في الوقت الذي يستمتع فيه جمهور كرة القدم عبر العالم، بمشاهدة مباريات كأس أوروبا 2020، يخيم شبح "الإرهاب" على جيش من رجال الاستخبارات والأمن والسياسة، المكلفين بتأمين الـ"يورو"، وإنجاحه من الناحية الأمنية.
ويتحمل رجال الاستخبارات مسؤولية ضمان مرور المباريات، التي تجرى على ملاعب العديد من المدن والدول الأوروبية لأول مرة في تاريخ البطولة، في جو رياضي دون مفاجآت غير سارة، وذلك بسبب ضعف وتيرة التوصل بالمعلومات من قبل المغرب، بسبب الأزمة العميقة التي تفجرت قبل أسابيع بين الرباط وإسبانيا من جهة، وألمانيا من جهة ثانية.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصدر مطلع فإن السلطات الأمنية الإسبانية طلبت من المغرب، بعد إسدال الستار على دور المجموعات ضمن بطولة كأس أوروبا 2020، (طلبت) استئناف تبادل المعلومات الأمنية بسبب الطبيعة الاستثنائية للتوقيت والتركيز الخاص على مسابقة كرة القدم.
ووفقاً للمصدر فإن التصعيد الدبلوماسي بين المغرب وإسبانيا، وضع أجهزة المخابرات الإسبانية في حالة تأهب، لأن مدريد لم تعُد في الوقت الحالي، المحاور الأوروبي مع أجهزة المخابرات المغربية، هذه الأخيرة التي قررت اللجوء إلى "حلفاء" أوروبيين آخرين، مثل فرنسا.
المغرب "يفسد" احتفالات "الستين سنة"
منذ إعلان المغرب شهر مايو/أيار 2020، تعليق جميع أشكال التعاون مع إسبانيا وألمانيا، عاشت المصالح الأمنية والاستخباراتية في أوروبا استنفاراً كبيراً، ورفعت درجة الحذر لحده الأقصى، بسبب فقدان شريك مهم في جانب التعاون الأمني.
وفقدت المصالح الأمنية الأوروبية قدراً مهماً من المعلومات الأمنية، تزامناً مع تنظيم حدث رياضي كبير، وبصيغة جديدة احتفالاً بمرور 60 سنة على تنظيم المسابقة، إذ كانت إسبانيا قبل الأزمة أول من يتوصل بالمعلومات والمعطيات ثم تعميمها على بقية الأجهزة التابعة لدول أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وبسبب قربها الجغرافي وعلاقاتها المكثفة مع المغرب، دأبت إسبانيا على لعب دور حلقة الوصل بين المغرب وأوروبا، قبل أن تنقطع بعد حادث استقبال إسبانيا إبراهيم غالي، رئيس جبهة البوليساريو، بهوية مزورة، دون أن تشعر السلطات المغربية بذلك.
محمد الدخيسي، والي الأمن المدير المركزي للشرطة القضائية في المديرية العامة للأمن الوطني ومدير مكتب الإنتربول في المغرب، قال إن "الأجهزة الأمنية تمتثل لجميع القرارات السيادية التي يتخذها المغرب، ما يعني تعليق التعاون الأمني مع ألمانيا وإسبانيا، استمراراً للمواقف والقرارات التي أعلنت عنها وزارة الخارجية المغربية".
وأضاف المتحدث أن "القرارات الدبلوماسية للدولة تنعكس على القرارات الأمنية بشكل تلقائي، بعد اندلاع الأزمة الدبلوماسية معهما، كما أن الأجهزة الأمنية في هذين البلدين تتكبد خسائر كبيرة بفقدانها التعامل مع الأجهزة المغربية".
مدير مكتب الإنتربول في المغرب، الذي كان يتحدث في برنامج تلفزيوني بثته القناة الثانية المغربية، قال إنه "من الطبيعي أن يتضرر العمل الأمني والاستخباراتي لدى ألمانيا وإسبانيا بعد توقف تبادل المعلومات ذات الطابع الأمني وتدفقها من الجانب المغربي".
وأشار المتحدث إلى أن "الأجهزة الأمنية المغربية، سواء المتعلقة بنفاذ القانون أو الاستخبارات بصفة عامة، يُعترف بأدائها ومهنيتها واحترافيتها وخبرتها العالية على الصعيد الدولي".
السياسة تُربك "يورو 2020"
بالتزامن مع "القرار المغربي السيادي" في تعليق التعاون الأمني مع إسبانيا، انطلقت تحذيرات عبر تقارير استخباراتية أوروبية من تعرض إسبانيا لهجمات إرهابية محتملة، تزامناً مع احتضانها لبعض مباريات كأس أوروبا 2020، بسبب خفض الرباط تعاونها الأمني مع سلطات مدريد كخطوة أولى، بعد الأزمة الدبلوماسية بين المملكتين، قبل تعليقها لاحقاً.
وأوضحت التقارير ذاتها، أن "احتضان إسبانيا لبعض مباريات كأس أوروبا 2020 بشكل خاص، كمواجهات المنتخب الإسباني عن المجموعة الخامسة، يفرض عليها تعزيز الجانب الأمني، بشكل كبير، بسبب وجود تهديدات إرهابية، تستهدف السياحة بشكل عام بشبه الجزيرة الأيبيرية".
كما حذرت التقارير التي أوردتها وسائل إعلام إسبانية، من استغلال عصابات الجريمة المنظمة، للفجوة الأمنية الحاصلة في إغراق الجنوب الإسباني بالمخدرات القوية والتقليدية، وتسلل إرهابيين محتملين وسط المهاجرين غير النظاميين الذين يواصلون زحفهم تجاه الشمال في ظل "التراخي" من الجانب المغربي في مراقبة الحدود الجنوبية للقارة العجوز.
وكشفت التقارير المذكورة أن تزامن الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد من جهة وبرلين من جهة ثانية، مع بطولة كأس أوروبا 2020، جاء في وقت حساس جداً وغير مناسبٍ، بحكم أن الاستخبارات الإسبانية تعول على نظيرتها المغربية بشكل كبير، وتعتبرها عنصراً أساسياً في محاربتها للإرهاب، ولعبت دوراً حاسماً في صد العديد من التهديدات الإرهابية.
تهديدات إرهابية لكأس أوروبا 2020
تداولت صحف إسبانية التهديدات الإرهابية التي تواجه إسبانيا خلال كأس أوروبا 2020، وتزامن ذلك مع تعليق المغرب تعاونه الأمني مع سلطات بلادها، أبرزها ما أشارت إليه صحيفة "أوكدياريو"، التي أكدت أن مستوى تتبع مدريد للإرهاب على المستوى الداخلي محدود، الشيء الذي يدفعها للتنسيق بشكل كبير مع المغرب في هذا المجال.
وأضافت التقارير نفسها أن سلطات إسبانيا تسابق الزمن لاستعادة التعاون الأمني مع المغرب، بالتزامن مع منافسات كأس أوروبا 2020، غير أنها اصطدمت بتصلب الموقف المغربي، ما جعل وسائل الإعلام المذكورة تبدي تخوفها من تأثير الأزمة الدبلوماسية على كأس أوروبا 2020، ليس فقط في إسبانيا، وإنما في ألمانيا وبقية الدول الـ11 التي تحتضن المباريات أيضاً، إذ سعت إسبانيا عبر جميع القنوات، إلى التخفيف من حدتها، قصد تحيين العديد من المعطيات الاستخباراتية لديها.
فرنسا بديل لإسبانيا
لم تتنفس الأجهزة الأمنية في أوروبا الصعداء، إلا بعد أن قبل المغرب بعد وساطات مكثفة من العديد من الدول الأوروبية "الصديقة" في مقدمتها فرنسا، استمرار التعاون الأمني المغربي مع أوروبا، في قضايا تتعلق بالإرهاب والجريمة المنظمة، بعدما رفضت السلطات المغربية رفضاً قاطعاً التعامل مع نظيرتها الإسبانية.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن التعاون الأمني بين المغرب وبعض الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا، استؤنف بشكل مكثف، في مقابل تعليق جميع أشكال التعاون أو التعامل مع إسبانيا في ظل استمرار الأزمة.
وأضاف المتحدث أنه "بات على إسبانيا أن تنتظر التوصل بالمعلومات والمعطيات الأمنية عبر قنوات أخرى بعدما كانت مدريد السباقة إلى التوصل بها قبل الأزمة، هذا التوافق أزاح الكثير من الارتباك عن المكلفين بالجوانب الأمنية لبطولة كأس أوروبا 2020، في عدد من دول القارة العجوز المعنية بالمباريات، سيما بعد عودة الجماهير للملاعب".
وأضاف المتحدث ذاته: "من جهة، حافظ المغرب على موقفه المتقدم في أزمته مع إسبانيا وألمانيا، ومن جهة أخرى لا يسع السلطات المغربية إلا أن تساهم في تجنيب وقوع أحداث إرهابية محتملة، أو إفساد تنظيم تظاهرة رياضية يستمتع بها الجمهور الرياضي عبر العالم في حجم كأس أوروبا 2020".
حميد السموني، الإعلامي والمحلل السياسي المغربي، قال إن "إسبانيا فشلت في تدويل أزمتها مع المغرب، عبر الاستقواء بالاتحاد الأوروبي، وإن دول الاتحاد الأوروبي تعلم جيداً قيمة ما يُمثله المغرب بالنسبة لها، خاصة في الجانب الاستخباراتي المتعلق بتبادل المعلومات ذات الطابع الأمني، بالتزامن مع بطولة مهمة متمثلة في كأس أوروبا 2020، وهو ما جعلها تحترم قرار السلطات المغربية تجاه إسبانيا، في المقابل التمست منها استمرار التعاون الأمني مع بقية الدول التي ترتبط معها بعلاقات جيدة".
وزاد المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "موقف المغرب سواء من إسبانيا أو ألمانيا قرار حاسم وحازم ولن يتراجع عنه، وحالياً لا وجود لأي تنسيق أمني معهما، بينما يواصل تنسيقه مع دول المجموعة الأوروبية بحكم ارتباطه معها بشراكات تضم التزامات وواجبات وحقوقاً".
واعتبر المتحدث أن "المغرب وفى بالتزاماته مع جميع دول العالم، وبوضع متقدم مع دول الاتحاد الأوروبي، وأخلاقياً فالمغرب سيتدخل إذا كان هناك خطر يهدد إحدى الدول الأوروبية من جانب سيادي، باستثناء إسبانيا وألمانيا، اللتين أظهرتا مواقف معادية للوحدة الترابية للمملكة الشريفة".
من جانبه، وصف خوسيه بونو، وزير الدفاع السابق في إسبانيا، دخول بلاده في علاقات متوترة مع المغرب بـ"الانتحار".
وقال خوسيه بونو، الذي عمل لفترة وزيراً للمخابرات في إسبانيا، في تصريح للقناة السادسة الإسبانية، "إن الأجهزة الأمنية الإسبانية، تمكنت من اعتقال إرهابيين متطرفين ومنع تنفيذ هجمات دامية، بفضل التعاون الاستخباراتي المغربي".
وسبق أن كشف تقرير للمخابرات العسكرية في إسبانيا، صدر عام 2018، أنه "في مجال التعاون الدولي في قضايا الأمن والدفاع (الإرهاب، الهجرة غير النظامية، تهريب المخدرات…)، يتعاون المغرب بشكل نشط وفعال مع الدول الأوربية، وخاصة مع إسبانيا"، من خلال مساهمة تزود "أوروبا بالأمن في مواجهة تهديدات منطقة الساحل".