لا سياسة في الألعاب الأولمبية، كقاعدة أقرتها اللجنة الأولمبية الدولية في يناير/كانون الثاني عام 2020، ضمن إرشادات جديدة تحظر على الرياضيين التظاهر سياسياً أو دينياً أو عرقياً خلال الأولمبياد الصيفية 2020 في طوكيو باليابان (يقام في 23 يوليو/تموز وحتى 8 أغسطس/آب 2021 بسبب جائحة كورونا).
قواعد الألعاب الأولمبية السابقة كانت تمنع الأنشطة الاحتجاجية في قواعدها الـ50 التي شملها الميثاق الأولمبي الذي وُضِعَ عام 1975، لكنها لم تُوضّح تحديداً طبيعة ما يُمكن اعتباره مظاهرة، لذلك جاءت الإرشادات الجديدة التي كانت أكثر وضوحاً.
فمثلاً حمل لافتات بشعارات سياسية مثل "حياة السود مهمة/Black Lives Matter"، أو رفع اليد بإشارة سياسية، أو تعطيل مراسم التتويج، كلها تعتبر من الأنشطة الاحتجاجية المحظورة.
وبغض النظر عن تبرير اللجنة له باعتبار نفسها طرفاً محايداً يرفض استغلاله لصالح أي أجندة سياسية، وأيضاً بعض الاعتراض الذي سجله عدد من الرياضيين، معتبرين أنه من حقهم التعبير عن رأيهم في الإصلاح، إلا أن السياسة في الألعاب الأولمبية كانت حاضرة على مدار تاريخها الممتد لـ125 عاماً.
السياسة في الألعاب الأولمبية
الاحتجاج السياسي الأول- 1906
في أول احتجاجٍ أولمبي مُسجّل، قام لاعب الوثب العالي الحاصل على الميدالية الفضية الأيرلندي بيتر أوكونور بتسلّق سارية علم بطول 6 أمتار تقريباً خلال حفل تسليم الميداليات، ليرفع علماً يحمل عبارة Erin Go Bragh (أي "أيرلندا للأبد").
وقد لفتت حركة أوكونور انتباه وسائل الإعلام في بريطانيا والولايات المتحدة إلى موضوع الحكم الداخلي الأيرلندي، لكن احتجاجه لم يُعرّضه لأي نوعٍ من العقوبات. وبعد يومين، فاز بالميدالية الذهبية في ثلاث مسابقات، ورفع علمه الأخضر المميز بعد كل فوز، كما أشار موقع HistoryNet.
صراع دموي في حمام السباحة- 1956
في هذا العام اجتاح الاتحاد السوفييتي المجر لقمع المظاهرات المضادة للشيوعية، وقتل ما يقارب من ألفي متظاهر، وصادف أن جمعت منافسات البطولة مباراة في لعبة كرة الماء بين فريقي المجر والاتحاد السوفييتي.
وقد ألغيت المباراة قبل الانتهاء بدقائق بسبب عنف الفريق السوفييتي، فيما ملأت الدماء حوض السباحة نتيجة إصابة لاعب مجري بجروح كبيرة في الرأس والوجه، وكان التشجيع بعد انتهاء المباراة من نصيب الفريق المجري الذي حقق الذهبية، وقد عرفت المباراة بـ"دماء في حوض السباحة"، وفق شبكة BBC البريطانية.
المساواة العرقية- 1968
في أولمبياد مدينة مكسيكو، رفع العداءان الأمريكيان تومي سميث وجون كارلوس لافتة تسلط الضوء على عدم المساواة العرقية، أثناء وقوفهما على منصة التتويج لتسلّم الميداليات الذهبية والبرونزية.
كما وقف الأسترالي الحاصل على الفضية بيتر نورمان تضامناً معهم، وهو يرتدي شعار المشروع الأولمبي لحقوق الإنسان خلال الاحتفال. وقد تسبّب هذا الاحتجاج الصامت في تدمير مسيرة الرياضيين الثلاثة تماماً، بعد إرسال الأمريكيين إلى بلادهم، وتجاهل اللجنة الأولمبية الأسترالية لنورمان لاحقاً.
مواجهة النظام السوفييتي- 1968
أثارت لاعبة الجمباز التشيكوسلوفاكية فيرا كاسلافسكا جدلاً مشابهاً في أوروبا الشرقية، حين استغلت أولمبياد مدينة مكسيكو كفرصةٍ لاتخاذ موقف في مواجهة النظام السوفييتي.
فقبل الأولمبياد بشهرين كان الاتحاد السوفييتي قد اجتاح مسقط رأس فيرا لقمع "ربيع براغ"، ولأنّها كانت ناقدةً لحكم السوفييت اضطرت لاعبة الجمباز أن تفر إلى غابةٍ بحثاً عن الأمان، وقطعت فيرا عهداً على نفسها "أن تبذل ما بوسعها لهزيمة ممثلي الغزاة" خلال الأولمبياد، واستخدمت معدات بدائية من الغابة للتدريب.
وما أثار الجدل أنّ اللاعبة أُجبِرَت على تقاسم الميدالية الذهبية مع الرياضية السوفييتية لاريسا بيتريك، ومع رفع أعلام التشيك والاتحاد السوفييتي جنباً إلى جنب أشاحت فيرا بوجهها بعيداً، وكتبت شبكة BBC البريطانية لاحقاً: "ربما جرى التقليل من أهمية تصرفها، لكن تداعياته كانت هائلة".
وفازت فيرا بأربع ميداليات ذهبية وميداليتين فضيتين في تلك الدورة، قبل أن تعتزل بعدها، ومع ذلك عجزت عن عيش حياةٍ طبيعية خلال العقدين التاليين، بعد أن نبذها مجتمع الجمباز وأُجبِرَت على شغل وظيفة عاملة نظافة، ولم يتم الترحيب بعودتها حتى سقوط الشيوعية بعد 20 عاماً.
احتجاج على الفوز- 1972
في أولمبياد ميونيخ عام 1972، ومع اشتعال الصراع بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية، وخاصة واشنطن وموسكو، حاولت اللجنة المنظمة تفادي وضع الفريقين الأمريكي والسوفييتي في أي من المجموعات المتنافسة في البطولة، لكن نجح فريق كلا البلدين في الصعود إلى المباراة النهائية في لعبة كرة السلة.
لعب الفريقان بصورة عادية حتى الدقائق الأخيرة، إذ نجح السوفييت بسبب أخطاء في التحكيم واحتساب الوقت الصحيح في اقتناص الفوز بفارق نقطة واحدة، بعدما احتسب الحكم ثلاث ثوانٍ إضافية لهم، وهو ما أثار سخط الأمريكيين، الذين امتنعوا عن تسلم الميدالية الفضية وأعلنوا رفضهم لما حدث، واتهموا كلاً من الحكام واللجنة المنظمة بمحاباة الفريق السوفييتي وتقاضي رشوة، وفق الرواية الأمريكية التي نقلتها صحيفة The New York Times الأمريكية.
قد يهمك أيضاً: الذهبية نفسها ليست غالية الثمن.. كم يكسب الرياضيون الأولمبيون الفائزون بالميداليات؟