لم يسلم المدرب الفرنسي ذو الأصول البوسنية، وحيد خليلوزيتش، مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم، من انتقادات الجمهور والإعلام الرياضي، كما كان حاله دائماً خلال تجاربه السابقة سواء في كوت ديفوار، أو بالجزائر، أو اليابان.
ويتميز المدرب بطبيعة شخصيته العنيدة، وسوء التواصل الذي اشتكى منه لاعبو منتخبات البلدان التي أشرف على تدريب فرقها، إذ كان ينتهي به المطاف دائماً مُقالاً من منصبه من قِبل الاتحادات الكروية التي أشرف على منتخباتها الوطنية.
ولأن "الأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها"، بات كثير من المراقبين والنقاد الرياضيين يتوقعون نهاية مماثلة لعلاقة خليلوزيتش مع المنتخب المغربي، إذ تمكن الرجل في تجاربه السابقة من قيادة منتخبي اليابان وكوت ديفوار إلى نهائيات كأس العالم دون أن يحضرها معهما بعد إبعاده، باستثناء المنتخب الجزائري، الذي قاده لنهائيات مونديال 2014 وشارك معه، لكنه أُقيل من منصبه مباشرة بعد خروج "منتخب الخضر" من الدور الثاني.
خلافات وسوء تواصل
تفجرت خلافات بين المدرب الفرنسي-البوسني، خلال التجمع الإعدادي الأخير للمنتخب المغربي، الأسبوع الماضي، قبيل المباراتين الوديتين التي واجه خلالهما المغرب منتخبي غانا وبوركينا فاسو.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن بعض لاعبي منتخب المغرب دعوا فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، إلى تغيير المدرب، بسبب تجدد الخلاف معه في كل تجمُّع إعدادي.
ورغم أن مسؤولاً بارزاً بالاتحاد المغربي حاول نفي الموضوع، فإن مصادر "عربي بوست"، أكدت أن "بعض اللاعبين المحترفين تحدثوا إلى لقجع، وعبّروا عن رغبتهم في التعاقد مع مدرب جديد، مبررين طلبهم بضعف التواصل معه، والناتج عن صعوبة نطقه باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وشخصيته العنيدة وطباعه الصعبة، فضلاً عن فارق السن الكبير بينهم وبينه، ما تسبب في حدوث مشاكل في أغلب التجمعات التي خاضها منتخب (أسود الأطلس) منذ التعاقد معه قبل عامين".
وكشفت المصادر نفسها، أن "التجمع الأخير للمنتخب الوطني شهد حدوث خلاف بين بعض اللاعبين وخليلوزيتش، ضمنهم نجم المنتخب المغربي حكيم زياش، متوسط ميدان تشيلسي الإنجليزي، والذي دخل معه في ملاسنات خلال إحدى الحصص الإعدادية، إلى درجة أن المدرب هدد بعدم استدعائه مرة أخرى، قبل أن يتدخل مسؤولو الاتحاد المغربي الذين نظموا حفلاً بمناسبة تتويج اللاعب بلقب دوري أبطال أوروبا رفقة الفريق الإنجليزي، بهدف تلطيف الأجواء".
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من المصادر نفسها، فإن "الخلاف مع خليلوزيتش لا يشمل جميع اللاعبين، وإنما بعض من لعب تحت إمرة المدرب الفرنسي السابق هيرفي رونار، الذي كان على تواصل دائم بهم، ويسمح لهم ببعض ما يعتبرونه خصوصية أثناء التجمعات الإعدادية، عكس المدرب خليلوزيتش الذي يبدي ملاحظاته بشأنهم ويتدخل في كل ما يحدث بكل تجمُّع إعدادي".
هجوم لاعبين غير المُستدَعين
وسبق أن أبعد مدرب منتخب المغرب نصير المزراوي، الظهير الأيمن لنادي أياكس أمستردام الهولندي، من المنتخب، بسبب خلاف معه خلال أحد تجمعات "الأسود" السابقة، وامتنع عن استدعائه مجدداً، بدعوى أنه أهان حامل الأمتعة.
وتعهد خليلوزيتش بعدم استدعائه مجدداً، شأنه شأن عبدالرزاق حمد الله، مهاجم النصر السعودي، والذي قال عنه المدرب الفرنسي إن "أمره انتهى بالنسبة له"؛ ما دفع عبدالرحيم حمد الله، وكيل وشقيق عبدالرزاق حمد الله، إلى التصريح بأن مدرب المنتخب المغربي "ليس مؤهلاً لقيادة أسود الأطلس".
وقال المتحدث إن "هيرفي رونار المدرب السابق للمنتخب المغربي، كان يتمتع بخبرة وتأهيل أكثر منه، لكنه لم يستطع حتى الفوز بكأس الأمم الإفريقية، على الرغم من بقائه لمدة 4 سنوات تقريباً، المغرب بلد كبير ويحتاج مدرباً كبيراً".
وكان البوسني وحيد خليلوزيتش، مدرب منتخب المغرب، عرض خلال مؤتمر صحفي سابق، صورة لـ"منشور" سابق لحمد الله على حسابه الشخصي في "إنستغرام"، أعلن خلاله الدولي المغربي اعتزاله دولياً، لتبرير عدم ضمه للمنتخب، رغم تألق المهاجم المغربي بقميص النصر والإشادة الكبيرة التي يتلقاها من الصحافة السعودية والآسيوية.
غضب أمرابط
من جانبه، عبر نور الدين أمرابط، لاعب النصر السعودي، عن استيائه من طريقة تعامل المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش، المدير الفني للمنتخب المغربي، في مسألة استبعاده من صفوف منتخب المغرب، بعدما كان في المرحلة السابقة أحد أعمدته الأساسية، وتألق رفقته بمونديال روسيا في العام 2018.
وقال أمرابط، في تصريحات للصحافة السعودية: "لعبت أول ثلاث مباريات، ثم تعرضت للإصابة بأوتار الركبة، وبعدها لم يستدعني، ولم أتلقَّ أي اتصال منه، كان يجب أن يتصل بي أو يجعل أحد مساعديه يتواصل معي، لكي يشرح خلفيات وأسباب عدم رغبته في خدماتي بشكل أفضل".
وشارك أمرابط في آخر مباراة له مع المنتخب المغربي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أمام بوروندي، في التصفيات المؤهلة إلى كأس الأمم الإفريقية 2022، حيث شارك لمدة 6 دقائق فقط، وحقق أسود الأطلس الفوز بثلاثة أهداف دون رد.
ويضع الخلاف بين بعض لاعبي المنتخب المغربي والمدرب الفرنسي، الاتحاد المغربي لكرة القدم أمام امتحان صعب، بسبب اقتراب موعد انطلاق التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم، التي تحتضنها قطر السنة المقبلة، والمقررة في شهر سبتمبر/أيلول 2022، إضافة إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم، المقرر إجراؤها بالكاميرون في يناير/كانون الثاني 2021، إذ بات الاتحاد المغربي ملزماً بإيجاد الحلول المناسبة، والحسم في مصير المدير الفني للمنتخب قبل الدخول في المباريات الجدية، ﻻسيما أن المنتخب الوطني بحاجة إلى جهود جميع اللاعبين، خلال الاستحقاقات المقبلة، حيث بات متوقعاً أن يسقط لاعبون جدد من المفكرة التقنية للمدرب، بسبب الخلافات المذكورة، وبالتالي حرمان المنتخب من جهود أبرز لاعبيه.
زلة لسان أم سلاطته؟
في ندوة صحفية عقدها خليلوزيتش في أبريل/ نيسان 2021، تحدث عن المنتخب الجزائري حامل لقب كأس إفريقيا للأمم، وعن رغبة الجمهور المغربي في التتويج أيضاً بهذا اللقب، الأمر الذي أشعل منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وإعلام الجارين المغرب والجزائر، بعدما دعا مدرب منتخب المغرب رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم والإعلام إلى وقف مقارنة منتخبهم بنظيره الجزائري، مضيفاً قوله: "الجميع هنا وحتى رئيس الاتحاد غاضبون وقلقون بشدة، فقط لأن الجزائر هي من فازت بكأس إفريقيا، أنتم تفضّلون الآن الفوز بكأس إفريقيا حتى على حساب الفوز بكأس العالم".
وأوضح مسؤول بالاتحاد المغربي للكرة لـ"عربي بوست"، أن "خليلوزيتش لم يقصد ما قاله، وأن التعبير خانه مرة أخرى باللغة الفرنسية، وهو المعروف عنه أنه لا يجيد توصيل ما يريد قوله".
وأضاف المتحدث أن "الجميع يعلم يقيناً أن لا أحد تفاعل بحزن أو غضب بعد تتويج منتخب الجزائر ، بل العكس كانت هناك فئات عريضة من جماهير المنتخب المغربي قد ساندت ثعالب الصحراء في مصر وشجعت الجزائر جنباً إلى جنب مع الجمهور الجزائري".
وقال المتحدث: "أعتقد أن ما قاله وحيد مجرد زلة لسان، وليس كما فهمت الأغلبية، ﻻسيما الصحافة الجزائرية".
غضب الجمهور
التصريحات المذكورة أشعلت منصات التواصل الاجتماعي، وأججت غضب الجمهور المغربي الذي طالب خليلوزيتش بالاعتذار الفوري، والرحيل عن تدريب المنتخب الوطني، رغم أن المدرب نجح في قيادته بالتصفيات القارية دون أيّة هزيمة، إذ تصدَّر ترتيب مجموعته الثامنة برصيد 14 نقطة، ليتأهل للمنافسات النهائية لأمم إفريقيا التي ستحتضنها الكاميرون مطلع العام المقبل.
وصبّ الجمهور المغربي غضبه على المدرب خليلوزيتش، بسبب المستوى الباهت والأداء غير المقنع الذي يقدمه المنتخب في عهده، محملاً إياه مسؤولية تواضع مستوى منتخب الأسود طيلة المباريات السابقة، بسبب ما اعتبروه عدم استغلال إمكانات اللاعبين الذين يعتبرون من بين الأفضل في الملاعب الأوروبية.
واعتبر غالبية رواد منصات التواصل الاجتماعي بالمغرب أن الأسلوب الذي يلعب به وحيد خليلوزيتش لا يبعث على الاطمئنان، على بُعد شهرين من خوض غمار التصفيات المؤهلة لكأس العالم، مطالبة بضرورة الإسراع في التعاقد مع مدرب جديد، يستطيع إعادة التوهج للمنتخب، خاصةً أن التصفيات المؤهلة للمونديال ستكون صعبة وسيواجه خلالها منتخب الأسود منتخبات متمرسة وقوية، ما قد يبخر أحلامهم ببلوغ نهائيات كأس العالم المقبلة.
وحيد يدافع عن نفسه
دافع خليلوزيتش عن حصيلة عمله مع منتخب "أسود الأطلس"، مؤكداً أنه حقق الأهداف التي طُلبت منه حتى الآن وأنه يتقبل الانتقادات، لكنه ينزعج من المطالبات المستمرة من البعض برحيله.
وقال المتحدث خلال المؤتمر الصحفي المذكور: "نحن نعرف أنه من الصعب إرضاء الجميع أو أن يحبّك الجميع، لذلك أنا أيضاً لا أحب تلك الفئة التي لا تحبني أو تنتقدني".
وأضاف المتحدث: "تعودت ذلك وكانت لي عدة تجارب، وعشت وضعيات صعبة، على غرار تدريب منتخبي اليابان وكوت ديفوار وغيرهما، وأصبحت أملك ما يكفي من الخبرة لأواجهها".
وقال: "إذا أردتم انتقادي فلا مشكلة لديَّ في ذلك، في بداية مشواري مع الجزائر، كانت الأمور أكثر من صعبة، ثم في نهاية المطاف الكل كان سعيداً، لأنهم قاموا بمشوار جيد في كأس العالم، لكن الأمور لم تكن سهلة وفكرت في الرحيل أكثر من مرة".
وأضاف المتحدث: "مع ساحل العاج فكرت أيضاً في الرحيل، فُزنا بجميع المباريات ثم خرجنا من دور ربع النهائي في كأس إفريقيا، فقال رئيس البلاد وليس رئيس الاتحاد الإيفواري لكرة القدم، إن وحيد لا يجب أن يخوض كأس العالم".
واتهم خليلوزيتش مدربين مغاربة بالوقوف وراء المطالب برحيله، إذ قال: "الانتقادات التي تطالب برحيلي تأتي من مكان معين، بعض الأشخاص يريدون مكاني، لأن منصب مدرب المنتخب مطلوب بكثرة، شيء طبيعي أن يرغب المدربون المغاربة في أن يحصلوا على شرف قيادة منتخب بلدهم".
تكلفة باهظة
أكدت مصادر "عربي بروست" أن "تكلفة إقالة المدرب وحيد خليلوزيتش من قِبل الاتحاد المغربي ستكون باهظة جداً، ﻻسيما إذا جاءت من طرف واحد وليس عن طريق التراضي، كاشفةً أن البوسني-الفرنسي يرتبط بعقد يمتد لأربع سنوات، وقَّعه في شهر أغسطس/آب من العام 2019، أمضى منها خليلوزيتش نحو سنتين".
وسطّر الاتحاد المغربي عدة أهداف في بنود العقد فرضها على المدرب، بداية بتحقيق التأهل لنهائيات كأس العالم 2022 بقطر، والعبور على الأقل إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا "كاميرون 2021″، ثم التتويج بلقب الكأس ذاتها لنسخة 2022، مضيفةً أنه "في حال الإخلال بأي من الأهداف المذكورة سيكون من حق الاتحاد المغربي فسخ التعاقد قبل فترة إخطار تمتد لثلاثة أشهر، من أجل إنهاء الارتباط".
وأضافت المصادر ذاتها أن المدرب الفرنسي ناجح لحد الآن في مهمته، وتمكن من التأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، موضحاً أن على الاتحاد المغربي انتظار تعثر المغرب في النهائيات القارية وعدم بلوغ نصف النهائي، لفسخ العقد معه بأقل الأضرار المالية، وهو ما يرفضه الجمهور المغربي جملة وتفصيلاً، والذي يطالب بإقالته قبل انطلاق المنافسات، بل قبل انطلاق تصفيات المونديال بعد شهرين من الآن.
وكشفت المصادر ذاتها أن وحيد خليلوزيتش يتلقى 100 ألف دولار راتباً شهرياً، فضلاً عن الامتيازات والمِنح الأخرى، وعلى الاتحاد المغربي تأدية جميع رواتبه إلى غاية نهاية عقده في حال رغب في فسخه من جانب واحد، ما يعني دفع رواتب 24 شهراً، ما يعادل مليونين و400 ألف دولار.