تبدو علاقتي بحفلات الافتتاح لكل المسابقات الرياضية "سيئة للغاية" وأتعمد تفويت فرص مشاهدتها عن سبق إصرار وترصد، فأنتظر الانطلاقة الفعلية بفارغ الصبر وأغض الطرف عن الحفل مهما كانت نوعيته وأسماء الذين سيشاركون فيه؛ إلى أن عادت كأس العرب مجدداً بعد فترة توقف دامت لتسع سنوات، وتساءلت مع نفسي: هل من الضروري أن أواظب وأبقى وفياً لعادتي في مقاطعة أي حفل افتتاح لكل التظاهرات الماضية العالمية منها والإقليمية والمحلية؟
لم أخرج بجواب حاسم أو بالأحرى لم يتسن لي ذلك؛ لأنني ببساطة وجدت نفسي منسجماً مع مقاطع الأغاني الأولى التي ظهرت مع بداية الحفل لتتوالى بعدها "المفاجآت السارة" فأجد ونجد أنفسنا {سأسمح لنفسي بالحديث باسم الآخرين لأنني واثق من أنهم انبهروا بتفاصيل الحفل} في ثلاثين دقيقة من حلم جميل كنا نتمنى أن يدوم لساعات طوال أو بالأحرى أن يتحول لحقيقة وواقع ملموس فنفتح التلفزيون والإنترنت وتختفي أخبار الصراعات والمناوشات ولغة الانقسام والطعن من الخلف وكل ما نعانيه في واقعنا المر والمؤلم.
من الإنصاف أن نتحدث عن حفل افتتاح "تاريخي" و"مبهر"، واسمحوا لي أن أوضح أكثر ما أقصده بهذا الإبهار البعيد عن البذخ والصورة الجمالية المجانية الفارغة والجوفاء التي لا تحمل مضموناً ولا هدفاً ولا رسائل تهم البعد العربي لطالما أننا نتحدث عن "عرس كروي" لا يتكرر كثيراً، وهذا موضوع آخر سنعود له في مواد لاحقة؛ لكن ما شاهدناه في التحفة المعمارية استاد "البيت" كان شيئاً مغايراً وغير مسبوق، فتنوعت الرسائل وانهالت علينا من كل الجهات، فتارة نسمع الكبيرة وردة وهي تردد "وحشتوني"، ليرد عليها العندليب الأسمر صادحاً "على حسبي وداد"، فتطل كوكب الشرق هي الأخرى ولا تتخلف عن ركب نجوم الزمن الجميل.
غير أن الحوار الأكثر حرفية وعمقاً وإبداعاً جاء بالحرص على استحضار شخصيات عبقرية صالت وجالت على خشبات المسرح العربي، وذلك عبر تقنية "الهولوجرام"، حيث تفاجأ الحضور ومعهم المشاهدون برؤية الراحلين الكويتي عبد الحسين عبد الرضا والمصري سعيد صالح، ليدخلوا في حديث مكتنز بالعبر والدروس عن ماضي وحاضر العرب مع شخصية "جحا" التي برع الفنان السوري فايز قزق في تجسيدها، ولعل تسليط الضوء على موضوع الطيور العربية المهاجرة بتلك الصورة الفريدة ساهم في "أسر" قلوب ووجدان المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج، وأبى صناع الملحمة الفنية أن يختموها بطريقة كلاسيكية بل بأسلوب معبر وذي شجون، حين تساءل جحا: "إذن يا عرب أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت؛ هذا ما أتمناه على الأقل، ويبقى هناك سؤال مهم ويحتاج للإجابة: هل سنرجع؟ متى سنرجع؟".
ليكون الجواب سريعاً على لسان أغنية الكبيرة جارة القمر فيروز بأغنيتها الشهيرة "سنرجع يوماً"، ونحن بدورنا نضم سؤالنا لهم ونسأل: متى يحين هذا اليوم؟
جدير بالذكر أن صوتي الراحلين سعيد صالح وعبد الحسين عبد الرضا قام بتأديتهما الفنان المصري أحمد سعودي، بينما جسد الكويتي أحمد ايراج صوت أستاذه "بوعدنان"، وكي تكتمل الصورة وبهاء الحفل جاءت الإطلالة الرائعة للفنانين الشباب محمد بشار وأحمد الزميلي ومعهم نسمة الذين برعوا في تأدية النشيد الوطني المجمع لكل الدول العربية لتضفي سحراً وبعداً آخر على كل ما سبق، والدليل أننا إذا تعمقنا في إعادة تفاصيل الحفل سنرى بعض الحضور وهم يغالبون دموعهم من شدة التأثر وأيضاً في ملايين المشاهدات التي يحصدها فيديو النشيد وكم التعليقات الإيجابية الرهيبة حوله؛ كل هذا ويلومنا البعض في عشق الساحرة المستديرة والرياضة عموماً.
وقبل أن نختم وبالتالي نعود لواقعنا المزري، لابد أن نشكر كل صناع ملحمة الافتتاح، ونوجه تحية خاصة وشكراً كبيراً لقطر لحرصها على لم الشمل مجدداً وأيضاً بالإصرار على توثيق مشاهد الحب والوحدة والإخاء، وتكريم ثلة من المبدعين العرب، وإرسال كل هذه الرسائل المهمة التي أجزم أنها وصلت واخترقت كل الآفاق، وجعلتنا نعيش ثلاثين دقيقة من الحلم الجميل الذي نتوق ونثق رغم كل ما نراه أنه سيصبح يوماً ما واقعاً نعيشه.. فشكراً لكرة القدم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.