كل شيء اتضح من خلال منشور رونالدو قبل أيام قال فيه إنه لا يسمح لأي من كان بأن يتحدث باسمه، ويعلن في مكانه عن رحيله أو استمراره مع اليوفي، ليأتي بعد ذلك مباشرة إعلان المدرب ماسيميليانو أليغري عن بقاء النجم البرتغالي في اليوفي هذا الموسم، ويقطع الطريق أمام كل الشائعات والتوقعات التي تحدثت في الآونة الأخيرة عن انتقال صاروخ ماديرا إلى البياسجي، الريال أو حتى مانشستر يونايتد ليتبخَّر حلم عشاق الكرة في رؤية رونالدو ينهي مشواره مع ميسي في نفس الفريق، أو حلم عودته إلى الدوري الإسباني أو الإنجليزي، لكن كل هذا لم يمنع المتابعين من التساؤل حول مستقبل رونالدو الذي يخوض موسمه الرابع مع الفريق الإيطالي، وإذا لم يجدد قبل شهر يناير/كانون الثاني المقبل سيرحل حراً عند نهاية الموسم؛ مما يبقي الباب مفتوحاً أمام التحاقه بفريق آخر لاحقاً، لتستمر المغامرة ويستمر معها الجدل.
ماسيميليانو أليغري قطع الشك باليقين نهائياً عندما أكد استمرار رونالدو، رغم سوء التفاهم الذي حصل بينهما عندما كان مدرباً لليوفي في المرة الأولى، وفنَّد كل الشائعات التي راجت مؤخراً، مؤكداً أن البرتغالي سعيد مع فريقه، وسيستمر في مساعدته على تحقيق البطولات؛ مما وضع حداً لكل السيناريوهات التي كانت محتملة قبل أيام، وعلى رأسها إمكانية التحاقه بميسي في البياسجي، والذي كان يمكن أن يشكل حدثاً يجمع لأول مرة بين عشاق الأسطورتين الذين قضوا سنوات وهم يقارنون بينهما ويحسبون عدد أهدافهما ويغذون الجدل بشأن الأفضل خلال العقد الأخير، ليتضح في نهاية المطاف أنهما اثنان لا ثالث لهما، واثنان لا فرق بينهما من حيث البراعة الفنية والجماهيرية والقيمة السوقية وأهميتها في تحقيق المكاسب لمن يظفر بهما.
لا أحد كان يخفي اهتمام باريس سان جيرمان بخدمات البرتغالي هذه الصائفة وقبلها، لكن انضمام ميسي وسعي الإدارة الباريسية للاحتفاظ بجوهرتها كيليان مبابي ورغبة اليوفي في الاحتفاظ به وإبداؤه رغبته في الاستمرار، كلها عوامل اجتمعت لتستبعد رحيل هداف اليوفي عن فريقه دون أن يتطرق أي طرف عن التجديد منذ الآن؛ مما يفسح المجال أمام احتمالات كثيرة لاحقاً من بينها إمكانية التحاقه بميسي في البياسجي الموسم المقبل، أو عودته إلى الريال إذا فشلت صفقة مبابي، أو حتى العودة إلى فريق القلب المان يونايتد لإنهاء مشواره، كما كان يتمنى دوماً، ما يوحي بأن الرجل لا يفكر في الاعتزال، ولا يستهويه سوى المستوى العالي، والتحديات التي لا يقدر عليها سوى هو وقد اقترب من سن الأربعين.
الرابح الكبير من استقرار رونالدو هو اليوفي الذي حافظ على نجم كبير لا يزال يدرّ المداخيل على النادي ما دام يستقطب العشاق والمستثمرين والرعاة، ويسجل معدل ثلاثين هدفاً في الموسم، كما سيستفيد اللاعب بدوره من استكمال عقده والرحيل حراً في نهاية الموسم إذا أراد، وينتفع الدوري الإيطالي من تواجد نجم لا يزال يصنع الحدث، يبدع و يستهوي الأندية الكبيرة والدوريات الكبرى في أوروبا، وهو الأمر الذي لا يحدث سوى مع رونالدو وميسي دون غيرهما من نجوم الكرة اللذين صنعا الحدث هذه الصائفة واستقطبا اهتمام كل وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي التي راحت تترصد حركاتهما وسكناتهما أكثر من أي لاعب آخر بما في ذلك مبابي وهولاند، وحتى غريليش ولوكاكو اللذين انتقلا إلى السيتي وتشلسي دون أن يحدثا ضجة إعلامية كبيرة.
أما الخاسر الأكبر في السيناريو الحاصل فهو الريال عندما تركه يرحل بمبلغ زهيد لم يتجاوز المئة مليون يورو قبل ثلاث سنوات، ويفشل في استعادته في هذا الظرف، إلا إذا تمكن من تعويضه بالجوهرة الفرنسية كيليان مبابي، وهو الحلم الذي يبتعد كل يوم مع إصرار إدارة البياسجي على الاحتفاظ به وتجديد عقده لاحقاً؛ مما جعل النادي الملكي يجدد لبنزيما ويوجه بوصلته نحو النرويجي إيرلينغ هولاند الذي لن يفرط فيه بوروسيا دورتموند بأقل من 200 مليون يورو، وهو الرقم الذي لا يقدر عليه سوى السيتي وتشلسي وبدرجة أقل المان يونايتد التي أنفقت لحد الآن ما يقارب 700 مليون يورو في الميركاتو الصيفي، في وقت اكتفى الريال باستقدام دافيد ألابا بعدما فقد راموس وفاران.
البعض الآخر من المتابعين يعتقد أن رونالدو قرر الاستمرار مع اليوفي بعدما أغلقت في وجهه فرصة الانضمام إلى البياسجي بانتداب مسيسي، وبعدما أغلق الريال باب عودته منذ بدأ يركز على إتمام صفقة مبابي، وأن المان يونايتد لم يكن متحمساً لاستخدامه أصلاً؛ حفاظاً على توازن الفريق، لكن لا أحد يشكك في إمكانيات ومستوى وقيمة اللاعب وقدرته على صناعة الفارق في أي فريق رغم تقدمه في السن، ولا أحد يشكك في روح المنافسة التي يتحلى بها وإبداعاته التي تجعله ينافس الألقاب الجماعية والفردية وتحطيم الأرقام القياسية في عدد الأهداف التي سجلها في مشواره، مما يثبت أن رونالدو مانيا هي ظاهرة كروية لا تشبه الظواهر الكروية التي شهدها العالم عبر التاريخ.
رونالدو في اليوفي لموسم رابع، أو مع ميسي في البياسجي بعد أيام، أو في نهاية الموسم، أو حتى في المريخ أو كوكب زحل، يبقى أسطورة لا يختلف بشأنها أحد، كتب صفحات جميلة، وستكتب بشأنه كتب ومجلدات، وتنسج حوله سيناريوهات لأفلام ومسلسلات تروي قصة نجاح ليست بالضرورة هي الأفضل ولكنها الأكثر إثارة وتميزاً مع ثلاثة نواد عريقة، في ثلاث دوريات كبرى، وربما أربعة السنة القادمة.