هذا القرار، كانت حاسمة فيه، إذ إن انخراط جمهور الكرة- لاسيما فصائل الالتراس- في الحراك الشعبي ونزولهم للشارع، كانا سيشعلان الاحتجاجات، لذلك كان الحل بالنسبة للسلطات هو فتح الملاعب بسرعة وبطريقة فجائية، حتى يلعب الملعب دور الإسفنجة التي تمتص الغضب الشعبي، وتخلق متنفَّساً للشباب للتعبير عن غضبهم داخل فضاء رياضي متحكم فيه، عكس الشوارع التي قد تتحول إلى ساحات معارك لا قدر الله، أو قد يتحول الأمر ويتطور من مطالب اجتماعية إلى مطالب سياسية، على شاكلة ما حدث في عام 2011 خلال ما عُرف بحراك 20 فبراير/شباط".